مستقبل العلاقات الخليجية مع الأردن

02 فبراير 2023
نصف دخل الأردن من العملات الأجنبية يتأتى من دول الخليج (فرانس برس)
+ الخط -

بالرغم من نضب المساعدات المباشرة التي اعتاد الأردن الحصول عليها من دول الخليج، إلا أن نصف دخل الأردن من العملات الأجنبية السنوي ما يزال يتأتى من دول الخليج بأشكال مختلفة. ولعل أهمها هو حوالات الأردنيين العاملين في دول الخليج، ومن بعدها تدفق الاستثمار والقروض، وثالثها هو الصادرات من السلع، ورابعها السياحة سواء كانت أسرية أم علاجية أم تعليمية.

ومع أن ميزان المدفوعات يسجل عادة عجزاً، بمعنى أن مدفوعات الأردن الخارجية تفوق إيراداته من باقي دول العالم، إلا أن الأردن يحتفظ بعملات أجنبية تصل في مجموعها إلى أكثر من 23 مليار دولار، وتتوزع هذه بين حسابات غير مقيمة لدى البنوك التجارية أو على شكل ودائع احتياطية لدى البنك المركزي الأردني، والذي يدير بحكم قانونه الاحتياطي الرسمي للمملكة الأردنية الهاشمية. وهذه تساوي حوالي 17 ملياراً لدى البنك المركزي والباقي بحدود سبعة مليارات موجودة لدى البنوك المرخصة.

وللاحتفاظ بهذه الأرصدة الأجنبية، فإن الأردن يربط عملته بالدولار منذ عام 1995. وقد ساهم ذلك في تحقيق الاستقرار النقدي للدينار الأردني، ولكنه لم يأت نتيجة الربط وحسب، وإنما نتيجة احتفاظ الأردن بفوائد على الدينار أعلى من الفوائد على الدولار بحوالي 400 نقطة أساس، أو بنسبة 4% فائدة أعلى من تلك التي تدفع عن الدولار. وبفضل هذا الإغراء، احتفظ كثير من الأردنيين بالدينار طلباً للمردود الأعلى بدلاً من اللجوء إلى الدَّوْلَرَة، او استبدال الدولار بالدينار.

ولما بدأ البنك الاحتياطي الأميركي برفع سعر الفائدة خلال عام 2022 لكبح جماح التضخم خاصة بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، اضطر البنك المركزي الأردني لرفع سعر الفائدة بنفس النسب، وقد ارتفع سعر الفائدة منذ ذلك الحين على الأرصدة بالدينار بحوالي 375 نقطة أساس.

وهكذا وجد كثير من الدائنين والتجار أن كلف الاقتراض قد ارتفعت عليهم في الوقت الذي يعاني كثير منهم من قلة الإقبال على سلعهم بسبب ثبات الأجور في القطاع الرسمي، وتراجعها في القطاع غير الرسمي، مما أفقد الأسر الأردنية كثيراً من القوة الشرائية لدخولهم بنسبة تصل إلى حوالي 7.5% سنوياً دون تعويض، بل بزيادة الأعباء عليهم لارتفاع معدلات البطالة بين أبنائهم وبناتهم.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وكالعادة، توقع كثير من الأردنيين أن تقوم بعض دول النفط الشقيقة بمساعدة الأردن لردم الفجوة بين حاجاته ودخله، خاصة أن إيرادات دول الخليج النفطية ارتفعت كثيراً بفضل ارتفاع أسعار النفط والغاز. ولكن استجابة دول الخليج بقيت محدودة.

ولعل الأسباب الكامنة وراء ذلك كثيرة ولكن أهمها أن الفترة المتاحة لدول الخليج لكي تنوع اقتصاداتها بعيداً عن النفط لم تعد طويلة. ولذلك قام بعضها بتسريع عملية التنويع والتحديث والتركيز بمخصصات مالية كبيرة ما جعلها بحاجة إلى دخلها، ولا شك أن معظم المساهمات الخليجية للأردن قد تحولت من المساعدات إلى الاستثمار.

والسبب الثاني هو أن الطلب على موارد الخليج كبير، وهي نفسها لم تعد قادرة أو راغبة في الاستجابة للدول القوية الغربية حين تطالبها بتدوير مواردها في الاقتصادات الغربية. فالدخل من النفط، والذي ما يزال الأكبر والأهم في السعودية والكويت وقطر، ترى أن مبيعاتها بدأت تتحول إلى الدول الآسيوية، خاصة أن مصلحتها تقتضي تعميق التعاون مع هذه الدول. وبمعنى آخر، فإن دول الخليج بدأت تغير نموذج سياستها الخارجية من مبدأ التحالفات والاصطفافات إلى مبدأ المصالح المتبادلة.

والسبب الثالث ولربما الأهم هو التغير الواضح في مفهوم الأمن لدى دول الخليج. ولقد كان مفهومها الأمني يقوم على العلاقة الواضحة مع جيرانها العرب خاصة، والدول الإسلامية القريبة منها، وأخيراً وليس آخراً الدول العظمى وبخاصة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. ولكن هذه الترتيبة اضطربت منذ اندلاع الثورة الإيرانية والحرب العراقية الإيرانية. وتفاقمت أكثر بعدما احتل العراق الكويت عام 1990 وبعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003.

