يعيش الاقتصاد البريطاني فترةً من التخبط والقلق قبيل الخروج من الاتحاد الأوروبي بعد أسابيع قليلة. يأتي ذلك فيما دخلت محادثات بريكست مسارها النهائي اليوم السبت مع تحول إلى المفاوضات المباشرة بين رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ورئيس المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إثر الفشل في التوصل إلى اتفاق.
في بيان مشترك، قال ديفيد فروست، كبير مفاوضي المملكة المتحدة، ونظيره في الاتحاد الأوروبي، ميشيل بارنييه، إنهما لم يتمكنا من التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا النهائية وإن المفاوضات التجارية والأمنية التاريخية ستتوقف مؤقتاً.
وشرح بارنييه وفروست في البيان: "بعد أسبوع واحد من المفاوضات المكثفة في لندن، اتفق المفاوضان الرئيسيان اليوم على عدم الوفاء بشروط الاتفاق، بسبب الاختلافات الكبيرة في تكافؤ الفرص والحوكمة ومصايد الأسماك". وعلى هذا الأساس "وافقا على وقف المحادثات لإطلاع رؤسائهم على حالة المفاوضات".
يُعتقد أن نقطة الخلاف الرئيسية هي المطالبة الأوروبية بفترة انتقالية مدتها 10 سنوات لإجراء تغييرات تدريجية على أساطيل الصيد الأوروبية في المياه البريطانية، ما شكل عقبة أمام التوصل إلى اتفاق. إذ تريد المملكة المتحدة فترة انتقالية قصيرة.
من المحتمل أن تؤدي المحادثات الصعبة بين جونسون وفون دير لاين إلى حل وسط. إذا كان كل شيء على ما يرام، فمن المتوقع أن تأتي لحظة الحقيقة مساء الأحد أو صباح الاثنين وتكون النتيجة "صفقة أو لا صفقة".
وحذر قادة الأعمال من أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيخلق "موجة" من الروتين التي ستضرب الصناعة البريطانية في 1 كانون الثاني/ يناير حتى في حال التوصل الى اتفاق للتجارة في الأيام المقبلة.
وناشد نائب المدير العام لاتحاد الصناعة البريطاني، جوش هاردي، المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي مضاعفة الجهود لإعداد الشركات، قائلاً إن السرعة جوهر الأمر الآن.
ونظراً لأن الشركات لا تملك المعلومات الكاملة التي تحتاجها للاستعداد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حثّ هاردي المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على إبلاغ الشركات بما تتطلبه أي صفقة تجارية.
توقع بن فليتشر، مدير Make UK، التي تمثل الشركات المصنعة، في حديث مع "الغارديان" فترة سبات لبعض الشركات في أوائل عام 2021. وقال: "أعتقد أن هناك الكثير من التوتر والكثير من عدم اليقين. وتابع أن "بعض الشركات تقول لنا: لن نحاول نقل البضائع داخل البلاد وخارجها، لأننا نريد أن نرى كيف ستكون الأجواء في أول أسبوعين".
يشعر موردو الطعام والشراب بالقلق بشكل خاص من تلف البضائع. وقال فليتشر إن بعض الشركات كانت "متعبة" لدرجة أنها ببساطة لم يكن لديها القدرة على "قضاء أسبوعين خلال عيد الميلاد في قراءة صفقة معقدة للغاية والحصول على المشورة بشأن ما يعنيه ذلك بالنسبة إليها، ومحاولة تحديث أنظمتها".
أضاف أن بعض المعلومات الهامة التي تحتاجها الأعمال للتحضير كانت خارج نطاق اتفاقية التجارة الحرة وتحتاج إلى الموافقة عليها بسرعة، بما في ذلك الترتيبات الخاصة بنقل البيانات عبر الحدود، وتصاريح السفر التجاري، وقواعد المنشأ، التي ستحدد السلع التي تُعرَّف على أنها "بريطانية" وقابلة للبيع في الاتحاد الأوروبي في صفقة تجارية.
ستكون الجهود الحكومية والتجارية المتماسكة والمتسقة للتخفيف من قوائم الانتظار والفوضى أمراً بالغ الأهمية في العد التنازلي حتى الأول من يناير وفي أعقاب ذلك مباشرة.
وقالت جريدة "إكسبرس" البريطانية إن ميشيل بارنييه عرض على المملكة المتحدة 90 مليون جنيه إسترليني لضمان استمرار سفن الاتحاد الأوروبي في اصطياد الأسماك في المياه البريطانية في نهاية الفترة الانتقالية لبريكست في ديسمبر 2020. عضو البرلمان الأوروبي السابقة في حزب بريكست، جون مومري، التي قامت بحملات طويلة من أجل حقوق الصيادين البريطانيين، وصفت العرض بأنه "وقح".
