مديرو مصارف سودانية يطلبون إيقاف استدانة الحكومة من البنك المركزي

01 أكتوبر 2024
فرع البنك المركزي السوداني بمدينة بورسودان/ 23 يوليو 2023 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تفاقم الأزمة الاقتصادية: استدانة الحكومة السودانية من البنك المركزي لسد فجوة الإيرادات الضريبية والجمركية بنسبة 80% بسبب الحرب منذ إبريل 2023، مما يزيد التضخم ويؤثر سلباً على الاقتصاد والمصارف.
- تداعيات الاستدانة: طباعة العملة من قبل البنك المركزي يؤدي إلى ارتفاع التضخم وتآكل رؤوس أموال المصارف، مما يحد من قدرتها على توفير التمويل.
- الحلول المقترحة: دعوات لتقليل الاستدانة تدريجياً، إيجاد مصادر تمويل بديلة، ضبط الإنفاق العام، وتوسيع المظلة الضريبية، مع التأكيد على ضرورة إيقاف الحرب لإعادة الإعمار.

طلب مديرو مصارف سودانية إيقاف استدانة الحكومة من البنك المركزي لأنها تمثل عبئا شديدا على موازنة وإيرادات الدولة المتراجعة بسبب الحرب الدائرة في البلاد التي أندلعت في إبريل/نيسان 2023. وتسببت الحرب المندلعة بين الجيش وقوات الدعم السريع في توسع الحكومة في استدانة الأموال من النظام المصرفي لسد فجوة الإيرادات في المصادر الضريبية والجمركية في الموازنة العامة، والتي بلغت نسبة 80%، وفق تقديرات رسمية. وحذر محللون مصرفيون وماليون من التأثيرات السلبية للتوسع في استدانة الحكومة على الاقتصاد والتضخم وتآكل رؤوس أموال القطاع المصرفي.

وقال المحلل المصرفي والمالي، المدير السابق للبنك السوداني الفرنسي عثمان التوم لـ "العربي الجديد"، إن "الاستدانة من النظام المصرفي كانت تتم عن طريق الاستثمار فى الأوراق المالية"، مشيراً إلى توقف الاستدانة من النظام المصرفي بتوقف الاستثمار في الأوراق المالية.

وفي حين نبه إلى أن "ما يحدث الآن هو استدانة من البنك المركزي فقط"، أوضح أن البنك لا يملك موارد لإقراضها للمالية، ما يضطره لطباعة العملة. وأشار لاحتمالات تجاوزه حدود السلامة في استدانة البنك، ما يؤثر مباشرة على ارتفاع التضخم.

ودفعت عوامل عدة الحكومة السودانية لتوسيع استدانتها من البنك المركزي، وكان أبرزها عدم قدرتها على مقابلة مرتبات القوات النظامية منذ إبريل/ نيسان 2023 وحتى سبتمبر/ أيلول 2024. وتسبب استيراد السلع بدون تحويل قيمة Nil value في تدهور قيمة الجنيه، فضلا عن عدم استقرار سعر الصرف نتيجة استيراد المشتقات النفطية.

وتوقف البنك المركزي السوداني عن توفير النقد الأجنبي لمستوردي السلع الضرورية، قبل إعلانه أخيرا عن محفظة لتمويلها بشراكة مصرف الخرطوم والمصارف الأخرى. وقال ثمان التوم إن إرتفاع التضخم يؤثر على الاقتصاد عامة وعلى المصارف خاصة، بتسببه في تآكل رؤوس أموالها وشل قدرتها على توفير التمويل بالحجم اللازم للقطاعات المختلفة، كما وبقاء الأموال خارج الجهاز المصرفي لسرعة دورانها خارجه.

ووصف التوم الاستدانة من البنك المركزي بغير الحقيقية لأنها تمثل حلا وهميا، "وبالتالي فهي تمثل مخرجا للمسؤولين يمكّنهم من التصدي لمشكلة العجز الإيرادي بصورة جدية، ووضْع حلول غير تقليدية تتطلب الكثير من الجرأة والتفكير خارج الصندوق.

وقال: "الموضوع كبير وتداعياته خطيرة جدا ولا بد من إيجاد بدائل حقيقية للاستدانة". ودعا محافظ البنك المركزي برعي صديق، في تصريحات داخلية، الحكومة لضرورة توفير مصادر تمويلية لعجز الموازنة بعيدا عن البنك المركزي، وطالب بحشد موارد بالنقد الأجنبي لتمويل الاستيراد الضروري بعيدا عن السوق السوداء، خاصة المشتقات النفطية لارتفاع تكلفتها وتأثيراتها السلبية على سعر الصرف، وتوفير موارد خارجية، وتوسيع المظلة الضريبية، وترشيد الإنفاق العام، وضبط انفلات وتدفق السلع الهامشية التي يتم تمويلها من تجار وسماسرة العملة.

