محمد صادق جبنون: الديمقراطية والفقر ضدان لا يتقابلان في تونس

02 أكتوبر 2020
محمد صادق جبنون (إنترنت)
+ الخط -

حذّر الخبير الاقتصادي، والناطق الرسمي باسم حزب قلب تونس، محمد صادق جبنون، في مقابلة مع "العربي الجديد"، من استمرار تجربة تونس الديمقراطية في ظل الفقر والتهميش الاجتماعي، مشيرا إلى أن الديمقراطية والفقر ضدان لا يلتقيان.

وقال إن أزمات عديدة ستواجهها حكومة هشام مشيشي في الميزانية المقبلة، ولكن لديها عنصر إيجابي للتعامل معها، وهو الاستقرار السياسي الموجود بحكم توفر ائتلاف برلماني يدعمها

وفيما يتعلق بمواجهة المشاكل الاقتصادية التي تواجهها البلاد حالياً إن هذا يتطلب مزيدا من التنسيق بين السياسة الاقتصادية والنقدية، فموقف البنك المركزي من سعر الفائدة المرتفع سيئ، ولا يخدم الاقتصاد ولا يشجع على التعافي، ولابد من إيجاد سياسة تحفيزية جديدة تخرج البلاد من الركود ومن حالة عدم الثقة، خاصة أن جائحة كوفيد 19 مازالت مستمرة.

وفيما يلي نص الحوار الذي أجراه " العربي الجديد" مع الخبير الاقتصادي، والناطق الرسمي باسم حزب قلب تونس:

* ما هي أبرز الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها تونس، وما مدى قدرة الحكومة الجديدة على احتواء هذه الأزمات من وجهة نظرك؟

الأزمة الاقتصادية غير مستجدة، فتونس منذ عام 2000 تواجه أزمة هيكلية في اقتصادها. وهذه الفترة احتدمت الأزمة بمقتضى آثار آفة كوفيد 19 والتي أتت على العالم أجمع، وتونس أيضا من الدول التي تأثرت بها وننتظر نسبة نمو سلبية لسنة 2020 لا تقل عن 10%، وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ البلاد.
إضافة إلى ذلك، ارتفاع نسبة البطالة إلى 19%، وتجاوز العجز في الميزانية 5 مليارات دينار (1.8 مليار دولار) عما كان متوقعا في الميزانية السابقة التي كانت في حدود 2.3 مليار دينار (820 مليون دولار). 

ويعود هذا إلى ضعف المداخيل الجبائية وانخفاض الصادرات والواردات في نفس الوقت، وإن مكن هذا من الحد جزئيا من العجز التجاري، ولكنه أيضا كشف الركود الموجود في الاقتصاد. وهذه الأزمات تنبئ بانعكاسات اجتماعية على صعيد التشغيل، خاصة أنه ما يقارب 19% من المؤسسات أغلقت نهائيا، كما أن البلاد في حاجة اليوم إلى تمويلات لا تقل عن 20 مليار دينار (7.21 مليارات دولار) بين تسديد الديون وبرامج استثمارية كحد أدنى لإعادة إنعاش الاقتصاد.

* وهل الحكومة الحالية قادرة على تجاوز الأزمة الاقتصادية؟ 
أزمات عديدة ستواجهها حكومة هشام مشيشي في الميزانية المقبلة ولكن لديها على الأقل عنصر إيجابي، وهو الاستقرار السياسي الموجود بحكم توفر ائتلاف برلماني يدعمها، كما أنه يجري الآن مناقشة قانون شامل ومتعدد الأوجه لإنعاش الاقتصاد وتطويره، خاصة في هذه الفترة الصعبة، والذي يأتي كحزمة لتحفيز مختلف القطاعات، بالإضافة إلى أن هناك استعدادا من قبل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لدعم تونس في هذه الحزمة بعيدا عن سياسة التقشف التي كان يوصي بها في السابق.

