مستقبل الصناعات العسكرية الإسرائيلية

19 يوليو 2024
جنود الاحتلال يقتحمون نابلس يوم 17 يوليو 2024 (ناصر اشتية/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **الهجوم المباغت وتأثيره**: هجوم المقاومة الفلسطينية في أكتوبر كشف ضعف قوات النخبة الإسرائيلية وأثر سلباً على سمعة إسرائيل في سوق السلاح والتقنيات الأمنية.
- **فشل أنظمة الدفاع الصاروخي**: نظام الدفاع الصاروخي آرو-3 فشل في التصدي لصواريخ المقاومة، مما أثار الشكوك حول فعاليته وتسبب في خسائر مالية كبيرة.
- **تدمير المعدات العسكرية**: المقاومة الفلسطينية دمرت مئات الدبابات وناقلات الجند الإسرائيلية، مما أدى إلى إعادة تقييم الدول لمصداقية الأسلحة الإسرائيلية ووقف تصديرها.

أصاب الهجوم المباغت للمقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مصداقية تقنيات الأمن الإسرائيلية وأجهزة الاستشعار والتجسس في مقتل، وأحاط مستقبل الصناعة العسكرية الإسرائيلية، مفخرة دولة الاحتلال في سوق السلاح والتقنيات الأمنية الدولية، بالشكوك وعدم اليقين، تماماً كما أصاب قوات النخبة المدججة بأحدث الأسلحة وأجهزة المخابرات والأمن الإسرائيلي، وهي مصادر الفخر الوطني، بالصدمة وكي الوعي الجمعي الإسرائيلي.

وانتهت أسطورة تاريخية، روّجت خلالها إسرائيل لصناعتها الأمنية والعسكرية والتجسسية بفخر واعتزاز لا يقبل النقاش، واستغلت ظهور جيش الاحتلال بمظهر الجيش الذي لا يقهر وتجريبه تلك التقنيات في حقل التجارب المجاني الذي يشمل كل الشعب الفلسطيني في غزة والضفة في الدعاية والتسويق لصناعتها العسكرية والأسلحة المتطورة والتقنيات الأمنية والتجسسية التي تنتجها، وتنافس بها الدول الكبرى المصدرة للأسلحة.
وأصبح مستقبل الصناعات العسكرية والأمنية وبرامج التجسس الإسرائيلية التي بلغت نحو 13.1 مليار دولار في عام 2023 مقابل 12.5 مليار دولار في عام 2022، محاطاً بالشكوك وعدم اليقين والخضوع للمراجعة من قبل الدول المستخدمة لتلك التقنيات، بعد أن اجتازت عناصر المقاومة بإمكانات بسيطة "الجدار الأمني الذكي" الذي استغرق بناؤه نحو 4 سنوات وتكلف 1.1 مليار دولار، وحيدت أعتى الأجهزة وبرامج التنصت في العالم التي عكف جهاز الاستخبارات الإسرائيلي على تطويرها خلال عقود مضت.
وقد تغلبت عقول "الهواة" الفلسطينيون على أجهزة الرصد المركبة بالجدار، وحيّدت تقنيات التجسس والإنذار المبكر، وعطلت أجهزة إطلاق النار الذاتية، وأعمت كاميرات ورادارات المراقبة وأجهزة التنصت السرية التي تعمل فوق الأرض وتحتها. واخترقت أجهزة الاتصالات والتحكم بين مركز قيادة الجيش في تل أبيب وبين مراكز القوات المتمركزة في غلاف غزة وحتى عمق 35 كيلومتراً.
وصفت صحيفة لوفيغارو الفرنسية، التكنولوجيا المركبة في الجدار الفولاذي بأنها "خلاصة الإبداع التكنولوجي"، وقالت عنه القيادة الصهيونية إنه فريد من نوعه في العالم وغير قابل للعبور، ورغم ذلك كان "هشاً للغاية" أمام مقاتلي حماس الذين عبروا الحدود إلى داخل إسرائيل في عملية غير مسبوقة في التاريخ. وفي سويعات قليلة وبتقنيات ذكية، شلت المقاومة قدرات الجيش الذي ينفق 23 مليار دولار سنوياً على ميزانية الدفاع والصناعات العسكرية.

بروباجندا أنظمة الدفاع الصاروخي
نظام الدفاع الصاروخي آرو-3، أو السهم، هو تكنولوجيا أميركية في الأساس، قالت الولايات المتحدة إنها استثمرت في إنتاجه نحو ملياري دولار. ولأن إسرائيل تستغل علاقتها بالحليف الأميركي وقدرتها على الحصول على آخر ما تصل إليه مراكز التكنولوجيا الأميركية في الدعاية لصناعتها العسكرية، فقد ادعت بأنها بدأت منذ عقود في تطوير منظومة آرو-3 الأميركية، لتتفوق على منظومة القبة الحديدية التي تعترض الصواريخ قصيرة المدى في كشف وتقييم قدرات الصواريخ الباليستية المهاجمة قبل تدميرها.

