مخاوف على الدواء في لبنان وسط نذر الحرب... أزمة قائمة قد تتفجر

29 أكتوبر 2023
نقابة الصيادلة دعت إلى ترشيد صرف الدواء لتجنب حدوث نقص في المعروض (فرانس برس)
+ الخط -

يدخل قطاع الدواء في لبنان دائرة الخشية والتساؤلات عن مصيره فيما لو توسّعت رقعة الاشتباكات بين "حزب الله" وجيش الاحتلال الإسرائيلي على الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وتطوّرت المناوشات النارية المتقطعة والمستمرة منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الجاري إلى حرب شاملة.

وتعزّز هشاشة قطاع الدواء من مخاوف المواطنين الذين لا تزال تجربتهم "الدوائية الكارثية" عامي 2021 و2022 حاضرة في أذهانهم، نتيجة سياسات الدعم الخاطئة وعمليات الاحتكار والتخزين والتهريب والتلاعب بالأسعار وجشع التجار ما هدّد صحة المرضى وجعلهم يعيشون واقعاً مريراً من خلال رحلات البحث عن علبة الدواء التي امتدت خارج لبنان.

ويعاني القطاع أساساً من أزمة قائمة بغضّ النظر عن التطوّرات الأمنية الأخيرة، وخصوصاً على مستوى أدوية السرطان والأمراض المستعصية التي تجاهر السلطات في لبنان بإبقاء الدعم المالي عليها، لكن في الوقت نفسه هي مقطوعة، وبالكاد تتوافر في السوق، وتوزَّع على المرضى وفق معايير بعيدة وفق كثيرين عن الشفافية وغير عادلة وتمييزية، ما يعرّض حياة الكثيرين للخطر، مع تأخرهم في تلقي أدويتهم وجرعاتهم وعلاجهم.

تقول ناديا، مواطنة لبنانية أربعينية تعيش في بيروت، لـ"العربي الجديد"، إنها "بدأت بشراء أدويتها من الصيدليات، وخصوصاً السكري، تحسباً لأي طارئ، في ظلّ عدم ثقتها بإجراءات الدولة اللبنانية والخطط الاستباقية التي تضعها"، وتشير كذلك إلى أنها "لم تخزن الأدوية أو تسارع إلى شرائها إبان الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد أواخر عام 2019، كما فعل كثيرون، ولكنها عانت كثيراً لإيجادها وكانت توصي أصدقائها أو أفراد عائلتها الذين يسافرون إلى الخارج وخصوصاً تركيا لشراء الأدوية لها، وبالتالي هي لن تعيد هذه التجربة القاسية التي كانت قد سببت تدهور صحتها".

وتشير ناديا إلى أن "البلد ضعيف ويعاني من تراجع كبير على مستوى خدماته ولا يزال يغرق بانهيار نقدي، والسياسات الحكومية إن أُقرَّت كلها تكون خاطئة وتمييزية، وخالية من أي خطط إصلاحية، فماذا يمكن أن ننتظر من دولة ترى مرضى السرطان يعانون ويموتون على أبواب المستشفيات، ويشترون إن كان بمقدورهم ذلك أدويتهم من تجار السوق السوداء أو الخارج بمبالغ خيالية فتتفرج عليهم ولا تتحرك؟".

من جهته، يقول ريمون، رجل ستّيني، يعيش في منطقة جل الديب في قضاء المتن (أحد أقضية محافظة جبل لبنان)، لـ"العربي الجديد"، إنه "بالنظر إلى إجراءات الصيدليات التي تقوم على ترشيد البيع، يشتري علبة دواء الضغط له ولزوجته من كل صيدلية، ويخشى طبعاً من اندلاع حرب، وانقطاع الأدوية، خصوصاً أن المواطن لا يعلم فعلاً أرقام المخزون الحقيقي المتوافر، ولا ثقة لديه بتلك التي يعلنها المسؤولون".

يشير ريمون إلى أن "هذا المخزون إن توافر، فمن يضمن لنا أنه سيباع فعلاً للمرضى وبأسعاره الأصلية، وبشكل عادل، ولا يصار إلى استغلاله من قبل التجار، واحتكاره كما حصل ولا يزال، والتحكّم ببيعه لجني أرباح طائلة؟".

وقبل أيام، توجه نقيب الصيادلة في لبنان، جو سلوم، إلى الصيادلة بنداءٍ دعاهم فيه إلى ترشيد صرف الدواء، بحيث يُعطى كلّ مريض حاجته، منعاً لتخزينه، وتلفه في ما بعد، او تحويله من قبل شبكات التهريب إلى السوق السوداء، وبالتالي حجبه عن مريض بحاجة إليه، كما أهاب بهم الامتناع عن أي شكل من أشكال التخزين بهدفٍ تجاريٍّ.

