اتسم عام 2020 بضيق القنوات الاستثمارية التي تحقق عوائد مجزية لكبار المستثمرين، ومخاوف أصحاب الثروات من المستقبل الاقتصادي بعد الضربات القاسية التي سببتها جائحة كورونا لنمو الاقتصادات الكبرى والقطاعات الحيوية التي تحقق النمو.
ولذلك احتفظت المصارف وصناديق الاستثمار وشركات إدارة الثروات بسيولة دولارية ضخمة في حساباتها ترقباً للمستقبل.
من هذا المنطلق، يتوقع خبراء أن تتدفق هذه السيولة الضخمة بكثافة على أسواق المال وتحقق انتعاشاً كبيراً في أسواق المال في حال نجاح اللقاحات المضادة لجائحة كورونا.
في هذا الشأن، يربط مصرف "يو بي أس" السويسري، تحقق هذا الانتعاش بعاملين رئيسيين، هما نجاح اللقاحات المضادة لفيروس كوفيد 19 وفعاليتها في محاصرة الجائحة أو القضاء عليها نهائياً بحلول النصف الثاني من العام في أميركا، وكذا محاصرتها في أوروبا واليابان.
أما العامل الثاني، فهو نجاح سياسة الرئيس المنتخب جوزيف بايدن المالية في إنعاش الاقتصاد الأميركي.
وما يدعم الانتعاش المتوقع في البورصات العالمية، وعود البنوك المركزية العالمية وحكومات الاقتصادات الكبرى بمواصلة التحفيز المالي والنقدي واستمرار ضخ سيولة في الأسواق.
يذكر أن مصرف الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" تعهد بالمحافظة على سعر الفائدة المنخفضة على الدولار التي تراوح حالياً بين صفر إلى 0.25% خلال السنوات المقبلة.
وهذا المعدل المنخفض من الفائدة المصرفية سيغري المستثمرين في بورصة "وول ستريت" على الاقتراض بمعدلات فائدة منخفضة والحصول على عائدات مرتفعة من ارتفاعات الأسهم والتوزيعات المتوقعة على الأرباح.
البنوك المركزية تواصل ضخ الأموال
ويتوقع خبراء، حسب تصريحات مسؤولي البنوك المركزي الكبرى، أن تواصل البنوك المركزية عمليات شراء السندات وضخ السيولة في ما يطلق عليه عملية "الريبو"، إلى حين اتضاح الرؤية بشأن فعالية لقاح الفيروس وعودة الشركات للنمو الطبيعي في أعمالها التجارية.
وتترقب أسواق المال الأميركية، وفقاً لتقرير مصرف "غولدمان ساكس"، أن تجيز إدارة الرئيس المنتخب بايدن حزمة تحفيز مالية لا تقل عن ترليوني دولار خلال الأشهر الأولى من تسلمها في حال تصويت "الكليات التصويتية" في الولايات لمصلحة بايدن في اجتماع الكونغرس خلال الشهر الجاري.
كذلك من المتوقع أن تتمكن أوروبا من إجازة حزمة التحفيز المالي البالغة 1.8 ترليون يورو، بما في ذلك ميزانية الاتحاد الأوروبي حتى عام 2028.
لكن ما الخيارات الاستثمارية المتاحة للمستثمرين والقطاعات المتوقع ارتفاع أسهمها في أسواق المال العالمية خلال عام 2021؟
رغم التفاؤل في ردهات المصارف وشركات إدارة الثروات بالعام المقبل، ترى بنوك استثمار عالمية أن هنالك العديد من المجاهيل التي ستحكم توجهات المستثمرين، من بينها فعالية اللقاحات المضادة لكورونا نفسها وسرعة التطعيم، وعدم تمكن العديد من الاقتصادات المتوسطة والأسواق الناشئة من الحصول على اللقاحات التي حُجزت جرعاتها بكميات ضخمة من حكومات الاقتصادات الكبرى.
فالمستثمرون غير متيقنين حتى الآن من فعالية اللقاحات في محاصرة الجائحة أو سرعة توزيعها في حال ثبوت فعاليتها. ففي أوروبا هنالك نسبة قبول منخفضة للتطعيم بين المواطنين أكبر قليلاً من نسبة 50% في دول مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا.
من المتفائلين في هذا الصعيد مصرف "يو بي أس" السويسري الذي يرى أن اللقاحات ستكون ناجعة في القضاء على الجائحة خلال العام المقبل. في هذا الشأن يقول الاقتصادي بمصرف "يو بي أس"، سيث كاربنتر، إن الولايات المتحدة ستتمكن من تطعيم مواطنيها بنهاية النصف الأول من العام المقبل، وأن عدد الإصابات سيتراجع إلى نسبة قريبة من الصفر، وبالتالي يتوقع كاربنتر أن يضيف تراجع الإصابات نسبة واحد في المائة إلى نمو الاقتصاد الأميركي.
