ما أقسى شتاء هذا العام على فقراء العرب

25 ديسمبر 2020
شتاء هذا العام قاس من حيث أزماته الشديدة وغير المسبوقة (فرانس برس)
+ الخط -

كأن فقراء العرب لا تكفيهم قسوة الفقر والبطالة وفقدان الوظائف والعوز والفساد، وحالات التشرد والنفي والهجرة خارج أوطانهم، والحرمان من حقوقهم الأساسية كالصحة والتعليم، وقلة التغذية وانعدام الأمن الغذائي والدواء، واختفاء سلع رئيسية وغلاء الأسعار، ليأتي شتاء هذا العام ليكون الأقسى على هؤلاء الذين يقدر عددهم بأكثر من 100 مليون فقير. 
شتاء هذا العام ليس فقط قارس البرودة والطقس، لكنه قاس من حيث أزماته الشديدة وغير المسبوقة، فهناك جائحة كورونا، وهناك أزمات معيشية طاحنة، وهناك حكومات عاجزة عن توفير الحد الأدنى من الخدمات بأسعار تناسب دخل المواطن، بل وتلوح بعضها بالتوقف عن صرف الرواتب للموظفين بزعم تراجع الإيرادات العامة، وزيادة عجز الموازنة العامة وتفاقم أعباء الديون. 
وهناك دول باتت تغترف المزيد من القروض الخارجية داهسة، ليس حقوق الأجيال الحالية فقط، بل حقوق الأجيال القادمة أيضا، ومعظم الحكومات العربية باتت تفرض مزيداً من الضرائب والرسوم والبرامج التقشفية رغم الحالة البائسة التي يمر بها المواطن وتراجع قدرته الشرائية ودخله. 
لقد وجد ملايين الفقراء العرب أنفسهم هذا العام أمام أسوأ أزمة صحية، وقطاع صحي متدهور، وحكومات تتعامل باستهانة شديدة مع صحة هؤلاء، فمع تفشي وباء كورونا باتت رائحة الموت تفوح في كل ركن من أركان الأسر العربية جراء هذا الوباء المتوحش، وبات المئات يتساقطون يوميا جراء الفيروس، أصدقاء وأقارب وزملاء، ولا بارقة أمل في وأد هذا الوباء الجامع الذي شل الجميع، دولا واقتصادات ومواطنا، ورفع من معدلات الفقر والبطالة والتعثر والرشوة والفساد. 

لم يفاجأ ملايين الفقراء العرب بتدهور القطاع الصحي في بلادهم، والغلاء الفاحش للأدوية والعلاج، فهم يلمسون ذلك بأنفسهم كل يوم وقبل ظهور الوباء الذي كشف عن عدم جاهزية هذا القطاع، حتى للميسورين والقادرين على سداد ثمن العلاج والحجر الصحي. 
ورغم الدمار الذي خلفه وباء كورونا، لا يزال فقراء العرب يواجهون أزمات أخرى، فهناك الحروب والنزاعات التي تعصف بملايين الفقراء في سورية وليبيا واليمن والعراق والسودان، ولا تزال الثورات المضادة تحول دون تحقيق تطلعات هؤلاء الفقراء في الحرية والعدالة الاجتماعية، وتحول دون استفادتهم من موارد وثروات بلادهم التي باتت تستأثر بها طبقة محدودة مرضي عنها سياسيا.  
ولا يزال فقراء العرب يقرأون يوميا عن استمرار الأثرياء وكبار المسؤولين في إقامة القصور الفارهة والمدن الحديثة، وشراء الطائرات الخاصة واليخوت والذهب والقرى السياحية والعقارات والأندية الرياضية، ويهربون مزيداً من الأموال إلى الخارج وتزيد ثرواتهم في البنوك السويسرية والأميركية. 
حتى الأمل في مستقبل أفضل تمت سرقته من أجندة الفقراء بنهب المال العام، وبيع موارد الدولة من شركات وأراض، ورهن الأصول العامة، والتوسع القياسي في الاقتراض المحلي والخارجي، وبعثرة الموارد المحدودة على مشروعات لا تمثل شيئا لملايين الفقراء ولا قيمة مضافة للاقتصاد. 

المساهمون