يعاني الكثير من الوزارات الإسرائيلية نقصَ المخصصات المالية اللازمة لتسيير أعمالها وتجميد التوظيف، وسط استمرار الانقسام في الكنيست حول عشرات البنود الواردة في الموازنة المعدلة للعام الجاري 2024، والتي تشهد ارتفاعاً كبيراً في نفقات الحرب وتفاقماً في العجز المالي، حيث تسيطر الخلافات على النقاشات حول الكثير من البنود منها فرض ضرائب كبيرة على أرباح البنوك واستهلاك الوقود.
وتقرر تأجيل إقرار الموازنة نهائياً، أمس الاثنين، لمدة أسبوع آخر على الأقل، لحين البتّ في القراءة الثالثة لها في جلسة عامة، حيث لا يزال هناك نقاش حول 30 بنداً مختلفاً بحاجة إلى التوافق، إذ من المتوقع أن تتم القراءة ابتداء من 11 مارس/آذار الجاري، وفق صحيفة يديعوت أحرونوت.
وتتعين الموافقة على الموازنة في التصويت بالكنيست ثلاث مرات، قبل أن تصبح قانوناً، بينما جرت الموافقة المبدئية عليها في الأسبوع الأول من فبراير/ شباط الماضي.
زيادة كبيرة في ميزانية الدفاع
ومن بين البنود التي يدور حولها النقاش، وفق الصحيفة الإسرائيلية تخفيضات في الميزانيات الحكومية، وإقرار زيادة كبيرة في ميزانية الدفاع، وفرض ضريبة على الكربون، وزيادة الضريبة على أرباح البنوك.
وتتضمن الموازنة زيادة الضريبة على أرباح البنوك إلى 26% بدلاً من 17%، حيث يريد أعضاء الكنيست التأكد من أن البنوك لن تحمل العملاء تكاليف الضريبة الجديدة. كما أنه لا يزال هناك خلاف بشأن مخصصات التحالف الحكومي.
وتتوقع وزارة المالية أن تؤدي الزيادة في نسبة الضريبة على أرباح البنوك، إلى إيرادات إضافية تبلغ حوالي 1.4 مليار شيكل (393.2 مليون دولار) في كل من عامي 2024 و2025.
ووفق الوزارة المالية، فإنه "في عامي 2022 و2023 سجلت البنوك الإسرائيلية زيادة غير عادية في الربحية، سواء مقارنة بالسنوات السابقة أو بالمقارنة مع البنوك في البلدان الأخرى".
لكن صحيفة غلوبس الاقتصادية الإسرائيلية نقلت أخيراً عن محافظ بنك إسرائيل المركزي أمير يارون، قوله إن "الضريبة التي تستهدف أرباح قطاع معين تتعارض مع مبادئ السياسة الضريبية، وتخلق حالة من عدم اليقين وربما تردع المستثمرين".
كما كان من المفترض أن تتم المصادقة على الميزانية بشكل نهائي في قراءة ثالثة في الكنيست في 19 فبراير/ شباط الماضي، أي بعد 50 يوماً بالضبط من بداية سنة الموازنة، إلا أن ذلك تأخر لأسابيع بسبب إصرار وزير المالية بتسلئيل سموتريتش على إدراج حوالي 4 مليارات شيكل من أموال الموازنة لمصلحة التحالف الحكومي.
وبموجب اتفاق التحالف الذي أبرمه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مع سموتريتش وقادة الأحزاب الدينية الأخرى بعد انتخابات 2022، كان من المقرر تخصيص مليارات الشواكل للأحزاب الدينية واليمينية المتطرفة المؤيدة للمستوطنين.
تقليص ميزانيات جميع الوزارات
لكن التأخير في إقرار الموازنة والخلافات بشأنها تسببت في ارتباك عمل الكثير من الوزارات رغم الإقرار المبدئي لها مطلع الشهر الماضي، حيث جرى بالفعل تقليص ميزانيات جميع الوزارات بمئات ملايين الشواكل، بينما جرى خفضها بالأساس بنحو 67 مليار شيكل بحسب الموازنة المعتمدة قبل التعديل في مايو/أيار من العام الماضي 2023.
