مستقبل الشباب العربي في ظل بطالة متوحشة

29 اغسطس 2021
شباب مغربي يشكو من البطالة (فرانس برس)
+ الخط -

كشف تقرير حديث للأمم المتحدة عن تسجيل المنطقة العربية أعلى مستوى للبطالة في العالم، خصوصا بين الشباب والنساء، الذين يعمل عدد كبير منهم في القطاع غير النظامي، وفي ظل ظروف سيئة واستقرار وظيفي محدود.

وفي الوقت نفسه، لا تجد مهارات الشباب العربي المتاحة مكانها في فرص العمل الجديدة، رغم شحّها وعدم استدامتها.
وجاء في التقرير، الصادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، الإسكوا، بالاشتراك مع المكتب الإقليمي للدول العربية في منظمة العمل الدولية، يوم الخميس الماضي، وحمل عنوان "نحو مسار منتج وشامل للجميع: إيجاد فرص عمل في المنطقة العربية"، أن عدد الأفراد العاطلين عن العمل في المنطقة العربية بلغ 14.3 مليون شخص.
وحتى لا يُلقى بالمسؤولية على جائحة كورونا، ذكر التقرير أنه لم يتم احتساب تداعيات كوفيد-19، والتي تهدد نحو 39 مليون عامل في المنطقة العربية بخطر فقدان وظائفهم.
وكشف التقرير الأممي أن المنطقة العربية سجلت أدنى مستوى لاستحداث فرص العمل بين أقاليم العالم، خلال الثلاثة عقود الماضية.

الأمم المتحدة: عدد الأفراد العاطلين عن العمل في المنطقة العربية بلغ 14.3 مليون شخص

وألقى التقرير باللوم على الأداء الاقتصادي المتردي للحكومات. ففي العقود الثلاثة الماضية، زادت نسبة السكان في سن العمل في المنطقة العربية بنسبة 17 في المائة، في حين زادت نسبة فرص العمل إلى السكان بنسبة تقل عن 1 في المائة.
وفي الوقت نفسه، فإن معظم فرص العمل التي استحدثت كانت موسمية وفي القطاع غير النظامي. لذا، تتطلب الفجوة بين السكان الذين هم في سن العمل والوظائف المستحدثة من أجلهم، إعادة النظر في الأداء الاقتصادي للحكومات، وفي نموذج التنمية السائد في المنطقة منذ تسعينيات القرن الماضي.
وركز التقرير على إحدى خصائص الثروة البشرية البارزة في العالم العربي وهي صغر سن السكان، إذ إن 66% من السكان في المنطقة دون سن الثلاثين.

ورغم الميزة الفريدة في المنطقة الشابة من العالم القديم، تفرّط الحكومات في استثمارها، بل تهملها وتحاربها. وهي ثاني أكثر منطقة شباباً بعد منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. أما من هم دون الثلاثين في أوروبا فيشكلون ثلث مجموع السكان فقط. وتصل هذه النسبة إلى النصف في منطقة شرق آسيا والباسيفيك.

وفق تقرير المنظمة الأممية، فإن مستويات البطالة بين فئة الشباب في المنطقة العربية ليست الأعلى على مستوى العالم فحسب، ولكن معدل تفاقمها من سنة إلى أخرى أيضا هو الأعلى.

وعلى مدى العقد الماضي، ارتفع متوسط معدل البطالة بين الشباب من نحو 22 في المائة في عام 2010 إلى نحو 26 في المائة في عام 2019. وقارب معدل بطالة الشابات الـ 40 في المائة.

وعلى سبيل المثال، تبلغ نسبة البطالة في صفوف الشباب 36 في المائة في تونس، و60 في المائة في المغرب، و80 في المائة في مصر. وفي ظل غياب الجهود الحكومية للحد من البطالة في المنطقة، من المتوقع أن يرتفع عدد العاطلين عن العمل من 14.3 مليون شخص في عام 2019 إلى 17.2 مليون في عام 2030.