وروّجت آلة الدعاية الإسرائيلية لنجاح شركة "صناعات الفضاء الإسرائيلية" في تأهيل منظومة آرو-3 لتوفير دفاع متعدد المستويات، عالي الفعالية ضد الصواريخ الباليستية بعيدة المدى وخارج الغلاف الجوي للأرض. ولمزيد من الدعاية، أعلنت إسرائيل في 2021 أن الكونغرس الأميركي خصص مبلغ 77 مليون دولار لشراء منظومة آرو-3 الإسرائيلية المطورة.
وعقدت إسرائيل صفقة لبيع نظام الدفاع الصاروخي آرو-3 المضاد للصواريخ الباليستية إلى ألمانيا قبيل طوفان الأقصى بقيمة 3.5 مليارات دولار وخلال خمس سنوات، وهو أكبر عقد دفاعي تبرمه إسرائيل. وزعمت الدعاية الإسرائيلية أن منظومة آرو-3 ستقدم منحة مجانية لتوفير غطاء وقائي إضافي لدول الاتحاد الأوروبي حول ألمانيا والتي تخوض حرباً ضد روسيا في أوكرانيا.
وجاء طوفان الأقصى ليكشف الهالة والدعاية المبالغ فيها لمنظومة آرو-3، حيث فشلت المنظومة في مرات كثيرة في التصدي لصواريخ كتائب القسام البدائية، والأقل تطوراً من الصواريخ الباليستية، وصواريخ حزب الله التقليدية والباليستية، ووصل كثير منها إلى مقرات عسكرية، ومناطق مأهولة بالسكان داخل دولة الكيان الصهيوني، وأحدثت دماراً وأسقطت قتلى.
وتأكد فشل منظومة الدفاع الصاروخية الإسرائيلية الذريع عندما عجزت منظومات آرو-3 والقبة الحديدية ومقلاع داوود في اعتراض صواريخ إيران الباليستية التي أطلقتها على إسرائيل منتصف إبريل/ نيسان الماضي، رغم الإعلان عن إطلاقها مسبقاً. ورغم سياسة التعتيم الإسرائيلية، تأكد سقوط عدد غير قليل من الصواريخ داخل مدن وموانئ دولة الكيان.
وبدلاً من الاعتراف بالفشل، اتهم الجيش الإسرائيلي الدفاعات الجوية "الأميركية" بالفشل في صد الصواريخ الباليستية الإيرانية. وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي، إن الدفاعات الجوية الأميركية فشلت إلى حد كبير في صد الصواريخ الباليستية الإيرانية، ومن كل 8 صواريخ، نجح اثنان فقط في إسقاط الصواريخ المعادية.
وما يزيد من حجم الفشل، تكلفة تشغيل منظومة الدفاع الصاروخي الباهظة. إذ إن تكلفة صاروخ مقلاع داوود الواحد تبلغ مليون دولار، أما صاروخ آرو فأكثر من مليوني دولار. ذلك أن تركيب بطارية القبة الحديدية الواحدة تكلف نحو 100 مليون دولار، وتكلفة الصاروخ الاعتراضي تبلغ 50 ألف دولار، وفقاً لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. بينما تكلفة صاروخ المقاومة لا تزيد عن 600 دولار فقط. وقال الجيش الإسرائيلي إن نحو 11 ألف صاروخ وطائرة من دون طيار أُطلقت على إسرائيل من غزة وجبهات أخرى، خلال أول 60 يوماً من بداية الطوفان.
ما يعني أن إسرائيل أنفقت 550 مليون دولار لاعتراض صواريخ بقيمة 6.6 ملايين دولار فقط، وهي خسارة كبيرة لإسرائيل، تحسب نجاحاً لصواريخ المقاومة. وقد كشفت وكالة رويترز عن أن القبة الحديدة فشلت في اعتراض 2000 صاروخ خلال تلك الفترة، ما يزيد من حجم فشل منظومة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية. وفي وقت سابق، أعلنت وحدة خدمة أبحاث الكونغرس الأميركي أن الولايات المتحدة خصصت 10 مليارات دولار لأنظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية، منها 3 مليارات دولار للقبة الحديدية.