لذلك، منعت وزارة المالية جميع الوزارات الحكومية من الدخول في ارتباطات جديدة، ومن بين أمور أخرى، جرى حظر تعيين موظفين جدد في المكاتب الحكومية في الوقت الحالي، وفق يديعوت أحرونوت، التي أشارت في تقريرها إلى أنه لم يتم حتى الآن إقرار سوى أقل من نصف أبواب موازنة 2024 من قبل لجنة المالية في الكنيست.
وهناك تخبط شديد بشأن تقديرات العجز المالي والإنفاق المتزايد على الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وتعويضات القطاعات المتضررة وإعادة إنعاش الاقتصاد الإسرائيلي المصاب في العمق.
وفي منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، رفعت حكومة الاحتلال قيمة الموازنة المعدلة قبل إرسالها إلى الكنيست للمصادقة عليها إلى 582 مليار شيكل (حوالي 163.4 مليار دولار)، بزيادة 70 مليار شيكل عن الميزانية الأصلية، آخذة بعين الاعتبار زيادة المصاريف على العمليات الحربية الدائرة في غزة. وبذلك كان من المتوقع أن يتسع عجز الميزانية إلى 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي بدلا من نحو 2.2% قبل التعديل.
الحكومة الإسرائيلية تتلاعب بالأرقام
إلا أن محللين أكدوا تفاقم العجز المالي وسط تصاعد النفقات العسكرية. إذ ذكر مومي الدهان الرئيس السابق للجامعة العبرية والمستشار السابق في وزارة المالية، في تصريحات لصحيفة "كالكاليست" الإسرائيلية نهاية فبراير/ شباط الماضي، أن العجز الحقيقي في موازنة العام الجاري يزيد بنحو 40 مليار شيكل (11.2 مليار دولار) عن الوارد في مسودة الموازنة التي طُرحت على طاولة الكنيست.
وأوضح أن العجز الحقيقي يبلغ حوالي 170 مليار شيكل (47.7 مليار دولار) وليس 36 مليار دولار وفقا للرقم المعلن، بما يعادل حوالي 9% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقال الدهان إن الحكومة الإسرائيلية تلاعبت بالرقم المعلن لعجز الموازنة، إذ إن الرقم الحقيقي أعلى بنحو 35% من المعلن، ما يهدد مصداقيتها محلياً ودولياً. وحذر من عاقبة إخفاء رقم عجز الموازنة الحقيقي، مشيرا إلى حادثة مشابهة عام 2002 خلال انتفاضة الأقصى، إذ أدى تلاعب بالرقم الحقيقي لعجز الموازنة إلى هبوط سعر الشيكل مقابل الدولار واقتراب أحد البنوك الإسرائيلية من الإفلاس.
وتعكس أرقام الاستدانة لهذا العام حجم العجز المالي المتفاقم لحكومة الاحتلال، حيث كشف يالي روتنبرغ، المحاسب العام في وزارة المالية الإسرائيلية، في تصريحات لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية في 26 فبراير/ شباط الماضي، أن الحكومة الإسرائيلية تخطط لجمع نحو 250 مليار شيكل (ما يعادل 70.2 مليار دولار وفق سعر الصرف أمس) من الديون هذا العام، وتجميد التوظيف الحكومي وزيادة الضرائب، وسط تضاعف الإنفاق الدفاعي تقريباً بسبب استمرار الحرب على غزة.
وأشار روتنبرغ، الذي التقى مستثمرين في نيويورك ولندن، إلى أن معظم الديون سيتم جمعها محلياً، لكنه أضاف أن الوزارة تتطلع "باهتمام" إلى سوق الدولار، قائلاً إن "كل شيء مطروح على الطاولة".
وتأتي أرقام العجز والاستدانة في وقت يكافح الاقتصاد الإسرائيلي لنفض غبار الخسائر التي لحقت به بفعل المقاومة الفلسطينية منذ بدء العدوان على غزة، بينما يتخوف اقتصاديون من تداعيات أشد وطأة في حال اتساع نطاق الاشتباكات مع حزب الله اللبناني على الحدود الشمالية وتطورها إلى حرب شاملة.