وأضافت: "بمجرد استعادة السيطرة، وأعني استعادة السيطرة الكاملة على المصايد، ستبلغ قيمة صناعة صيد الأسماك 6.6 مليارات جنيه إسترليني". وأصرّت على أن تجديد صناعة صيد الأسماك البريطانية سيعود بالفائدة على البلاد من خلال "الأعمال غير المباشرة" الكبيرة التي تساعد على خلق الوظائف.
أما صحيفة "الإندبندنت"، فشرحت أن في سيناريو "لا اتفاق"، ستعود المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى التجارة وفقاً لشروط منظمة التجارة العالمية. من المتوقع حدوث اضطراب كبير حتى في حالة توقيع اتفاقية، لكن التأثير الاقتصادي من عدم وجود صفقة سيكون الأكثر حدة، وينطوي على ارتفاع الأسعار للمستهلكين بسبب التعريفات الجديدة.
ولفتت الصحيفة إلى أنه حتى في حالة إبرام صفقة تجارية، فإن الضربة طويلة المدى للناتج المحلي الإجمالي ستكون بنسبة 4 في المائة. وسترتفع في حال عدم الاتفاق إلى 6 في المائة. كذلك توقع مكتب الميزانية العمومية أن يؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون صفقة إلى رفع معدل البطالة بين يوليو/ تموز إلى سبتمبر/ أيلول من العام المقبل بمقدار 300 ألف.
وبالنسبة إلى معظم البريطانيين، سيُلاحَظ تأثير بريكست عندما يذهبون إلى السوبر ماركت لشراء الطعام والشراب بعد عطلة الأعياد. مع اتفاق أو بدونه، من المحتمل أن يعني الخروج من السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي والاتحاد الجمركي ارتفاع الأسعار ونقص إمدادات بعض الأطعمة.
تستورد المملكة المتحدة، نحو 45 في المائة من طعامها، ويأتي 26 في المائة منها من الاتحاد الأوروبي والباقي من بقية العالم. تأتي الواردات الأوروبية بشكل رئيسي من هولندا (14 في المائة من القيمة الإجمالية لسلع الاتحاد الأوروبي) وألمانيا (11 في المائة) وأيرلندا (10 في المائة) وفرنسا (10 في المائة).
وهذا يجعل بريطانيا، وفق "الإندبندنت" عرضة لتعطيل حركة المرور من القارة، وهو ما تعترف الحكومة بأنّ من المحتمل أن يكون بسبب الروتين الإضافي الناتج من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك أكثر من 200 مليون تصريح جمركي إضافي سنوياً.
إذا لم يجرِ تأمين أي اتفاقية تجارة حرة والتصديق عليها بحلول 31 ديسمبر، فستُفرَض رسوم جمركية تبلغ في المتوسط 18 في المائة على الأطعمة والمشروبات المستوردة من القارة، مع احتمال قيام تجار التجزئة بتمرير بعض إن لم يكن كل هذه التكلفة الإضافية على المستهلكين.
سيؤدي ارتفاع نسبة 18 في المائة على المنتجات التي تشكل حوالى ربع سلة التسوق النموذجية إلى رفع متوسط إنفاق المملكة المتحدة الأسبوعي البالغ 45 جنيهاً إسترلينياً للفرد على الطعام والشراب بنحو 2 جنيه إسترليني.
في الوقت نفسه، قالت "الإندبندنت"، قد يعني عدم وجود صفقة تكاليف إضافية تبلغ في المتوسط 23 في المائة على المبيعات إلى الاتحاد الأوروبي، ما يجعل مصدّري الطعام والشراب في المملكة المتحدة أقل قدرة على المنافسة، ويقلّل من أرباحهم.
ووصف رئيس التجارة الدولية في اتحاد الأطعمة والمشروبات دومينيك جودي نتيجة عدم وجود صفقة بأنها "كارثية" لسلاسل التوريد في المملكة المتحدة، وقال لـ "الإندبندنت"، إنّ من المحتمل جداً أن يُنقَل أي أعباء مالية إضافية إلى المستهلكين.
ولكن حتى إذا أبرم بوريس جونسون صفقة مع بروكسل، فسيظل هناك عبء مالي كبير على المستوردين والمصدرين بسبب الروتين الإضافي، بما في ذلك الإقرارات الجمركية والشهادات الصحية وفحوصات قواعد المنشأ. إذا نُقلَت الكلفة إلى العملاء، فقد يؤدي هذا وحده إلى رفع الأسعار بنسبة 3 في المائة.
بوجود اتفاق أو بدونه، من المتوقع حدوث تأخيرات في الموانئ الرئيسية مثل دوفر وفولكستون، مع سيناريو التخطيط الحكومي الأسوأ الذي يشير إلى إمكانية تقليص حركة المرور البحري إلى 60-80 في المائة من المستويات العادية، مع فترات انتظار كبيرة.