بروباجندا الميركافا والنمر
عرضت إسرائيل لأول مرة دبابة الميركافا وناقلة الجنود المدرعة تايجر أو النمر للبيع في سنة 2010. وقالت إنها ستبيعها للدول الصديقة فقط، وتحت رقابة صارمة. وقال مدير عام وزارة الدفاع في حينها، أودي شاني إن قرار عرض الدبابة للبيع للحلفاء كان "قراراً استراتيجياً". ويقدر ثمن دبابة الميركافا 4 بنحو 6 ملايين دولار، وناقلة الجند "النمر" نحو 3 ملايين دولار.
في بداية الطوفان، تناقلت وسائل الإعلام العالمية صورة بثتها كتائب القسام لبعض عناصرها، وقد اعتلت بأقدامها أبراج المراقبة للميركافا ولمدرعة النمر، التي تروج لها إسرائيل على أنها الأقوى تصفيحاً في العالم، وقد حولها المقاتلون إلى خردة وقتلوا وأصابوا من فيها من الجنود في طولكرم، وصورة أخرى لناقلة جند مدرعة وقد تحولت إلى حطام بعد تفجيرها من قبل كتائب القسام وتفحّم جميع من فيها في شهر مايو الماضي، في بلدة بيت حانون شمال غزة.

ويوم الاثنين 15 يوليو الجاري، قالت صحيفة يديعوت أحرونوت إن الجيش الإسرائيلي اعترف، ولأول مرة منذ بداية الحرب على قطاع غزة، بوجود نقص في الدبابات، وبفقدانه العديد منها، بسبب تضررها خلال المعارك، ما يؤكد رواية كتائب القسام، في فبراير/شباط الماضي عن تدمير أكثر من 1100 آلية إسرائيلية منذ بداية الحرب على غزة، منها 962 دبابة، و55 ناقلة جند، و74 جرافة، و3 حفارات، و14 مركبة عسكرية. وحالياً ارتفع العدد إلى 1500، تمثل دبابات ميركافا المدمرة 88% منها.
يقول الخبير العسكري الروسي، ليونيد إيفاشوف، إن اختراق وتدمير قذائف الياسين 105 البدائية التي تمتلكها الفصائل الفلسطينية لدبابات ميركافا 4 التي تتباهى بها تل أبيب، كونها الأكثر قوة من حيث الهيكل والتدريع، أمر يقلب موازين القوى العسكرية، وكارثة على مبيعات تصدير السلاح الإسرائيلي حول العالم. وهذا ينافي تماماً إعلان إسرائيل زيادة صادراتها العسكرية في سنة 2023 إلى 13.1 مليار دولار.
وقبل أيام قليلة، صرح الجيش الإسرائيلي بفقدانه مئات الدبابات وناقلات الجند من نوع نمر كلياً وإعطاب مئات أخرى. ونقل ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي لقطات مصورة لأطفال يلعبون على ظهر دبابات الميركافا 4 المدمرة في أحياء غزة، بعد تخلي الجيش عن سحب حطام عدد كبير منها، ويسميها الأطفال بدبابات "المرجيحة" استهزاء بها. وصوراً أخرى لبقايا ناقلة الجند النمر، وقد استخدمتها النساء في غزة منشراً للملابس المغسولة.
كما نجحت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في إسقاط طائرة هيرمز 900 الإسرائيلية، التي تدعي إسرائيل بأنها فخر صناعة المسيرات في العالم، ويبلغ ثمنها نحو 7 ملايين دولار. وتكررت الحادثة في جنوب لبنان، وأسقط حزب الله المسيرة عدة مرات.
هذه النتائج ستدعو الدول التي اشترت، أو تفكر في شراء دبابات وناقلات الجند، ومنظومات الدفاع الصاروخي، وأجهزة وبرامج التجسس من إسرائيل، إلى إعادة تقييم ومراجعة مصداقية تلك الأسلحة، وجدوى الشراء، في ضوء النتائج التي كشفتها معركة طوفان الأقصى، بعيداً عن بروباجندا الدعاية الإسرائيلية الرنانة، وخاصة الدول العربية الموقعة على اتفاقية إبراهام، وقد كشفت تقارير غربية أن 25% من صادرات تلك الأسلحة تذهب لتلك الدول.
ومن مؤشرات المراجعة والتقييم، قرار وزارة الدفاع الإسرائيلية وقف تصدير الدبابات الإسرائيلية، وبررت ذلك بطبيعة الحرب في غزة، والإعلان عن إغلاق 200 مصنع أسلحة في إسرائيل. وشروع كوريا الجنوبية في مراجعة مدى فاعلية نظام المراقبة والحماية الذي اشترته من شركة "إلبيت سيستمز" الإسرائيلية لرصد المنطقة العازلة مع كوريا الشمالية، ووقف كولومبيا شراء الأسلحة العسكرية والأجهزة الأمنية الإسرائيلية.

المساهمون