انهيار اقتصادي، خسائر بشرية، نزوح وهجرة وجوع وبطالة، كل هذه الأزمات تجمعت في بلد واحد، حيث أصبحت سورية واحدة من أكثر البلدان المأزومة في العالم.
يرى أمين سر غرفة تجارة إدلب السابق نبيه السيد علي أن رأس المال البشري هو بمقدمة الخسائر التي لحقت بسورية بعد الحرب التي أعلنها النظام على الثورة. الكفاءات العملية والتخصصية التي هاجرت أو قتلت، تحتاج سورية لعقود طويلة لتعوضها.
وتكتمل الخسائر بالتجهيل الذي يعتمده نظام الأسد استراتيجيةً، "فأن ننظر للأطفال خارج صفوف الدراسة أو الذين انتموا إلى مواطن لجوئهم الجديدة، وقتذاك نشعر بفداحة الخسائر التي ستستمر طويلاً". ولكن، يستدرك السيد علي، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، بأن هذا لا يعني تجاهل بقية الخسائر، وبمقدمتها رهن ثروات سورية للمحتلين، وبمقدمتهم الروسي والإيراني، "فتبديد مقدرات سورية سيضع الأجيال اللاحقة تحت وطأة التبعية أو الغرق بتسديد الديون".
ورفع فريق "منسقو استجابة سورية" من قيمة الخسائر الاقتصادية في سورية في تقريره الأخير إلى أكثر من 650 مليار دولار أميركي منذ مطلع الثورة في 18 آذار/ مارس 2011، كما أن أسعار المواد الأساسية ارتفعت أكثر من 140 مرة، وتضاعفت خسائر العملة المحلية أكثر من 98 مرة منذ بداية 2011، فيما أكثر من 78 في المائة من المستشفيات والعيادات مدمرة أو خارج الخدمة، بالإضافة إلى دمار أكثر من 42 في المائة من المدارس.
خسائر مستمرة
ويعتبر الباحث السوري أسامة القاضي أن رأس المال البشري هو من أكثر الأزمات قسوة، ففضلاً عن القتل والاعتقال والتهجير، ثمة حالات تجويع وقتل للطاقات، بينما نسبة الفقر تجاوزت 91 في المائة وزاد عدد من وصلوا إلى المجاعة عن 3.5 ملايين سوري.
ويرى رئيس مجموعة عمل اقتصاد سورية القاضي أن تقسيم سورية إلى ثلاث مناطق نفوذ، والتحضير إلى تفتيت البلاد، من الخسائر التي قلما يلقى عليها الضوء، فيما يلفت إلى الخسائر الهائلة بقطاعات النفط والكهرباء والبنى التحتية، والتي وصلت مجتمعة "باحتساب فوات المنفعة" إلى أكثر من 530 مليار دولار.
ويضيف القاضي أن جميع الأرقام التي تصدر عن الخسائر أو إعادة الإعمار هي تقديرية لسببين، الأول صعوبة الوصول إلى مناطق التهديم وإحصاء الخسائر بشكل دقيق، والسبب الثاني استمرار التخريب والحرب وبيع ثروات السوريين.
لكنه وبجميع الأحوال، يختم الباحث السوري بأنه زادت خسائر الحرب على سورية عن خسائر الحربين العالميتين مجتمعتين، والأزمة الكبرى "أن الاستنزاف مستمر لطاقات سورية البشرية والمادية، من دون اتفاق دولي على حل أو حتى التقاء بالرأي، كما نرى ونتابع اليوم بأوكرانيا، رغم أن القاتل واحد والاستبداد متشابه".
وغيرت حرب نظام بشار الأسد على الثورة حياة 20 مليون سوري داخل سورية، بعدما أعادت رسم خريطة النفوذ والسيطرة، حيث يعيش 11 مليوناً منهم في مناطق تحت سيطرة النظام، و2.5 مليون شخص يعيشون في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، وأكثر من 3 ملايين شخص يعيشون في المناطق المحررة، شمال غربي سورية، فيما يعيش 1.3 مليون من إجمالي مليوني نازح في مخيمات مكتظة ومراكز إيواء في إدلب.
