مدفوعات اللاجئين تضغط على موازنة ألمانيا وتهدد بانهيار التحالف الحاكم

18 يونيو 2024
كريستيان ليندنر وزير المالية الألماني - برلين 12 يونيو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- ائتلاف إشارات المرور الحاكم في ألمانيا يواجه تحديات في مفاوضات موازنة 2025، مع خلافات حول قيود التقشف والإنفاق الحكومي، خصوصًا فيما يتعلق بدعم اللاجئين من أوكرانيا. وزير المالية يشدد على ضرورة الحفاظ على سياسة دين مستدام.
- تمديد وضع الحماية للاجئين الأوكرانيين يزيد الضغوطات المالية على الموازنة الألمانية، مع دعوات لتدابير فعالة لدمج اللاجئين في سوق العمل لتخفيف العبء المالي.
- ظهور تنازلات جزئية وسط ضغوط وانتقادات حول سياسة دعم اللاجئين، مع النظر في إلغاء بعض أشكال الدعم وتشديد العقوبات على الاحتيال الاجتماعي لتشجيع العمل المنتظم وضمان استدامة الموازنة.

يواجه ائتلاف إشارات المرور الحاكم، بزعامة المستشار الاشتراكي أولاف شولتز، مفاوضات صعبة حول موازنة ألمانيا العامة لعام 2025، بسبب التباينات حول قيود التقشف من ناحية، ورغبات إنفاق الوزرات من جهة أخرى، في وقتٍ يفترض أن تجري فيه المصادقة على مشروع الموازنة من قبل الحكومة الفيدرالية في الموعد المعتاد، مطلع يوليو/تموز المقبل، حيث تمثل مدفوعات اللاجئين من أوكرانيا الهم الطاغي على مجمل نقاط الاختلاف بشأن الموازنة الجديدة.

مدفوعات اللاجئين وكبح جماح الديون

وأمام ما تقدم، أصبحت النقطة الشائكة في مفاوضات الموازنة كبح جماح الديون المتمسك بها وزير المالية في الحكومة الفيدرالية والمنتمي إلى الحزب الليبرالي الحر كريستيان ليندنر، والذي شدد في مقابلة مع صحيفة راينشه بوست نهاية الأسبوع الماضي، على عدم تلبية جميع التوقعات من إصلاحات برنامج "أموال المواطن" المعتمد منذ يناير/ كانون الثاني 2023، والذي يستفيد منه أيضا اللاجئون الأوكرانيون، مشيراً إلى أن البعض أساءوا فهم أموال الدعم، واعتبروها شكلاً من أشكال الدخل الأساسي غير المشروط.

وعن مدى تأثير ذلك، أشار ليندنر إلى أن الوضع المالي غير مريح، حيث تنتظر الحكومة مناقشات صعبة حول موازنة 2025، وذلك على خلفية زيادة تكلفة مدفوعات اللاجئين التي تشكل عبئاً على دافعي الضرائب مستقبلاً في شكل فوائد، مذكراً بأن الشرط الأساسي في ورقة التحالف الحاكم كان عدم وجود زيادات ضريبية، مع العودة إلى كبح جماح الديون بعد أزمة كورونا الهائلة. وخلص الوزير الألماني إلى أن "هناك مسؤولية تجاه بلدنا للاتفاق على مشروع الموازنة"، معرباً عن امتنانه لوجود استعداد للحديث حول هذه الملفات بين شركاء الائتلاف الحاكم، وداعياً إلى إعادة النظر بآلية تطبيق "أموال المواطن" في ضوء التكاليف المتزايدة، وربما إعادة تسميتها لتوضيح من يدفع ثمنها. ويعتبر المستشار شولتز أن برنامج "أموال إعانة المواطن" أثبت أنه "ناجح للغاية"، حيث يعتبر الاشتراكي أن هذه الأموال تضمن حداً أدنى إنسانياً للكفاف، وليست دخلاً أساسياً غير مشروط.

وقبل أن يرد على سؤال حول موازنة تكميلية محتملة لعام 2025، أي إمكانية إعادة حساب الاقتراض المسموح به، بسبب الوضع الاقتصادي، قال ليندنر: "نحن نتطلع إلى تطوير الإيرادات الضريبية والإنفاق الحكومي، وإذا تباينت الآراء أكثر من اللازم فأنا مضطر الى التحرك"، في إشارة إلى إمكانية تجميد الموازنة، وهو ما سيكون من شأنه أن يؤثر بالاستثمارات، وسيؤدي إلى تفاقم آثار النمو الضعيف على اقتصاد البلاد. ومن المعلوم، أنه جرى ترسيخ كبح جماح الديون في القانون الأساسي عام 2009 بعد الأزمة المالية العالمية، وبناء على ذلك، لم يعد يسمح للحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات بتعويض العجز بميزانياتها عن طريق الحصول على قروض، مع الإبقاء على قدر بسيط من الاستثناء للحكومة الفيدرالية. وامتثلت الحكومة في ميزانيتها للعام الحالي حتى الآن بكبح جماح الديون.

ورغم تعامل الاشتراكي والخضر مع الأمر بشكل أكثر مرونة، حذرت وزيرة الخارجية أنالينا باربوك من انهيار التحالف الحاكم بسبب الانقسامات حول الميزانية، مبرزة في حديث مع "زود دويتشه تسايتونغ"، اليوم الاثنين، أن أكبر معروف يمكن أن نقدمه لأعداء الديمقراطية في الداخل والخارج هو أن تتجه ديمقراطية أوروبية أخرى إلى انتخابات جديدة مبكرة. وأضافت: "أعتقد أنه من الممكن تعليق كبح جماح الديون كما حصل بالفعل خلال أزمة كورونا، والظروف مشابهة الآن". وتساءلت الوزيرة المنتمية إلى الخضر عن حالة الطوارئ التي يمكن أن تكون أكبر من هذه الحرب في وسط أوروبا، مؤكدة أنه "سيكون أمراً قاتلاً أن نقول لأنفسنا أننا أوقفنا ارتفاع الديون، لكننا خسرنا أوكرانيا ونظام السلام الأوروبي".

