بات السؤال المهم الآن على ألسنة الجميع هذه الأيام: هل ستتراجع أسعار السلع في الفترة المقبلة؟ هل يمكن أن تلتقط الأسعار أنفاسها ولو لبعض الوقت، هل يمكن أن تهدأ موجة قفزات الأسعار الحالية التي تكوي الجميع بمن فيهم الشريحة المنتمية للطبقة الوسطى؟ وإذا حدث ذلك، فمتى موعد التراجع؟
السؤال يتكرر داخل البيوت والأسواق والمحال التجارية والفضائيات على لسان المستهلكين والباعة، ويتكرر حتى بين مجتمع الأعمال والمستثمرين وأصحاب المصانع، ذلك لأنهم متضررون أيضا من قفزات الأسعار، خاصة أن زيادة أسعار السلع يصاحبها ركود في الأسواق، وتراجع في الطلب على المنتجات، وضعف في القدرة الشرائية للمواطن.
زيادة أسعار السلع يصاحبها ركود في الأسواق، وتراجع في الطلب على المنتجات، وضعف في القدرة الشرائية للمواطن
كما يتكرر السؤال بين أصحاب المدخرات، ذلك لأن ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم يؤدي إلى تآكل الأموال والثروات، خاصة إذا حصل هؤلاء على سعر فائدة سلبية على أموالهم المودعة في البنوك، أي سعر فائدة يقل عن معدل التضخم السائد، أو تراجعت قيمة العملة المحلية مقابل الدولار.
والإجابة عن السؤال السابق ليست بالبساطة التي يتخيلها البعض، لأن تراجع الأسعار يتوقف على عدة عوامل أبرزها:
1- توقف الحرب الروسية على أوكرانيا، فاستمرار الحرب يعني مواصلة قفزات أسعار الأغذية من قمح وذرة وشعير وزيوت ولحوم وأسمدة ومواد خام أولية وسلع وسيطة وغيره.
واستمرار الحرب يعني مزيدا من الاختناقات المتعلقة بصادرات روسيا وأوكرانيا من القمح والحبوب والزيوت، ومواصلة الروس خنق الموانئ الأوكرانية وتلغيمها وحرق المزارع والصوامع.
وبالتالي فإن هذه الحرب لا بد أن تتوقف خاصة أن مخزون العالم من الحبوب بات لا يكفى سوى لتغطية أسابيع قليلة، وأن إنتاج أوكرانيا من القمح تهاوى بعد الحرب، وأن المجاعة قد يتبعها حدوث اضطرابات في الدول التي تعاني من غلاء فاحش.
أضف إلى ذلك أن استمرار الحرب سيدفع مزيدا من الدول نحو إغلاق أسواقها ووضع قيود على صادرات السلع الغذائية كما فعلت الهند وأستراليا وروسيا وكندا وغيرها من دول العالم المنتجة للحبوب واللحوم.
زيادة أسعار النفط والغاز تؤدي مباشرة إلى زيادات كثيرة في تكلفة المعيشة من فواتير الكهرباء والمياه ورسوم النظافة وضريبة الوقود
2- تراجع أسعار النفط والغاز، ذلك لأن زيادات أسعار الطاقة المتواصلة وتوقعات وصول سعر برميل النفط إلى نحو 150 دولارا قريبا، تؤثر سلباً على الحياة اليومية للمواطن في صورة قفزات في أسعار البنزين والسولار وغاز الطهي وغيره من المشتقات البترولية، وزيادة كلفة المواصلات العامة وإنتاج المحاصيل وغيرها.
والدليل أن المواطن الأميركي بات يئن من زيادة فاتورة البنزين، وزيادة أسعار النفط والغاز تؤدي مباشرة إلى زيادات كثيرة في تكلفة المعيشة من فواتير الكهرباء والمياه ورسوم النظافة وضريبة الوقود وغيرها.
3- تراجع الموجة التضخمية في العالم، فالتضخم يدفع البنوك المركزية نحو رفع أسعار الفائدة على عملاتها، وهذا الرفع يعني زيادة تكلفة الأموال والقروض، وزيادة أعباء الإنتاج، وهذا ينعكس في النهاية على مستوى الأسعار في الأسواق.
كما أن زيادة التضخم تدفع المدخرين وأصحاب الأموال نحو التخلي عن عملاتهم المحلية وحيازة الدولار وغيره من العملات الرئيسة، وهذا يؤدي إلى إضعاف العملات المحلية، وبالتالي زيادة أسعار السلع المحلية، خاصة إذا كانت الدولة تستورد معظم احتياجاتها الغذائية من الخارج.
4-عدم ظهور موجة جديدة من متحورات كورونا، وهو الوباء الذي لا يزال يشكل خطرا على اقتصادات العالم، حيث أدى إلى حدوث قفزات في الدين العام، وتراجع في الإيرادات، وإلحاق أضرار بأنشطة رئيسية مثل الخدمات والسياحة والطيران وفرص العمل.
دفع الوباء الحكومات نحو التوسع في الاقتراض الخارجي، وزيادة أسعار السلع الرئيسية بما فيها الغذائية، وخفض الدعم خاصة للوقود
كما دفع الوباء الحكومات نحو التوسع في الاقتراض الخارجي، وزيادة أسعار السلع الرئيسية بما فيها الغذائية، وخفض الدعم خاصة للوقود، وخفض قيمة العملة وزيادة الرسوم والضرائب، وهذا انعكس على مستوى الأسعار السائدة في الأسواق.
5- توقف الحكومات عن زيادة أسعار السلع الغذائية والبنزين والسولار والغاز والدولار الجمركي وخفض الدعم المقدم لسلع جماهيرية.
عندما تتوقف حرب أوكرانيا وموجات كورونا، وتنجح البنوك المركزية في السيطرة على التضخم، وتتوقف تلك البنوك عن رفع سعر الفائدة وتهدأ أسعار الطاقة، هنا يمكن أن نتحدث عن خفض في الأسعار، ونقول إن موجة قفزات الأسعار قد انكسرت، وما لم يحدث ذلك فلا نتوقع خفض في الأسعار.