فرص الاستثمار في الأسهم
على صعيد الأسهم، من المتوقع أن ترتفع في العام المقبل وتجذب الاستثمارات الكبرى إلى جانب شركات الأدوية والخدمات المصاحبة لها، مثل شركات المعامل والأبحاث الطبية وشركات التبريد الكبرى التي ستحتاجها شركات الأدوية لنقل اللقاحات وبمعدل برودة تحت الصفر.
وهنالك العديد من القطاعات المرشحة للارتفاع. في هذا الشأن، يتوقع خبراء استثمار أن تعود الجاذبية للأسهم التي ضربها الفيروس بقسوة بسبب إغلاق الاقتصادات وإجراءات العزل وقيود السفر وحركة النقل، وبالتالي من المتوقع في حال نجاح اللقاحات الواقية من الفيروس أن تشهد أسهم شركات الطيران والنقل والفنادق والمطاعم وشركات الترفيه أكبر الارتفاعات في العام المقبل.
وهذه القطاعات حصلت خلال العام الجاري على دعم حكومي بلغ مئات المليارات من الدولارات لإنقاذها من أنياب الإفلاس. كذلك من المتوقع أن ترتفع أسهم شركات الطاقة التي عانت من ضربات هبوط الطلب العالمي على المشتقات النفطية. وربما كانت منظمة أوبك وحلفاؤها في الاجتماع الأخير قد أدخلت في حساباتها عامل ارتفاع أسعار النفط.
ويلاحظ أن أسعار خام برنت وغرب تكساس، عادت للارتفاع من مستوياتها الدنيا تحت 40 دولاراً للبرميل، لتصل في نهاية الأسبوع الماضي إلى 46 دولاراً.
يذكر أن شركات النفط الكبرى والمصافي، وخاصة شركات النفط الصخري، قد تعرض العديد منها للإفلاس، وبالتالي هرب المستثمرون في أميركا وأوروبا من أسهم شركات النفط. وفي حال نجاح اللقاحات، فإن الطلب النفطي على المشتقات النفطية سيعود للارتفاع مع عودة حركة السفر والنقل والطائرات.
أسهم المصارف
على صعيد المصارف، من المتوقع أن يعود المستثمرون للاستثمار في المصارف الكبرى بقوة خلال العام المقبل، إذ إن المصارف من بين الشركات التي هجرها المستثمرون خلال الربع الثاني من العام وتراجعت أسعار أسهمها بقوة بسبب المخاوف من عدم قدرتها على تحمّل القروض الضخمة التي منحتها للشركات والأعمال التجارية التي أُغلِقَت أعمالها.
ويلاحظ أن البنوك رفعت مخصصاتها للقروض المشكوك في تحصيلها في كل من أميركا وأوروبا إلى أكثر من مائة مليار دولار. في أميركا وحدها، هنالك نحو 50 مصرفاً تعاني حالياً من أزمات مالية تهددها بالإفلاس من بين 1000 مصرف في الولايات المتحدة، وذلك حسب بيانات شركة " باوير فاينانشيال" في ولاية فلوريدا.
وهذه البنوك المأزومة مالياً تعاني من مستويات مرتفعة من القروض غير العاملة وعدم وجود رأس مال كافٍ لتغطية مخصصات القروض المشكوك في تحصيلها.
ولكن في المقابل، إن المصارف الكبرى في الولايات المتحدة لديها سيولة ضخمة راكمتها خلال العام الماضي والعام الجاري، تقدَّر بنحو 3.7 ترليونات دولار، وفق بيانات مؤسسة تأمين الودائع الأميركية.
وهذه المصارف كانت حريصة على عدم منح قروض جديدة، كذلك راجعت خطوط الائتمان المفتوحة للعديد من العمال التجارية التي وقعت تحت تهديد جائحة كورونا. وبالتالي إن أسعار أسهم قطاع المصارف الأميركية قد ترتفع بقوة خلال العام المقبل مقارنة بنظيراتها في أوروبا وآسيا.
على صعيد تداعيات إدارة الرئيس المنتخب جوزيف بايدن على توجهات الاستثمار، يرى رئيس شركة غلاسمان لخدمات الثروة في فيينا، باري غلاسمان، أن عامل نجاح اللقاحات المضادة للفيروس يكون تأثيره في الأسواق المالية أكبر وأكثر فعالية من تداعيات سياسات بايدن المالية. ويقول غلاسمان: "ما سيفعله بايدن لن يكون له تأثير اللقاحات بالاقتصاد والأسواق".
ولكن يرى العديد من خبراء المال أن أسهم قطاعات الطاقة غير التقليدية ستستفيد من إدارة بايدن، كذلك ستساهم سياسته المستقرة تجاه حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وآسيا في انتعاش أسواق المال الناشئة وارتفاع أسعار صرف عملاتها.
ويلاحظ أن مؤشر الدولار يواصل الانخفاض خلال الأشهر الأخيرة، ومنذ زيادة التوقعات بفوز بايدن بالانتخابات الأميركية.