وعلى أهمية الخسائر البشرية، إلا أن الخسائر المادية "مدمرة" بحسب الاقتصادي السوري عماد الدين المصبح، فأن تصل الخسائر بالقطاعات السبعة الرئيسية "الإسكان والتعدين والأمن والنقل والصناعة التحويلية والكهرباء والصحة إلى ما يعادل نحو 10 أضعاف الناتج المحلي، فنحن أمام كارثة ربما غير مشهودة بتاريخ الحروب".
أرقام مذهلة
ويفنّد المصبح لـ"العربي الجديد" أن البطالة التي لم تزد عام 2011 عن 14.9 في المائة هي اليوم نحو 83 في المائة، كما أن سوق العمل فقد أكثر من 4 ملايين فرصة وارتفعت نسبة الإعالة الاقتصادية من 4.13 أشخاص لكل مشتغل في عام 2010 إلى نحو 7 أشخاص نهاية العام الماضي. وحول أكبر القطاعات خسارة بسورية، يضيف الاقتصادي السوري أن "أكثر من 40 في المائة من قطاع البنى التحتية تهدم، كما زاد إجمالي خسائر قطاع النفط عن 100.5 مليار دولار، وهذه أرقام رسمية أصدرها النظام.
فسورية التي كانت تنتج أكثر من 380 ألف برميل يومياً تصدر منها نحو 200 ألف برميل، لا يزيد إنتاجها اليوم في المناطق التي يسيطر عليها النظام عن 30 ألف برميل، وأصبحت البلاد تعتمد تماماً على الاستيراد".
ويلفت المصبح إلى أن نظام الأسد الذي بدد الاحتياطي النقدي الأجنبي، المقدر عام 2011 بنحو 18 مليار دولار، يعاني من الإفلاس اليوم، ما اضطره لإلزام قطاع الأعمال باستيراد النفط والقمح لسد عجز الدولة السورية التي فقدت حتى الدائنين.
وفيما لم تزد تقديرات الخسائر بالنسبة إلى غالبية المختصين والمراكز السورية عن 530 مليار دولار، أشار تقرير مشترك لمنظمتي "الرؤية العالمية - وورلد فيجن" وشركة "فرونتير إيكونوميكس" إلى أن الكلفة الاقتصادية للحرب السورية نحو 1.2 تريليون دولار أميركي.
ويشير التقرير المعنوَن بـ"ثمن باهظ جداً: كلفة الصراع على أطفال سوريا"، إلى أن النتائج تشير إلى أن جيلاً كاملاً قد ضاع في هذا الصراع، والأطفال سيتحمّلون الكلفة من خلال فقدان التعليم والصحة، ما سيمنع الكثيرين من المساعدة في تعافي البلاد والنمو الاقتصادي بمجرد انتهاء الحرب، مشيراً بالوقت نفسه إلى أنه حتى لو انتهت الحرب اليوم، فستستمر كلفتها في التراكم لتصل إلى 1.7 تريليون دولار إضافي بقيمة العملة اليوم وحتى عام 2035.
انهيار الدولار
والناتج ويرى الاقتصادي السوري محمود حسين أنه من المجدي البحث عن حلول لـ"الجريمة الدولية بسورية". فبقاء نظام الأسد برأيه في سدة الحكم سيحول الجميع إلى عمال إحصاء، يراقبون الدمار ويحصون الخسائر.
ويشير حسين لـ"العربي الجديد" إلى أن الخسائر لا تنتهي، "يكفي أن تقول إن سعر الدولار كان عام 2011 حوالي 50 ليرة واليوم 4000 ليرة، والناتج الاجمالي كان 60 مليار دولار واليوم أقل من 11 ملياراً".
ويعتبر أن غزو روسيا أوكرانيا ربما يفتح آفاقاً جديدة للحل، لافتاً إلى بيان مشترك للمتحدثين باسم وزارات خارجية فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وإيطاليا والمملكة المتحدة الذي صدر أخيراً بذكرى الثورة السورية، وتأكيدهم على الحل وفق قرارات الأمم المتحدة و قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
كما يرى المتحدث أملاً اليوم، بعد "تعرية النظامين الروسي والسوري" وعودة الملف السوري إلى الواجهة، حيث يمكن التعويل على هذه التحركات لإيجاد حلول للأزمة السورية.