يقول سلوم في حديثه مع "العربي الجديد": "أصدرنا التعميم لترشيد صرف الدواء بكميات مقبولة للمرضى من أجل تغطية العدد الأكبر منهم ولفترة أوسع". ويشدد على أنه "لن نقبل بتكرار سيناريو عام 2021 مع تسلّل بعض النافذين وشبكات التهريب إلى الصيدليات من خلال الزبائن والقيام بتخزين الأدوية استعداداً لإعادة بيعها بالسوق السوداء أو تصديرها إلى الخارج، عندما كان الدواء لا يزال مدعوماً من قبل مصرف لبنان".

ويضيف: "نقوم بكل الجهود لمنع تخزين الدواء واحتكاره، وبالتالي لصرفه بطريقة علمية وموضوعية، لكن المشكلة أننا أصلاً نعيش في أزمة، وواقعنا غير سليم ولا نملك أي ترف، من هنا نداؤنا إلى المسؤولين لإبعاد شبح الحرب عن لبنان، ولا سيما أن العدوان الإسرائيلي لا حدود له، ويطاول المستشفيات والقطاع الصحي والطبي ومرافق الحياة، ولبنان غير مهيّأ لهذه الحرب، إذ لا ملاجئ للأدوية، كذلك هناك عراقيل ترتبط بلوجستيات معينة يفترض أن تكون متوافرة. فمثلاً، هناك أدوية تحتاج إلى تبريد طوال الوقت، بينما لا وقود لدينا مؤمَّناً 24 ساعة كي نحافظ على الأدوية ونحميها من التلف".

ويلفت إلى أنه "لا يمكن الحديث عن مخزون، بينما هناك أدوية مقطوعة أو شبه متوافرة في السوق، على رأسها أدوية السرطان والأمراض المستعصية، المفقودة بشكل كبير، وتصل إلى المرضى بطريقة متقطعة، فالحديث عن المخزون يكون بوجود فائض في الأدوية، أما الأصناف الأخرى، فموجودة بكميات كافية، لكن الواقع الراهن لا يمكّن البلد من الدخول بأزمات كبيرة، ولا يمكنه حتى التعويل على المساعدات، إذ نحن بذلك نكون أمام قفزة في المجهول ولا يمكن التعويل على أمر غير ملموسٍ".

كذلك، يشير سلوم إلى أنه سُجّل طلبٌ على الأدوية منذ بدء الاشتباكات على الحدود، ولكن ليس بشكل كبير، وقد يكون ذلك بسبب وضع الناس الصعب مادياً وارتفاع أسعار الأدوية بعد رفع الدعم عنها، وبالتالي، قدرة المواطنين الشرائية ليست كما كانت عام 2019.

ويؤكد أن "واقعنا اليوم يختلف تماماً عمّا كان عليه قبل سنة 2019، حينها كانت كل صيدلية لديها مخزون يكفي أقله 6 أشهر، من هنا نعيد تكرار مناشدة المسؤولين بإبعاد شبح الحرب عن لبنان".

وفي حديث له مع "العربي الجديد"، قال وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض، إن الأدوية مقسَّمة إلى أربع فئات، ويفصّل بأنها الأدوية المتاحة من دون وصفة طبية، يُطلق عليها اسم OTC، مثل بنادول وغيره، وأدوية الصيدليات للأمراض المزمنة، وأدوية المستشفيات، وأدوية الأمراض السرطانية المدعومة.

وأشار الأبيض إلى أنه بالنسبة إلى الفئات الثلاث الأولى، فهي مؤمّنة في السوق لمدّة تراوح ما بين شهرين وثلاثة أشهر، بحسب المسح الذي قمنا به، كذلك راجعنا مصانع الأدوية والسيروم (المحاليل) في لبنان، وثمّة ما يكفي لتلبية الحاجات لمدّة أربعة أشهر تقريباً.

ولفت وزير الصحة إلى أن وضع القطاع الصحي يختلف كثيراً عمّا كان عليه في يوليو/تموز من عام 2006 إبان العدوان الإسرائيلي على لبنان، موضحاً أنّ "المستشفيات لم تكن تعاني من هجرة كوادر طبية أو تمريضية كما هو واقعها اليوم، ولم تكن تعاني من أزمة أدوية ومستلزمات طبية، ولم يكن البلد يعيش انهياراً نقدياً انعكس بصورة كبيرة على القطاع الصحي، ولم تكن لدينا أزمة نازحين يراوح عددهم ما بين مليون ونصف ومليونَي نازح سوري".

لكنه أضاف أن "القطاع الصحي على الرغم من الأزمات التي فرضت عليه، أظهر أنه قادرٌ على الصمود وتقديم الخدمات في الظروف الصعبة"، مشيراً إلى أن "الوكالات الأممية ستقف إلى جانب الشعب اللبناني وتقدّم المساعدات اللازمة له".

المساهمون