في يناير/كانون الثاني الماضي، صدر حكم بسجن الاقتصادي العالمي، محمد يونس، الملقب بـ"مصرفي الفقراء" ستة أشهر مع ثلاثة من زملائه في شركة "غرامين تيليكوم" بعد اتهامهم في بنغلادش بالاختلاس وانتهاك قوانين العمل.
ينفي الأربعة وداعموهم هذه التهم، ويشيرون إلى أنّ اعتبارات سياسية جاءت وراء ما تعرضوا له. وقد أُطلق سراحهم بكفالة في انتظار الاستئناف. غير أن متاعب يونس، البالغ من العمر 83 عاماً والحائز جائزة نوبل للسلام في عام 2006، لم تنتهِ. فقد أكد قبل يومين أنه استُوليَ "بالقوة" من قبل جهات خارجية على المبنى الذي يحتضن العديد من شركاته، ومُنع الموظفون من الولوج إليه.
عندما حُكم عليه الشهر الماضي بالسجن، قال يونس: "عوقبت على جريمة لم أرتكبها"، إذ سبق له أن أكد في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أنه لم يستفد من أيٍّ من الشركات البالغ عددها خمسون شركة التي أسسها في بنغلادش، إذ أكد قائلاً: "لم أكن أسعى من خلالها لتحقيق مصلحتي الشخصية".
يؤكد مناصروه أنه على النقيض من التهم الذي وجهت إليه، تمكن من إخراج الملايين من دائرة الفقر عبر مصرف "غرامين بنك" وأن الحكم الصدر بحقه يستهدف تلطيخ صورته، إذ رأى كثيرون أنه منافس محتمل لرئيسة الوزراء البنغلادشية، الشيخة حسينة، التي فازت بولاية خامسة في السلطة في يناير/كانون الثاني الماضي، بعد انتخابات تشريعية قاطعها أهم حزب في البلد.
ورأى خاجة تنوير، محامي يونس، في تصريحات لوكالة فرانس برس، الشهر الماضي، أن القضية التي تعرّض لها يونس "لا قيمة لها وخاطئة وغير مبررة. الغرض الوحيد منها مضايقته وإذلاله أمام العالم".
قبل أكثر من أربعين عاماً أسس يونس، الذي درس الاقتصاد في بلده والولايات المتحدة الأميركية، مصرف "غرامين بنك"، ليكون بمثابة مصرف الفقراء في بنغلادش التي تحتل المركز الثامن عالمياً من حيث تعداد السكان بحوالى 170 مليون نسمة.
لم يلهه انخراطه في الجوانب الأكاديمية من تخصصه عن هموم المواطنين، إذ دفعته المجاعة التي عرفها بلده إلى تشكيل مجموعة بحثية مع طلبته حول القضايا المرتبطة بالزراعة، ليتوصل إلى أنّ المزارعين الفقراء يعانون من صعوبة الوصول إلى التمويل.
لجأ في البداية إلى ماله الخاص كي يوفر للمزارعين قروضاً صغيرة تراوح بين ثلاثين وخمسين دولاراً. كان ذلك ملهماً لإطلاق خطة إقراض المزارعين الفقراء عام 1977، وهو البرنامج الذي اتخذ شكل مصرف في 1983، وهو ما سعت العديد من البلدان لتطبيقه في ما بعد بهدف محاصرة الفقر.
دافع عن اقتصاد يقوم على الإيثار بدلاً من الأنانية التي تذكيها الرأسمالية. شرح رؤيته في في كتابين بعنوان "ريادة الأعمال الاجتماعية" و"عالم من ثلاثة أصفار: اقتصاد جديد بصفر فقر، صفر بطالة، وصفر تلوث".
يرى الاقتصادي الداعم للفقراء أن الاقتصاد ليس سوى وسيلة من أجل تحقيق الأهداف التي يجري التوافق عليها، معتبراً أنه يجب التركيز من قبل الدول على توجيه الأموال إلى المشاريع ذات النفع الاجتماعي والبيئي.
في سياق الأزمة الصحية والهزات الاقتصادية التي واكبها العالم، دعا الدول إلى تأسيس صناديق محلية لرأسمال المخاطر متخصصة في العمل الاجتماعي، ويمكنها أن تشجع القطاع الخاص، والمؤسسات المالية وصناديق الاستثمار كي تسير على ذلك النهج، بل إن الشركات التقليدية يمكنها أن تتحول إلى ذلك النوع من الاستثمار.
خطابه يبقى ملتصقاً بالواقع والتجارب اليومية، بعيداً عن الإغراق في المفاهيم. يتحدث عن الريادة المسؤولة ويدافع عن مجتمع يقوم على توزيع عادل للثروة ومحافظ على البيئة. بساطة خطابه الذي يبحث عن تعزيز قيم الإيثار، وبساطة مظهره، يعززان قوة حضوره النابع من اهتمامه بالفقراء، ما أثار الاهتمام عبر العالم بتجربه.
كوفئ راعي القروض الصغرى بالعديد من الجوائز، واستحق جائزة نوبل للسلام، من دون أن يجنبه ذلك متاعب يسبّبها خصومه، الذين دأبوا على السعي للنيل منه ومؤسسته، بخاصة بعدما كان قد أعلن في 2007 نيته لتأسيس حزب سياسي.