وأخيراً جاءت مرحلة الانشطار داخل دول الخليج حيال علاقات دول الخليج مع إيران وتركيا وإسرائيل، وتفاوت رؤية كل منها لطبيعة تلك العلاقات. وزاد الأمور تعقيداً الحرب في اليمن وطول مدتها وتفاوت مصالح الدول الخليجية حيال تلك الحرب وحيال اليمن نفسها.

وفي ظل هذه الأسباب الثلاثة، لم يعد لدول الخليج موقف ثابت حيال القضايا التي كان من السهل الاتفاق عليها مثل دعم دول المواجهة (الأردن والسلطة الفلسطينية ومصر)، أو إنقاذ لبنان من ورطته المالية والاقتصادية والسياسية الحالية، أو حتى تقديم العون لمصر التي يتهاوى سعر صرف الجنيه فيها وتزداد المديونية فيها تفاقماً، أو الأردن الذي ما زال متماسكا بالقياس مع الأطراف الأخرى، ولكنها تحتاج إلى دعم الخليج المالي والاستثماري.

وقد مرت علاقات الأردن مع دول الخليج في عدة مراحل من المد والجزر. ولكن الميل التاريخي يعطي مؤشرات أن هذه العلاقة صارت تعاني من انفراط وحدة دول الخليج، ومن الخلافات الخليجية التي تترجم نفسها إلى ضغوط اقتصادية على الأردن. ولكن هذه يمكن تجاوزها بالحذاقة والحرفة السياسية الخارجية التي يتقنها الأردن. ولكن هناك قضيتان ستبقيان عالقتين ومعقدتين.

الأولى هي نمو العلاقة الخليجية الإسرائيلية مدفوعة بالرغبة في الحصول على مزايا وشراكات تستطيع إسرائيل جلبها إلى الطاولة لصالح دول الخليج، أو مشفوعة بالخوف من إيران وما يمكن للوساطة الإسرائيلية أن تفعله حيال هذا التهديد. ولكن تطبيع دول الخليج للعلاقات مع إسرائيل يفرض على الأردن أن تعيد النظر في أسلوب تعاملها مع إسرائيل.

فمن ناحية، فإن ارتباط الأردن بالقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني أوثق وأعمق بحكم التاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة من أي دولة عربية أخرى، واستمرار الوضع الحالي في الأرض المحتلة أو تصاعد العنف فيها له تأثير كبير على الأردن واستقراره وبمدى عمقٍ أكبر من تصورات البعض. ولهذا، فإن الأردن لا يرى في القضية الفلسطينية وتحولاتها وتحوراتها أنها قضية بلد مجاور، بل هي قضية أردنية داخلية بامتياز. ويطالب الأردن الدول الخليجية بتفهم ذلك.

أما القضية الثانية فهي إحجام دول الخليج عن دعم مصر ولبنان وسورية لأسباب خليجية داخلية ما يحمل معه رياح ضغط عاتية على الاقتصاد الأردني. فدعوة البرلمان الكويتي والحكومة السعودية إلى تكويت أو سعودة الوظائف حتى ولو على حساب مصر وحدها، يعني أن الأردن عليه أن يفتح اقتصاده لمزيد من الانكشاف والعجوزات التجارية والخدمية والاستثمارية حيال مصر. واستمرار إغلاق الاقتصاد السوري ومن ثم اللبناني أمام الأردن يعمق في المدى المنظور الأزمة الاقتصادية الأردنية.

لذلك، فالمطلوب من الأردن أولاً ودول الخليج ثانياً إعادة بلورة نموذج العلاقات المستقبلية بين الجهتين وهذه في تقديري يمكن أن ترتقي إلى ما يمكن تسميته بالمعامله الفضلى وتوقيع اتفاقية أردنية مع مجلس التعاون الخليجي تمنح حرية العمل والانتقال والتجارة والاستثمار بين الطرفين دون أن يكون الأردن عضواً سياسياً في منطقة الخليج.

والنقطة الثانية هي توقيع اتفاق عسكري أمني بين الطرفين يعتبر فيه الطرفان أن أي اعتداء على أي جزء من الطرفين هو اعتداء عليه ويتطلب منه تقديم أقصى ما يستطيع لرد ذلك الاعتداء. وهو ترتيب ينطوي على جزأين: الأول اقتصادي يعتبر الأردن الدولة الأكثر تفضيلاً أو (Most-favored nation) ويكون اقتصادياً منفتحاً كل الانفتاح على دول الخليج والعكس صحيح. والثاني هو توقيع اتفاقية ملزمة للتعاون العسكري والأمني بين الطرفين ويعتبران في حالة أي تهديد لأحدهما أو أي اعتداء عليه طرفاً واحداً.

الأردن مهم لأمن الخليج ولمشروعاته المستقبلية، ويشكل عنصر استقرار وأمن لها مهما تعاطت بعض دول الخليج مع إسرائيل.

المساهمون