لجأت الحكومة العراقية إلى الانفتاح على القطاع الخاص الخارجي لحل أزمة الإسكان التي يواجهها العراق، في الوقت الذي حذّر فيه خبراء من غموض وفساد يعتريان مثل تلك الاتفاقات والعقود.
وقال مسؤول في وزارة الإعمار والإسكان العراقية، إن "خطة الوزارة خلال حكومة السوداني تتلخص بالانفتاح على شركات القطاع الخاص، سواء المحلية العراقية أو العربية والأجنبية، من أجل استنساخ التجارب الناجحة، بالإضافة إلى محاولة تلافي العقبات البيروقراطية لدى شركات المقاولات التابعة للوزارة".
خطة حكومية لأزمة الإسكان
وأكد المسؤول الوزاري لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم ذكر اسمه، أن "الحكومة العراقية أقرت في شهر حزيران (العام الماضي) خمسة مجمعات سكنية موزعة في خمس محافظات، للبدء بالعمل فيها مع إمكانية منحها للشركات والمستثمرين، وهي مدينة الجواهري في منطقة أبو غريب في بغداد، ومدينة "ضفاف كربلاء" في محافظة كربلاء، ومدينة "الفلوجة الجديدة" في محافظة الأنبار، ومدينة "الجنائن" في محافظة بابل، ومدينة "الغزلاني" في محافظة نينوى".
وأشار إلى أن "هذه المشاريع ستعتمد على الطاقة البديلة، من أجل مراعاة التغيرات البيئية والمناخية".
من جانبه، قال المتحدث باسم وزارة الإعمار والاسكان، أحمد الصفار لـ"العربي الجديد" إن "العراق شهد زيادة سكانية كبيرة، أدت إلى تفاقم أزمة السكن، وإن المشاريع الجديدة تشمل الشرائح الفقيرة ومتوسطة الدخل، وإن مجموع الوحدات السكنية من المشاريع المقرة من الحكومة، ستصل إلى نحو 700 ألف وحدة".
وفي 20 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قدّرت وزارة الإعمار والإسكان في العاصمة بغداد نسبة المواطنين الذين يقطنون في مساكن عشوائية بنحو 9% من السكان، ما يعادل 5 ملايين مواطن ينتشر أغلبهم في مناطق العاصمة بغداد، وعدد من المحافظات الوسطى والجنوبية.
علي الوردي اسم لامع في سماء العراق يستحق ان نطلقه على اول مشروع ريادي لمدينة متكاملة حضارية بكل معنى الكلمة تحتوي على اكثر من ١٢٠ الف وحدة سكنية ينفذها واخد من اشهر رجال الاعمال الناجحين في المنطقة والعالم
— بنگين ريكاني Bangen Rekani (@BangenRe) January 31, 2024
آن الاوان لبناء العراق بواجهه حضارية وبما يستحق تاريخه
والانطلاق نحو… pic.twitter.com/BocXUlRCkV
وجرّاء الأزمة، انتشرت العشوائيات أو المنازل العشوائية بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وشيد عشرات آلاف الفقراء منازل سكنية من الطوب والطين والصفيح في أراضٍ مملوكة للدولة. وتعد كل من بغداد والبصرة وكركوك وبابل والنجف من أكثر المحافظات التي تنتشر فيها العشوائيات عند مداخل المدن أو في ساحاتها العامة.
مخاوف الفساد
من جهته، أكد الباحث الاقتصادي محمود عبد الله "حاجة العراق لحل أزمة السكن من خلال الشراكات مع أطراف عربية ناجحة وأجنبية"، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن "هناك غموضاً في بعض الشراكات والعقود التي تجريها الحكومة العراقية برئاسة السوداني، لأنها لا تشمل أي أرقام، كذلك فإنها لا تمنح المعلومات للمتخصصين والصحافيين بشأن أرقام المبالغ المالية".
واعتبر في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن "هناك غياباً للشفافية في هذه العقود والشراكات، ولا نعرف إن كانت هناك اتفاقات سياسية أو حزبية أو نسب ممنوحة لبعض الفصائل المسلحة التي عادة ما تكون موجودة بقوة في مثل هذه المشاريع الكبيرة".
ولفت عبد الله إلى أن "المخاوف كثيرة بشأن هذه المشاريع، وأبرزها سيطرة الأحزاب السياسية على هذه الوحدات السكنية والتلاعب بأسعارها، كما يحدث حالياً في المدن التي أُنجِزَت خلال السنوات الماضية، باعتبارها حصصاً سياسية".
