مخاطر التجارة الدولية في 2024 ... صواريخ الحوثي تتحالف مع قناة بنما لضرب أنشطة الشحن البحري
تدخل التجارة العالمية العام الجاري 2024، وهي تواجه مجموعة من الأزمات، على رأسها أزمة شحن الحاويات، عبر قناة بنما التي تمر عبرها شحنات النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي إلى أوروبا، وأزمة مضيق باب المندب في البحر الأحمر، حيث تتعرض السفن لصواريخ وضربات المسيرات التي تطلقها جماعة الحوثي المناصرة للفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة من قبل إسرائيل.
ومنذ العام الماضي تتعرض مسارات السفن الحاملة للتجارة الأميركية لضغوط شديدة بسبب الجفاف الذي حد من عدد الناقلات العابرة لقناة بنما. وعقب انطلاق معركة طوفان الأقصى أجبرت صواريخ الحوثي وطائراته المسيرة، شركات الشحن البحري الكبرى على إلغاء المزيد من رحلاتها وتغيير مساراتها.
وكان الجيش الأميركي قد أكد أمس أن الحوثيين أطلقوا، مساء الثلاثاء، صاروخين باليستيين باتجاه سفن شحن كانت تبحر في البحر الأحمر. وبسبب صواريخ الحوثي المتواصلة علقت شركات الشحن الكبرى عمليات مرور سفنها في البحر الأحمر.
أحدث مثال في هذا الشأن هو قرار عملاق الشحن البحري "ميرسك"، تعليق خطط لما لا يقل عن 17 سفينة، كان مقررا عبورها من الممر البحري، في ظل هجمات الحوثيين على سفن متجهة لموانئ الاحتلال.
كما أعلنت شركة الشحن الدنماركية العملاقة Maersk، يوم الثلاثاء، أن اسطولها لن يستأنف عبور البحر الأحمر بعد تعليق عملياتها إثر هجوم الحوثيين على إحدى سفنها.
وما يمثل تحديا إضافيا للتجارة الدولية في العام الجديد هو تهديد نقابة عمال الرصيف التي تخدم موانئ الساحل الشرقي وخليج المكسيك في أميركا بالإضراب في أكتوبر/تشرين المقبل، حسب وكالة "بلومبيرغ".
وعلى الرغم من أن أسعار الشحن البحري ظلت منخفضة طوال العام الماضي، إلا أن تأخير شحنات الواردات وارتفاع كلف التأمين على السفن يهددان بارتفاع أسعار السلع المستوردة خلال العام الجاري، خاصة بين آسيا وأوروبا.
وعلى الصعيد المحلي، أي الشحن النهري داخل الدول، أدى تغير المناخ إلى أزمات أخرى، حيث أدى الجفاف إلى خلق نقاط اختناق في العام الماضي على نهر المسيسيبي في الولايات المتحدة ونهر الراين في أوروبا.
وفي بريطانيا رفع منسوب مياه البحر من مخاطر الفيضانات على طول نهر التايمز التي أدت إلى تعطيل سفريات قطارات اليورو في رأس السنة.
لكن تبقى العقبات المرورية التي تواجه كلا من قناتي بنما والسويس، بمثابة الأزمة الكبرى التي تعيشها التجارة العالمية في العام الجاري، حيث تمر عبر قناة بنما بضائع تقدر قيمتها بنحو 270 مليار دولار سنوياً، وتمر عبر البحر الأحمر بضائع قيمتها تريليون دولار سنوياً.
وتعود أزمة الإبحار عبر قناة بنما إلى الجفاف الذي أدى إلى ضحالة منسوب المياه في القناة. وتراجعت حركة الملاحة في مضيق بنما بين الأميركيتين بأكثر من 15 بالمئة خلال العام الماضي، بسبب ما تعرف بظاهرة النينيو، والتي تسببت بتراجع منسوب المياه في القناة المائية، والجفاف في المناطق البرية.
ووفق تقرير لوكالة بلومبيرغ أمس الأربعاء، تدرس هيئة قناة بنما بعض الإصلاحات لمعالجة أزمة منسوب المياه. وتشمل هذه الإصلاحات، إنشاء بحيرة صناعية لضخ المياه إلى القناة واستمطار السحب لزيادة هطول الأمطار، لكن محللين يرون أن كلا الخيارين سيستغرقان سنوات لتنفيذهما، في حال كان ذلك ممكناً.