رغم الميزة الفريدة في المنطقة الشابة من العالم القديم، تفرّط الحكومات في استثمارها، بل تهملها وتحاربها

التحذير من انتشار البطالة بين الشباب العرب قديمة ومزمنة. في سنة 2003، رصد تقرير للبنك الدولي خيبة أمل الشباب العربي، الذي يشكّل وجه العالم العربي، ومعاناته المتزايدة على صعيد سوق العمل.

ومنذ أواسط ثمانينيات القرن العشرين، ومعدل البطالة آخذ في الارتفاع، مع الأخذ في الاعتبار أن الأرقام الفعلية للبطالة أعلى بكثير من الأرقام الرسمية المعلنة.

البطالة في اليمن (أحمد الباشا/فرانس برس)

ورغم بداهة تهديد البطالة للاستقرار السياسي، لم يدرك المسؤولون المتكلسون على كراسي الحكم فداحة جرمهم بحق الشباب، حتى أشعلوا الربيع العربي. وما زال الحراك الشبابي يستمد جذوته من استمرار الإهمال والظلم الاجتماعي الواقع عليهم.
قبل أزمة كورونا، كانت المنطقة في حاجة إلى نحو 33 مليون فرصة عمل للحفاظ على معدل بطالة بنسبة 5 في المائة بحلول عام 2030. وقد يصل العدد إلى 65 مليون وظيفة لإشراك النساء في سوق العمل.

وبعد جائحة كورونا، فإن السياسات الحالية التي تستهدف إيجاد فرص عمل جديدة لن تكفي لاستيعاب ملايين العمال الذين فقدوا وظائفهم أو الذين أصبحوا يعملون لساعات محدودة بسبب الجائحة.
وكشـفت جائحـة كوفيد-19 أيضا عن مواطن الضعـف فـي النظام التعليمي فـي المنطقة، على الأقل لجهة البنية التحتية، والوصول إلى التكنولوجيا، ومهارات المعلمين.

وكانت محاولة التحـول إلى التعليم الإلكتروني محفوفة بالصعاب، ما أدى إلـى تفاقم عدم المسـاواة في الحصول على التعليـم اللائق في المنطقـة العربية.

ورصد التقرير عدم رضا 75% من الشباب العربي عن جودة برامج التعليم الوطنية التي يدرسونها، وسعي أكثر من 50% منهم إلى الهجرة إلى دول الغرب.

لذا، تعتبر زيادة الاستثمار في التعليم أمرا بالغ الأهمية، لأن العالـم سـيصبح أكثر اعتمادا على تكنولوجيا المعلومـات، ما يتطلب بناء قدرات المدرسين، وإصلاح المناهج الدراسية وزيادة الاستثمارات فـي البنى التحتية للعملية التعليمية.

وأكد التقرير على رداءة التعليم وعدم ملاءمة النظم التعليمية والتدريبية مع سوق العمل، وقال إنه أمر ينتج بحد ذاته عن نقص المعلومات في النظام التعليمي وعدم مشاركة القطاع الخاص في تصميم مناهج التعليم والتدريب.

بطالة الأردن  (Getty)

وفقا لحسابات الإسكوا، واستنادا إلى بيانات صادرة عن الدراسة الاستقصائية للمؤسسات التي أجراها البنك الدولي، فإن ما يقارب 40 في المائة من أصحاب الأعمال والشركات يزعمون أن التخلف العلمي للقوى العاملة يشكل عقبة في المنطقة العربية، بسبب عدم الإنصاف في الحصول على التعليم، إذ لا يستطيع عدد كبير من الأفراد تحمّل تكاليف الحصول على تعليم جيد يتيح لهم الحصول على وظائف ذات قيمة مضافة في سوق العمل.

