وصف محللون قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي رفع سعر الفائدة، الأربعاء، بأنه سيكون مدمراً للاقتصاد الأميركي. وقال الاقتصادي المصري الأميركي محمد العريان إن القرار سيقلل كثيراً من احتمالات تحقيق "الهبوط الآمن" المنشود، بالقضاء على معدل التضخم الأعلى في أكثر من أربعة عقود دون الوقوع في مصيدة الركود.
وتعاملت أسواق الأسهم والسندات على أن الركود في أميركا "أصبح حتمياً". وتراجعت الأسهم الأميركية في مستهل تعاملات الخميس مع استيعاب المستثمرين لقرار الفيدرالي برفع الفائدة 75 نقطة أساس للاجتماع الثالث على التوالي.
ورفع البنك الفيدرالي، الأربعاء، معدل الفائدة على أمواله بنسبة 0.75%، وعدل توقعاته لمستوى الفائدة عند نهاية العام لأعلى، فهرعت البنوك المركزية حول العالم لتقليده، خوفاً من تخلفها عن الركب، واضطرارها لدفع أثمان غالية في المستقبل القريب.
ورفع الفيدرالي سعر الفائدة بقوة هذا العام، وسط توقعات بعمليات زيادة إضافية في ما تبقى من العام للسيطرة على تسارع التضخم.
لكن السياسة الأميركية المتشددة يُسمع صداها غالباً في أغلب بقاع العالم، وفق محللين، ويكون في صورة آلام تعانيها البلدان الأكثر تعرضاً للأسواق الخارجية، سواء كانت نامية أو ناشئة، أو حتى أوروبية يفترض أنها متقدمة، مع الرفع المتتالي لمعدلات الفائدة على الدولار.
وعانت أغلب دول العالم تقريباً خلال الفترة التي مضت من العام الحالي من تراجع قيم عملاتها أمام الدولار، وهو ما ترتب عليه ارتفاع فاتورة الواردات، ومن ثم التأثير السلبي على العديد من ميزانيات تلك الدول. وارتفع الدولار أمام سلة من عملات العالم بنسبة 16% منذ بداية العام، منها أكثر من 2.5% خلال الشهر الماضي فقط.
وانخفضت عملات العديد من الدول التي تعتمد على الاستيراد من الخارج لتغذية شعوبها، في أفريقيا والشرق الأوسط، وأيضاً العديد من الدول في جنوب شرق آسيا.
وبينما تحاول تلك الدول مواكبة التغيرات في قيمة عملاتها وفاتورة الواردات، لا تكاد توجد حلول إلا السحب من احتياطيات النقد الأجنبي، كما فعلت كوريا الجنوبية وتركيا ومصر، حتى حدود لا يمكن تجاوزها، أو الاضطرار إلى مراكمة ديونها الخارجية لكي لا تضطر لإعلان إفلاسها.
ولا تتمكن الدول الخليجية، التي تعتمد سياسة سعر الصرف الثابت مع الدولار، من الحفاظ على استقرار قيم عملاتها عند رفع الفائدة على الدولار إلا من خلال القيام برفع مماثل على عملاتها، وهو ما قامت به بالفعل البنوك المركزية في كل من قطر والإمارات والسعودية والأردن والبحرين، وبنسبة أقل الكويت، التي تربط عملتها بسلة عملات، يستحوذ اليورو على النسبة الأكبر فيها.
ومن ناحية أخرى، يأتي رفع الفائدة الأميركية بأخبار سيئة للأسواق الناشئة التي تعتمد على الاستثمارات الأجنبية، المباشر منها أو ما يأتي في صورة أموال ساخنة بحثاُ عن العوائد المرتفعة.
ومع كل رفع أميركي، تهرب أطنان من تلك الأموال، إلا إذا كان هناك رفع مماثل، وربما أكبر، في هذه الأسواق. وخلال الربع الأول من العام الحالي، كانت مصر وتركيا أكبر المتعرضين لذلك النوع من المخاطر.
وبعيداً عن ارتفاع قيمة فواتير استيراد الغذاء، جاءت دول منطقة اليورو وبريطانيا واليابان، الأكثر استيراداً لمصادر الطاقة التي ارتفعت أسعارها لمستويات قياسية خلال الأشهر الماضية، بين ضحايا رفع معدلات الفائدة. وتأثرت ميزانيات تلك الدول بارتفاع أسعار الطاقة عالمياً، بالإضافة إلى اضطرارها لرفع معدلات الفائدة لديها.
وامتد تأثير العوائد المرتفعة إلى الاقتصادات المتقدمة. وخلال الشهر الماضي فقط، ارتفع عائد سندات العشر سنوات بأكثر من 0.6% في ألمانيا وكوريا الجنوبية، ونحو نقطة مئوية كاملة في بريطانيا، بينما تخلت منطقة اليورو عن معدلات الفائدة الصفرية التي استمرت عليها لسنوات، بعد عقود من مستويات الفائدة المنخفضة تاريخياً، الأمر الذي مثل صدمة للشركات وللمواطنين.
ويوم الأربعاء، تدخل البنك المركزي الياباني ووزارة ماليته في الأسواق، ببيع الدولار، لإنقاذ الين المتراجع سعره، وذلك للمرة الأولى في ما يقرب من ربع قرن.
وفي الاتجاه نفسه، تعهدت الحكومة البريطانية ببرامج تعويض ضخمة للمواطنين، بعد ارتفاع أسعار الطاقة وتراجع قيمة الجنيه الإسترليني. وكانت هناك برامج مشابهة تم الإعلان عنها في ألمانيا والدول الاسكندنافية.
ورفع البنك الفيدرالي معدل الفائدة على أمواله منذ شهر مارس/ آذار الماضي بنسبة 3%. وقال رئيسه جيروم باول إنه يتوقع أن يصل ذلك المعدل إلى 4.40% قبل نهاية العام الحالي، فارتفع العائد على سندات الخزانة لعامين لأكثر من 4.10% للمرة الأولى منذ بدايات الأزمة المالية العالمية في 2007، كما ارتفع العائد على سندات العشر سنوات لأكثر من 3.67% لأول مرة منذ عام 2011.