"محنة الدولار" تعصف بأرباح الشركات وقدرة المواطنين على شراء حاجاتهم اليومية

04 اغسطس 2023
أحد مقار البنك المركزي المصري بالقاهرة (فرانس برس)
+ الخط -

تمر الأسواق في مصر بأسوأ محنة اقتصادية مستمرة منذ 23 شهرا متصلة، حيث تغرق الشركات في الركود، وتعاني من ضعف الطلب، في ظل عدم قدرة المستهلكين على الشراء. ويؤكد رجال أعمال لـ"العربي الجديد" أن الشركات تتطلع إلى كسر قيود تراجع الإنتاج، عبر تحمل جزء من الخسائر الناجمة عن زيادة تكاليف الإنتاج والتشغيل، في ظل ارتفاع غير مسبوق بمعدلات التضخم، وتراجع الجنيه، وعدم قدرة البنوك على تدبير الدولار لشراء مستلزمات الإنتاج.

زاد الطين بلة، تكرار انقطاع التيار الكهربائي في أنحاء البلاد، دون سابق إنذار لساعات عديدة متصلة ومتقطعة، ما أدى إلى خسائر فادحة، بكافة الشركات والقطاعات الإنتاجية والخدمية، ودفع كثيرا من المنتجين إلى زيادة الأسعار، لتحويل جزء من تلك الخسائر إلى المستهلكين، الذين خفضوا طلباتهم على كافة السلع والخدمات قسرا، في ظل تراجع قيمة الجنيه، وارتفاع معدلات التضخم الذي لا يقابله زيادة بدخول الأفراد.

وأوضح مؤشر مدراء المشتريات PMI لمؤسسة استاندرد آند بورز، عن أداء الشركات غير المنتجة للنفط، تراجعا في الطلبات الجديدة، رغم وجود أقل زيادة في أسعار المبيعات خلال الـ15 شهرا الأخيرة، وتباطؤ معدل الانكماش في الإنتاج، منذ سبتمبر/أيلول 2021.

ويرصد التقرير انخفاض إنتاج الشركات إلى أدنى مستوى مسجل منذ ما يقرب من عامين، يقابله انخفاض في الطلبات الجديدة. وظلت مستويات التوظيف والمخزون مستقرة عند مستوياتها الدنيا المسجلة الشهر الماضي، بعد انخفاض دام 7 أشهر.

وأدى ضعف سعر الصرف إلى استمرار ارتفاع أسعار المشتريات بشكل حاد، يقضي على هوامش أرباح الشركات، وفقا للتقرير الصادر أمس. وبين التقرير أن معدل انخفاض الإنتاج الهابط عن أدنى نقطة مسجلة في سبتمبر/أيلول 2021، كان واسع النطاق، شاملا جميع القطاعات الصناعية والإنتاجية، ومبينا أن انخفاض الأعمال الجديدة أدى إلى تراجع أضعف الإنتاج، وانكماش في الطلب، يزيد قليلا عما تحقق منذ عام ونصف العام، عقب فرض قيود البنك المركزي على الواردات وتوفير النقد الأجنبي من البنوك.

وتشهد أسعار مبيعات الشركات ارتفاعا طفيفا وفقا للمؤشر، حيث واصلت الشركات تخفيف ارتفاع الأسعار جزئيا في محاولة لتحفيز المبيعات، بينما التباطؤ ظل مرتبطا بخفض ضغوط التكلفة في الأشهر الأخيرة.

ولفت ديفيد أوين كبير الاقتصاديين في ستاندرد آند غلوبال ماركت انتيلجينس، إلى تسجيل مؤشر مدراء المشتريات في مصر، ارتفاعا طفيفا بمعدل 0.1%، عن شهر يونيو/حزيران، ليصل إلى 49.2%، في شهر يوليو/تموز المنقضي، وتحت الخمسين بالمائة للشهر 23 على التوالي.

وأعرب "أوين" عن أمله في أن تساهم الزيادة المتواضعة في أسعار المبيعات في تعزير الطلب في الأشهر المقبلة، رغم الزيادة القياسية في أسعار المستهلكين، التي بلغت 36.8% في يونيو الماضي.

ويعتقد " أوين" أنه على الرغم من العودة بشكل عام إلى نطاق الاستقرار، لا تزال الشركات غير واثقة، إلى حد ما بشأن المستقبل، حيث تتوقع 6% فقط من الشركات المشاركة في دراسة التقرير الشهري، نمو الإنتاج خلال الـ12 شهرا القادمة، إذا اتسع نطاق تعافي الطلب، وتراجعت معدلات التضخم.