وشدد على أن "المشاريع الوهمية كثيرة في العراق، وأن توقيع العقد أخيراً مع شركة رجل الأعمال نجيب ساويرس أدى إلى نسف مشروع "داري" الذي أطلقته حكومة مصطفى الكاظمي (السابقة) المخصص بمنح العاطلين من العمل قطعَ أراضٍ سكنية، ومن ثم دعمهم لبنائها".
اتفاق مع ساويرس
ووقّع وزير الإعمار والإسكان العراقي بنكين ريكاني، عقد مشروع مدينة "علي الوردي" السكنية الجديدة في العاصمة بغداد، الذي يعد أكبر المشاريع السكنية في البلاد، مع مدير شركة أورا للتطوير العقاري المصري نجيب ساويرس، التي من المفترض -وفقاً للوزارة- أن تسهم في حل جزء من أزمة السكن ضمن المشروع الحكومي بمرحلته الأولى.
وأكد الصفار في تصريحاته لـ"العربي الجديد"، أن "التعاقد مع شركة أورا يأتي ضمن الانفتاح العراقي على العمل مع القطاع الخاص غير المحلي، بعد دراسات شملت الإمكانات والخبرات والتطور في التعامل مع الآليات بما ينسجم مع الحاجة العراقية، بالإضافة إلى ما لا يضر بالوضع البيئي".
بينما ذكر بيان نشرته رئاسة الحكومة العراقية، الأربعاء الماضي، أنه "جرى توقيع عقد مشروع مدينة (علي الوردي) السكنية الجديدة، بحضور رئيس الوزراء محمد شياع السوداني"، مؤكداً أن "استراتيجية حلول أزمة السكن التي تتبعها الحكومة، تتضمن تهيئة مدن مخدومة في البنى التحتية، وتتوافر على الآلاف من الوحدات السكنية المختلفة، بما يناسب فئات المواطنين المتنوعة".
ونقل البيان عن السوداني أن "هذا المشروع (مدينة علي الوردي السكنية) يُنفَّذ لأول مرة بتاريخ العراق بهذا الحجم والسعة، وأنه يأتي التزاماً لما ورد في البرنامج الحكومي من إيجاد حلول جذرية ومستدامة لأزمة السكن".
ويمتد مشروع المدينة الجديدة على مساحة 61 مليون متر مربع إلى الجهة الجنوبية الشرقية من العاصمة بغداد، ومن المفترض أن يوفر 120 ألف وحدة سكنية متنوعة".
ونقل البيان عن مدير شركة "أورا"، رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، قوله إن "هذه الشراكة مع العراق لتنفيذ مدينة (علي الوردي) السكنية، ستكون نقطة تحول في التعاون والتشارك في الرؤية الرائدة والمبتكرة لتنفيذ المدن السكنية، التي تراعي التوازن بين الاحتياجات البيئية والسكانية".
وفي تصريحات صحافية، قال ساويرس إن "مشروع مدينة علي الوردي السكنية تعتبر أكبر مدينة سكنية في العراق، وتقام على مساحة 61 مليون متر مربع، وهي مدينة ذكية وصديقة للبيئة، وتشمل كل متطلبات السكن الحضاري".
وأشار ساويرس إلى أن "رؤية المشروع تتضمن توفير خدمات أساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية، إضافة إلى وسائل الترفيه والتسوق لكل من سكان المدينة والمناطق المجاورة". فيما لم يتحدث أي طرف من المتعاقدين عن المبالغ المخصصة لإنشاء المدينة.
وفي أغسطس/آب الماضي، بحث وزير الإعمار والإسكان العراقي بنكين ريكاني مع نظيره المصري عاصم الجزار، والسفير المصري في العراق ورئيس مجلس إدارة شركة المقاولون العرب، سبل توطيد العلاقات الثنائية بين البلدين، بالإضافة إلى إشراك الشركات المصرية بشكل أوسع في تنفيذ مشاريع الوزارة العراقية.
وأكد الوزير المصري آنذاك "رغبة بلاده الجادة في تنفيذ المشاريع وبذات الجودة التي تُنفذ فيها في مصر، فضلاً عن أهمية التعاون في الجوانب الفنية وتبادل الخبرات".