* تردد مؤخرا أن تونس تجري مفاوضات مع الدائنين لتأجيل سداد ديون خارجية، فهل يعني ذلك تعثر تونس ماليا وتوقّفها عن سداد ديونها الخارجية؟
تأجيل تسديد الديون أو إعادة جدولتها لجأت إليه العديد من الدول ومنها "المغرب الأقصى" ثلاث مرات في تاريخه، وحتى بعض الدول الأوروبية تلجأ إليه كعمليات تقنية. وفيما يتعلق بتونس: نعم يوجد صعوبة، ولا سيما في الدين قصير الأجل والذي يمثل ثلثي احتياطيات النقد، ولكن ليس إلى الحد الذي يجعل تونس اليوم في نفس مرتبة لبنان مثلا، فمازال هناك هامش من المناورة معقول.

ويبقى سداد تلك الديون مرتبطا بعودة دورة الإنتاج وقدرة تونس على تخطي الأزمة الحالية.

* تحدث رئيس الوزراء المستقيل إلياس الفخفاخ، عن وصول مؤشرات الاقتصاد التونسي وماليته إلى دائرة الخطر، هل هذا الكلام صحيح أم به مبالغة؟
أرى أن الفخفاخ عندما تحدّث كان في إطار استقالة حكومته، حيث كان حينها في سجال مع البرلمان من أجل الدفاع عن موقعه، ولكن في الواقع هناك مصاعب كبيرة في الاقتصاد التونسي تحدث لأول مرة، فمثلا تراجع توريد الفوسفات، وهذا في حد ذاته يعتبر أمرا عظيما بالنسبة لتونس التي كانت تحتل المرتبة الرابعة كمصدّر للفوسفات دوليا، واليوم لا تجد نفسها في قائمة الدول العشر الأولى المصدرة للفوسفات. وهذا يدل على أن هناك صعوبات كبيرة وخطيرة، ولكن مازال يمكن التحكم فيها والتعامل معها عبر دفع عجلة الاستثمار والإنتاج من خلال إبرام اتفاقات مع الخارج والانفتاح على مجالات اقتصادية أخرى.

* هناك محاولات من قبل قوى إقليمية لهز الاقتصاد التونسي وعملته عبر دعم الثورة المضادة، فهل ستنجح هذه القوى؟ وما المطلوب للتصدي لمثل هذه المحاولات؟
أنا لا أذهب صراحة إلى نظرية المؤامرة وقوى إقليمية وغير ذلك من تلك الأمور، تونس لديها اقتصاد يعاني من مشاكل هيكلية يجب معالجتها بمقاربة علمية وسياسية واضحة؛ كإعادة الثقة وخفض الضرائب وإلغاء البيروقراطية وإطلاق الحريات الاقتصادية، هذا ما سيمكن تونس من الانتقال من وضعية الركود والتردي الحالية إلى انطلاقة اقتصادية.

* وهل يمكن أن تتأثر التجربة الديمقراطية التونسية بالأزمات الاقتصادية العديدة التي تواجهها البلاد؟
نحن اليوم في حاجة إلى تحقيق نقلة نوعية، لأن التجربة الديمقراطية التونسية تُحصّن باقتصاد قوي بالطبع؛ فالديمقراطية والفقر ضدان لا يلتقيان، والبقاء في وضع الفقر والتهميش الاجتماعي استدعاء مفتوح لعودة الديكتاتوريات، ولكن مازال هناك هامش من المناورة، إذ يمكن أن تدفع الحكومة والقوى السياسية الداعمة لها العمل لإنقاذ الاقتصاد ومن ثم الدخول في مرحلة الانطلاق.
وهذا يتطلب أيضا مزيدا من التنسيق بين السياسة الاقتصادية والنقدية، فموقف البنك المركزي من سعر الفائدة المرتفع سيئ، ولا يخدم الاقتصاد ولا يشجع على التعافي، ولابد من إيجاد سياسة تحفيزية جديدة تخرج البلاد من الركود ومن حالة عدم الثقة، خاصة أن جائحة كوفيد 19 مازالت مستمرة.

المساهمون