وقال المهندس حسن الشافعي، رئيس لجنة المشروعات الصغيرة بجمعية رجال الأعمال المصريين لـ"العربي الجديد"، سيظل الركود بالشركات والأسواق سائدا حتى نهاية العام المقبل 2024 على الأقل، مبينا أن التضخم الأساسي الذي فاق 40%، ولا يتبعه زيادة في الرواتب والأجور والقوى الشرائية للمواطنين بنسبة 50%، يؤدي حتما إلى ركود في المنتجات المحلية أو المستوردة.

ونوه الشافعي إلى عدم إمكانية الخروج من دائرة الركود إلا بالسيطرة على التضخم، وإعادة ترتيب الدخل للمواطن.

وأضاف الشافعي: "الاقتصاد علم، لا تمكن إدارته بالفهلوة، وهذا ما تواجهه دول في أميركا اللاتينية، وتعمل حاليا على مكافحة الركود عبر ضبط معادلة التضخم بزيادة الدخل، للتحكم في نمو التضخم، وتقليصه، لذلك يهتمون بقدرة المواطن على المشاركة في الحد من التضخم، لأن الركود يعرض الجميع لمشاكل يصعب الخروج منها".

وأوضح الشافعي لـ" العربي الجديد" أن السبب الرئيسي للتضخم في مصر يرجع إلى تدهور قيمة العملة، مع عدم توافر الدولار، في السوق الرسمية، في الوقت الذي يتواجد فيه بالسوق السوداء بسعر معلن ومعروف ويتعامل الجميع عليه، بينما الحكومة "عاملة مش شايفة"، تغمض عيونها، وتترك السوق للعرض والطلب، حيث لا يوجد سيطرة على الأسعار ويرتفع التضخم، وتلجأ إلى حلول سهلة بفرض قيود على الاستيراد للسيطرة على تدفق الدولار، بينما هي الجزء الأصعب، لأنها تحرم وسائل الإنتاج من مستلزمات الإنتاج، وتدفع إلى زيادة التكلفة والأسعار.

يحذر الشافعي من عدم تحرك الحكومة لوضع حلول تخرج الشركات من الركود، وتعيد النشاط في الأسواق، على مدى طويل، قائلا: "أليس تراجع تحويلات المصريين من الخارج، من 36 مليار دولار إلى 20 مليار دولار خلال عام، مؤشر على أن هناك أزمة في طريقة معاملة أصحاب هذه الأموال، تحتاج إلى حل يمكنهم من حصد مكاسبهم، وبما يحقق السيولة النقدية في البنوك، بدلا من استبدالها بالجنيه، أو طرق أخرى، لا تصب في صالح الاقتصاد؟".

وأكد عضو مجلس إدارة جمعية رجال الأعمال، أن الشركات تضطر حاليا إلى تحمل جزء من التكلفة، وبعضها يتنازل عن أرباحه، ومنهم من لا يقدر على تحمل المصروفات والتكاليف، ويضطر إلى الاستمرار في العمل، لتحقيق أدنى الخسائر، للحفاظ على عملائه أو معداته، وعدم الاستغناء عن موظفيه.

وقال الشافعي إن "الاقتصاد يعتصره نقص الدولار وكثرة الديون، وستستمر محنة الدولار حتى نهاية عام 2024، التي ستكون أصعب مراحلها، ونأمل بعدها أن يكون الاقتصاد قادرا على التنفس".

ودعا محللون الحكومة إلى عودة العمل بشركات الصرافة، لإيجاد سوق صرف موازية منافسة للأسعار المحددة من البنوك الرسمية، تساهم في جذب تحويلات المصريين بالخارج، ومدخرات المصريين من الدولار، في ظل عدم قدرة عناصر الإنتاج الأربعة، الزارعة والصناعة والسياحة والتعدين، على زيادة موارد الدولة من منتجات تحل محل الواردات، وتولد العملة الصعبة.

وتشهد الأسواق موجات متتالية من الغلاء الفاحش، تشمل أسعار مدخلات الإنتاج، والمبيعات للمستهلكين. وتواجه البنوك المحلية ضغوطا، تدفعها إلى سحب ما لديها من مخزون لتلبية احتياجات الحكومة من النقد اللازم لشراء احتياجاتها من السلع الأساسية، بعد توقف إنتاج الغاز وانخفاض دخل المصريين بالخارج، وعدم قدرتها على ضبط حسابات النقد الوارد من السياحة، وارتفاع أسعار القمح في البورصات الدولية.

وارتفع صافي الالتزامات الخارجية للنظام المصرفي المصري ليسجل 27.1 مليار دولار في يونيو الماضي.

ويتداول الجنيه عند حدود 30.95 جنيها مقابل الدولار في البنوك، وارتفع إلى 39.35 جنيها في السوق السوداء خلال اليومين الماضيين، بعد عامين من التدهور، شهدا فقدان الجنيه أكثر من 50% من قيمته، منذ مارس/آذار 2022.

المساهمون