وذهب المدير العام السابق لمصرف الأسرة صالح جبريل في حديثه لـ "العربي الجديد" إلى حتمية الاستدانة الحكومية من النظام المصرفي، لسد العجز في موازنة الدولة، نتيجة الظروف الاستثنائية والمشاكل الاقتصادية التي يمر بها السودان بسبب الحرب. وقال: "إن الاستدانة يجب أن تكون بنسبة محددة لا يمكن تجاوزها".

وبلغ معدل التضخم السنوي في السودان 117.42% في أغسطس/ آب مقارنة بـ125.4% في يوليو/تموز 2024. ودعا جبريل لضرورة وضع الدولة الخفض التدريجي للاستدانة من النظام المصرفي ضمن أولوياتها، من خلال إيجاد مصادر بديلة للحصول على قروض خارجية وتوظيفها في مشروعات إنتاجية. وقال: "إن حل مشكلة الاستدانة يتم كذلك عبر شراكة وتنسيق متكامل بين السياستين النقدية والمالية".

وأشار إلى أن اتجاه السودان للشرق، وتوطيد علاقاته بالصين وروسيا وإيران والهند وتركيا وغيرها من دول الـ"بريكس" هو فتح جديد للسودان، ويحجم سطوة الدولار على سعر صرف العملة السودانية، كما يمكن استفادة السودان منه في استقطاب القروض التجارية مستقبلا. وأشار لمناهضته توظيف القروض التجارية للاستهلاك، داعياً لتوجيهها حال الحصول عليها نحو الإنتاج لتوفير الإيرادات ولتقليل الاستدانة من النظام المصرفي.

وأعرب عن أمله في الإسراع لإيقاف الحرب للبدء في الإعمار واستغلال وتوظيف الموارد الضخمة التي يذخر بها السودان لتوفير الإيرادات، وإحداث فائض في الاقتصاد. وقال إن الاستدانة مقدور عليها وعلى سدادها بعد توقف الحرب، إن كان هنالك حرص حكومي وإدارة حصيفة تتمكن من حل المشاكل الاقتصادية التي تعيق انسياب الإيرادات.

بدوره، شرح المحلل الاقتصادي كمال كرار لـ"العربي الجديد"، معاناة الاقتصاد السوداني المستدامة من مشاكل التمويل بالعجز، وحمّل الاستدانة مسؤولية انفلات التضخم وانهيار العملة الوطنية. ووصف كرار الاستدانة بالحل السهل الذي تلجأ إليه وزارة المالية السودانية للحيلولة دون انهيار الميزانية.

وقال إن أي تمويل بالعجز يعني وجود خطأ في تقديرات الإيرادات التي ضمنت في بنود الموازنة العامة. وطالب وزارة المالية بتحمّل مسؤولية ذلك الخطأ، مشيراً إلى لجوئها عوضا عن ذلك لمداراة الفشل بطباعة المزيد من الأوراق النقدية.

وأشار إلى أن ذلك يؤدي للانهيار الكامل للاقتصاد. وقال: "التمويل بالعجز يتسبب في ارتفاع الأسعار، واستفحال الضائقة المعيشية وانخفاض الأجور الحقيقية".

وأوضح كرار أن تدهور سعر الجنيه مقابل العملات الأجنبية يؤدي لتآكل مدخرات وودائع العملاء بالمصارف، والنتيجة الحتمية لذلك اضطرار العملاء لسحب ما تبقى في حساباتهم المصرفية، ما يعرّض المصارف للإفلاس واهتزاز مراكزها المالية وثقة المصارف العالمية بها.

ولفت كرار إلى أن استمرار الحرب وغياب الدولة والحكومة يتسببان في تحوّل السودان من الأزمة لحالة انهيار اقتصادي شامل غير قابل للاحتواء. وقال: "الآن لا توجد جهة تلتزم بسداد الديون، حتى معظم مرتبات العاملين بالدولة لم تدفع منذ بداية الحرب، وهي أيضا ديون، وربما تكون هذه المهمة في يد حكومة ما بعد انتهاء الحرب. وقطع بصعوبة تعويض الخسائر الاقتصادية في المدى المنظور".

المساهمون