يخيم التوتر على أسواق النفط العالمية وسط توقعات بتورط أميركي أكبر في صراع منطقة الشرق الأوسط بعد مقتل جنود أميركيين في غارة بطائرة مسيرة على القوات المتمركزة عند الحدود الأردنية السورية، في منعطف يوسع من رقعة المخاطر الجيوسياسية في المنطقة.
وارتفعت أسعار النفط الخام بعد مقتل 3 جنود أميركيين وإصابة 25 آخرين في هجوم شنه مسلحون مدعومون من إيران، وفق البيت الأبيض، بينما كانت الأسواق قد تأثرت بالأساس باستهداف الحوثيين في اليمن ناقلة نفط بريطانية في خليج عدن بعدة صواريخ ما أدى إلى إصابتها بشكل مباشر واشتعال النار فيها، وهي الضربة الأشد تأثيراً حتى الآن على سفينة تحمل الطاقة، وهو ما يمثل تصعيداً ملحوظاً للتوترات في المنطقة.
وهذه أول حالة لمقتل جنود أميركيين بهجوم منذ بدء العدوان الإسرائيلي المدعوم أميركياً على قطاع غزة قبل 115 يوماً. وقفز خام برنت بما يصل إلى 1.5% في التعاملات الآسيوية المبكرة، أمس الاثنين قبل أن يقلص مكاسبه إلى نحو 1% ليلامس 84.5 دولارا للبرميل.
جاء ذلك بعد أن ارتفع أكثر من 6%، الأسبوع الماضي، في أكبر زيادة منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. كما صعد خام غرب تكساس الوسيط الأميركي إلى نحو 79 دولاراً للبرميل.
وبالزيادات المحققة في أسعار برنت فإن مزيج الخام العالمي يصعد منذ بداية يناير/ كانون الثاني الجاري بنحو 9%، لكنه لا يزال أقل بكثير مما كان عليه بعد وقت قصير من اندلاع عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إذ تسبب المعروض القوي من المنتجين خارج منظمة أوبك وتباطؤ نمو الطلب في السيطرة على الأسعار.
لكن مقتل جنود أميركيين قد يغير مجرى التأثيرات على أسواق النفط، حيث بات الرئيس جو بايدن تحت ضغوط متزايدة لمواجهة إيران مباشرة، مما يهدد بمخاطر قد تؤدي لصراع أوسع في منطقة تمثل مصدراً لنحو ثلث النفط العالمي وقناة حيوية للتجارة العالمية.
وظل معظم المحللين في بنوك الاستثمار وشركات الاستشارات وتحليل الطاقة، لا سيما الأميركية منها، يقللون في أوقات سابقة من تأثيرات الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر على أسعار النفط، لكن معظمهم يتوقعون بعد التطورات الأخيرة دخول الأسعار في منعطف جديد.
وأكد مايكل تران، المحلل في شركة "أر بي سي كابيتال ماركتس" الاستثمارية أن "المخاطر الجيوسياسية تطورت بسرعة لتصبح واقعاً جيوسياسياً"، مضيفا وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية أمس: "في حين أن أسعار النفط العالمية لم تعكس بشكل كامل التوترات المتصاعدة في البحر الأحمر، فمن المرجح أن تحفز أحداث نهاية الأسبوع على إعادة تحديد النتائج المتوقعة لكل من أمن الإمدادات وكذلك أسعار النفط" في إشارة إلى مقتل الجنود الأميركيين والإصابة المباشرة التي تعرضت لها ناقلة النفط البريطانية.
وتعهد الرئيس الأميركي في تجمع انتخابي بولاية ساوث كارولاينا، يوم الأحد، بالرد على مقتل جنود بلاده.
وقال نيل بيفريدج كبير محللي شركة الوساطة الأميركية "سانفورد سي بيرنشتاين" المقيم في هونغ كونغ إن "أهم عامل مؤثر على سوق النفط حالياً هو ما إذا كانت ستتخذ الولايات المتحدة وحلفاؤها إجراءات أكثر صرامة بشأن إيران، حيث زادت صادرات النفط الخام إلى 1.5 مليون برميل يومياً"، مضيفا: "قد تؤدي أي إعادة تشديد للعقوبات إلى ارتفاع أسعار النفط".
ويُعتبر الهجوم على القوات الأميركية تصعيداً للتوترات الراهنة وهو أمر من شأنه أن يتسبب في رفع أسعار النفط بدولارين آخرين لكل برميل، كما قال بوب ماكنالي، رئيس مجموعة "رابيدان" العاملة في استشارات الطاقة، والمسؤول السابق في البيت الأبيض.
وقال فيشنو فاراثان، مدير اقتصاد واستراتيجية آسيا باستثناء اليابان في "ميزوهو بنك" الياباني: "تعرضت سوق النفط لمجموعة من المخاطر التي هددت الإمدادات"، مضيفا: "على الرغم من تراجع الطلب على النفط الذي نشهده، إلا أن التوترات الجيوسياسية تهدد بارتفاع أسعار النفط".
ويشير خبراء إلى أنه رغم السير على طريق التصعيد في المنطقة إلا أنه "لا أحد من الجهات الفاعلة يريد حرباً شاملة" حسبما قال جون كيلدوف، الشريك المؤسس في شركة "أغين كابيتال" الاستثمارية، مضيفا: "لا تزال إمدادات النفط تتدفق، ولم يُستهدف أي حقل نفطي وما زلنا نرى السفن تمر عبر قناة السويس. إذا ظهرت أي علامات على تخفيف حدة التوترات ستتراجع الأسعار عندها".
ويأتي القلق المتصاعد على أسواق النفط من تداعيات تورط الولايات المتحدة في صراع أكبر بعد الهجوم على جنودها شمال شرق الأردن، بينما كان عاموس هوكشتاين مستشار الرئيس الأميركي لأمن الطاقة قد قال إن تأثير هجوم الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر محدود، وتعهد باستمرار تدخل الولايات المتحدة لإضعاف قدرتهم.
وقال هوكشتاين في مقابلة مع برنامج "فيس ذا نيشن" على قناة "سي بي إس" الأميركية، يوم الأحد، إن ضغوط ارتفاع التكاليف تزايدت على الخدمات اللوجستية أكثر منها على الطاقة. وأضاف: "التكلفة ترتفع فعلاً، غير أننا عندما ننظر إلى آثارها التضخمية، نجد أنها ضعيفة نسبياً".
لكن محللي شركة الاستشارات العالمية "إيه.إن.زد" قالوا في مذكرة إنه "مع تعرض ناقلات النفط المرتبطة بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة لخطر الهجوم في الوقت الراهن فمن المرجح أن تعيد السوق تسعير المخاطر المتعلقة بتعطل الإمدادات".