ويقولون إن هذه الحلول مكلفة جداً بالنسبة للحكومة البنمية التي تجني نحو 4.3 مليارات دولار سنوياً من القناة. فوفق الظروف العادية، تتعامل قناة بنما مع حوالي 3% من حجم التجارة البحرية العالمية و46% من الحاويات التي تنتقل من شمال شرق آسيا إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة.
ويقول تقرير بلومبيرغ إنه رغم هطول أمطار أكثر من المتوقع في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلا أن سعة القناة لاتزال لا تتحمل مرور أكثر من 24 سفينة يومياً، وهو رقم أقل كثيراً من الحد الأقصى من القدرة اليومية للقناة التي كانت 38 سفينة قبل حدوث الجفاف.
ومع استمرار موسم الجفاف، فإن اختناق حركة السفن يقترب من التفاقم مرة أخرى.
ويقول محللون إنه "على المدى الطويل، الحل الأساسي لنقص المياه المزمن في قناة بنما هو بناء سد على نهر إنديو"، ثم حفر نفق عبر جبل لتوصيل المياه العذبة لمسافة 8 كيلومترات (5 أميال) إلى بحيرة جاتون، الخزان الرئيسي للقناة". وتقدر تكلفة المشروع، إلى جانب تدابير الحفظ الإضافية، بحوالي ملياري دولار.
كما يرون أن هذه الإصلاحات ربما تستغرق ست سنوات على الأقل. في هذا الصدد، قال الرئيس العالمي للمشتريات البحرية لشركة Flexport، نيريجوس بوسكوس إن أزمة قناة بنما تزيد من أوقات العبور للسفن التجارية بمعدل سبعة أيام تقريبًا، اعتمادًا على ميناء التحميل.
ويضيف بوسكوس، في تعليقات نقلتها نشرة "فريت ويفز ـ FreightWaves " الأميركية، إن أزمة الشحن البحري لا تتعلق فقط بقناة بنما، ولكن كذلك بقناة السويس، حيث تتعرض السفن التجارية لصواريخ الحوثي بسبب حرب إسرائيل على قطاع غزة.
من جانبها تقول نشرة "فريتوس"، المتخصصة في الشحن البحري، إن قناة السويس بالغة الأهمية للشحن العالمي، حيث تتعامل مع 30% من حركة الحاويات العالمية ونقل النفط والغاز الطبيعي.
وتضيف النشرة أن تحويل شركات النقل الكبرى مثل Maersk وHapag-Lloyd وCMA CGM وMSC وZIM ، سيؤثر على 17% من الأحجام العالمية المنقولة بحراً مع زيادات محتملة في أسعار الشحن.
من جانبه، قال كبير الاقتصاديين بمصرف "أي أن جي" الهولندي، ريكو لومان: لم نتوقع عامًا هادئًا للتجارة وسلاسل التوريد، ولكن قبل أن يبدأ، تم دفع قطاع الشحن الحيوي مرة أخرى إلى قلب الصراعات الجيوسياسية.
وأضاف لومان في تعليقات على موقع البنك الهولندي: "بدأت الشركات في تجنب البحر الأحمر، وهذا يؤدي بالفعل إلى تأخيرات كبيرة في سلاسل التوريد، وكذا إلى ارتفاع الأسعار في السوق الفورية، ومن الممكن أن يزداد الأمر سوءًا خلال العام الجاري".
ويعتقد محللون أن أزمة اضطراب الشحن البحري باتت تقلق الأسواق، خاصة أسواق العقود الآجلة، ومن المتوقع أن يتحول الكثير من المستوردين للسلع إلى البيع في الأسواق الفورية، بسبب عدم اليقين حول زمن وصول الشحنات والخوف من كلف الغرامات المالية والتعرض للقضايا القانونية من قبل المشترين.
ويتخوف محللون ماليون من أن تقود تداعيات عرقلة الشحن البحر تلقائياً إلى زيادة التضخم، خاصة في الدول الأوروبية والهند.
ولا يستبعد هؤلاء أن تواجه الاقتصادات العالمية ارتفاعاً بالتكاليف اللوجستية التي ساهمت في ارتفاع التضخم أثناء جائحة كورونا.