تمديد الحماية حتى 2026

وفي ظل العجز الموجود في الموازنات المتعاقبة بعد جائحة كورونا وتداعيات حرب أوكرانيا بما فيها ارتفاع أسعار الطاقة، قال الباحث في الشؤون الاجتماعية والمتعاون مع إحدى المنظمات الألمانية ميشائيل زيلكه لـ"العربي الجديد" إنه جرى تمديد وضع الحماية للاجئين الأوكرانيين في دول الاتحاد الأوروبي حتى مارس عام 2026، وبالتالي لا يمكن للحكومة الألمانية سوى الالتزام تجاه مدفوعات اللاجئين. وأوضح أن ألمانيا ليس لديها أي خطط لتزويد الأشخاص الذين فروا من أوكرانيا بسبب الحرب، بدلاً من مزايا المواطنين لطالبي اللجوء في المستقبل، مؤكداً أن هذا لن يبدل من المدفوعات الضخمة لإعانتهم، "لكن قد يؤدي إلى زيادة الضغط عليهم لاتخاذ تدابير صارمة وسريعة لدمجهم بسوق العمل"، وفقاً لقوله. وأشار أيضاً إلى أن معدل التوظيف لدى الأوكرانيين منخفض للغاية.

وفي خضم ذلك، اعتبر الأمين العام للحزب الاجتماعي المسيحي البافاري مارتن هوبر، في حديث مع وكالة الأنباء الألمانية أن "أموال المواطنين" لا يحتاج إلى إصلاحات ويجب إلغاؤه بالكامل، على أن تجري إعادة تقييم الإعانات الاجتماعية. ومن وجهة نظر هوبر، فإن الاشتراكي يكذب على نفسه بموضوع التوظيف من خلال "أموال المواطن". وأشار هوبر إلى أن الدراسات تشير إلى أن أموال الدعم تمنع الناس من ممارسة العمل، حتى إنها ساهمت في الأداء الضعيف والنتائج المخيبة للآمال لأحزاب التحالف الحاكم في الانتخابات البرلمانية الأوروبية التي جرت قبل حوالي أسبوعين.

تنازلات جزئية

ومع تزايد الاعتراضات والانتقادات من سياسيين، بينهم وزراء في حكومات الولايات، وتحديداً فيما يخص استمرار الوضع على ما هو عليه بخصوص اللاجئين من أوكرانيا وتلقيهم مزايا المواطنة بدلاً من مزايا طالبي اللجوء، قال وزير داخلية ولاية براندنبورغ ميشائيل شتوبغن إنه مع "إعادة التفكير بقرار كهذا الذي مثل خطأ جوهرياً، خاصة أن بينهم من هم في سن التجنيد، ومبيناً لشبكة التحرير الألمانية أنه ليس من المناسب الحديث عن دعم أوكرانيا بأفضل طريقة ممكنة وفي الوقت نفسه دعم الأوكرانيين المنشقين". ووصف مدفوعات اللاجئين الأوكرانيين بأنها خاطئة بشكل عام، داعياً الحكومة لتغيير المسار.

وفي وقت يعتبر البعض داخل الحزب الاشتراكي أن أموال الدعم تهدف لوضع الناس في وظائف طويلة الأجل، مع تعزيز المؤهلات من خلال مواصلة التدريب أولاً، تسود أجواء داخل الحزب بأن هناك استعدادات لتقديم تنازلات جزئية، إذ ذكرت صحيفة بيلد، السبت، أنه جرى العمل على خطة تقضي بإلغاء أموال الدعم في حالات العمل المتزامن غير المعلن عنه. وفي الإطار، أوضحت داغمار شميدت، نائبة رئيس الكتلة الاشتراكية في البوندستاغ، أنه من العدل فرض عقوبات أشد على العمل غير المعلن والاحتيال الاجتماعي، مشيرة إلى مقترحات داخل حزبها حول أهمية إلغاء المزايا الاجتماعية المقدمة للذين يجري ضبطهم أثناء قيامهم بعمل غير قانوني، وكل ذلك من أجل زيادة الضغط للقيام بعمل منتظم، مع الاستمرار بتغطية دفعات الإيجارات لمنع التشرد.

وانسجاماً مع طرح شتوبغن، قال وزير داخلية ولاية بافاريا يواخيم هيرمان إن هذا الملف سيكون موضع نقاش من قبله، خلال اجتماع وزراء الداخلية المقرر انعقاده بعد غد الأربعاء، وعلى مدى ثلاثة أيام في بوتسدام، "لا سيما أن عشرات الآلاف من الرجال الذين يخضعون للخدمة العسكرية الإجبارية في أوكرانيا يتلقون أموال الإعانة لدينا"، مشيراً إلى أن البلاد لا تحتاج إلى الأسلحة فقط، بل إلى الجنود أيضاً. فيما دعا تورستن فراي، المدير التنفيذي لكتلة الاتحاد المسيحي، أكبر أحزاب المعارضة في البوندستاغ، في حديث مع مجموعة فونكه الإعلامية إلى إنهاء مدفوعات اللاجئين الأوكرانيين، لأن دفع أموال المواطن للاجئي الحرب يخلق حوافز زائفة تماماً. ووفقاً لشبكة التحرير الألمانية، يقيم الآن حوالي 256 ألف أوكراني من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عاماً في ألمانيا، فيما بيّنت أرقام أخرى أن العدد يقارب 210 آلاف شخص.