وعلـى الرغم من الدروس الكثيرة التي لم تسـتخلص بعـد من جائحة كوفيـد-19 الحالية، ولكن على غرار الأوبئة الأخرى، من المتوقع أن يؤدي تفشـي فيروس كورونا إلى تفاقم عدم المسـاواة وانخفاض الطلب على العمالـة ذات المهارات المنخفضـة، فـي حيـن أن العمالة ذات المهـارات العالية لن تتأثر إلا بشـكل طفيـف لأنها تكمل عـادة التقدم التقني. وقد تدفع الجائحة إلى زيادة التشـغيل الآلي للإنتاج لتقليل التفاعـل الاجتماعي إلى الحد الأدنى.

توقع سقوط 16 مليون شخص إضافي في دائرة الفقر في المنطقة العربية، وأن تتجاوز مستويات الفقر في الدول التي تعصف بها الصراعات مثل العراق وليبيا وسورية واليمن 75% من السكان بسبب البطالة

نظراً إلى الآثار المدمرة للجائحة على الأفراد وقطاع الأعمال، ينبغي أن تركز الحكومات على دعم العمال وأصحاب العمل وأسرهم وتوفير الحماية لهم. وكذلك تقديم دعم سريع للشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات العاملة في القطاع غير النظامي، بما في ذلك الإعفاءات الضريبية والقروض بدون فوائد ودعم الأجور، وتسهيل القروض المشروطة باستبقاء العمال، والمرونة في سداد الديون.
ورصد التقرير ارتفاع معدلات الفقر في المنطقة العربية على وجه الخصوص منذ عام 2019، وتوقع سقوط 16 مليون شخص إضافي في دائرة الفقر، وأن تتجاوز مستويات الفقر في الدول التي تعصف بها الصراعات مثل العراق وليبيا وسورية واليمن 75 في المائة من السكان بسبب البطالة، وبالتالي يجب وضع سياسات فاعلة لتوفير فرص عمل إضافية في المدى القصير لمكافحة الفقر وانعدام المساواة.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

أوصى التقرير الأممي بإصلاح البرامج التعليمية، ووضــع سياسات فعالة ونشــطة لسوق العمل، وخلق فرص عمل حقيقية للشباب. وحث الحكومــات العربية على معالجة مســألة عدم تطابــق المهارات مــع احتياجـات سـوق العمـل، مـن خلال مقاربـة شـاملة تتيـح إصـلاح النظـام التربـوي وتبديـل المناهــج التربويــة، وزرع التفكير المبدع والنقدي، وتعزيز الكفاءات في دراسة العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، والاستثمار في تدريب المعلمين وفي منشآت التدريب، وزيادة مشاركة المؤسسات الخاصة في تصميم المناهج التعليمية.

وأبرز التقرير نجاح خطط دعم العمالة لاستمرار كسب الرزق وتعزيز الاستهلاك الذي يشجع على الإنتاج، وبرامج الاستثمار الكثيفة العمالة لتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وزيادة الإنتاجية الزراعية، ودعم الصحة والتعليم، كسياسات عامة في علاج الفقر في مختلف البلدان التي تعاني من ارتفاع معدلاته.
لخص باحثون في مركز كوم-كارنيغي الشرق الأوسط مشهد الربيع العربي في العقد الفائت بأن التوق إلى الكرامة شكّل وقودا لموجة ثورات الربيع العربي الأولى، وأن البطالة والفقر وتهميش الشباب شكل الدافع الأساسي للاحتجاجات في الموجة الثانية في الجزائر والسودان والعراق ولبنان، وأن الموجة الثانية أخذت الدروس والعبر من الموجة الأولى.

فالمتظاهرون لم يعودوا قانعين بإطاحة الحكّام السلطويين الطاعنين في السن، بل باتوا يستهدفون هياكل الدولة العميقة.

لذا، من الجزائر حتى بيروت، الصرخة المطالبة برحيل الطبقة السياسية واحدة، وهي "كلن يعني كلن"، ذلك أن الربيع العربي لم يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد، ولكن دخل في سبات وحسب، بعدما غلبته وحشية الأحداث في سورية وليبيا واليمن ومصر.

المساهمون