تطورات وأحداث إيجابية كبيرة شهدتها الساحة الخليجية خلال الأسبوعين الماضيين، ولها أن ثتلج صدور أهل الخليج، وأن تضفي الأمل على أن هذه المنطقة المتميزة في الوطن العربي، بدأت تأخذ مسارها الصحيح نحو مزيد من النمو المستطرد، والولوج إلى عالم التكنولوجيا، والكشف عن مواهب تنظيمية تستحق احترام العالم، بل وحصلت عليه.
منافسات العرب الكروية
ولعلي أبدأ التحليل من منافسات العرب الكروية برعاية الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، والتي نظمتها دولة قطر. وقد أثبتت تلك المنافسات أن دولة قطر، والتي ستكون أصغر دولة مساحة وسكاناً تنظم كأس العالم الكروية العام المقبل، أنها قادرة على أن تضع نفسها أمام العالم كله دولة حضارية بارعة التنظيم وذات أبعاد متعدّدة، بعيدة كل البعد عن النظرة السطحية التي تطرحها وسائل إعلام الغرب عن الوطن العربي.
ومنذ حفل الافتتاح، والمتفرّجون مفتونون بحسن الإدارة، وروعة الحفاوة التي استقبلوا بها. وقد وصل التنظيم إلى قمته في المباراة النهائية التي أقيمت في ستاد رياضي عربي التصميم حتى النخاع (ملعب البيت). وفي المقابل، قدّم فريقا تونس والجزائر مباراة مثيرة تليق بالمناسبة.
قمة الخليج
أما الحدث الثاني، فقد كان انعقاد قمة دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، والتي سبقتها زيارات ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى أبوظبي والدوحة والكويت ومسقط والمنامة. وقد كان واضحاً في هذا المؤتمر أن إيران وسياستها المباشرة في المنطقة، وتدخلها في شؤون أربع دول عربية، سورية، والعراق، ولبنان، واليمن، واستخدام أسلحتها لضرب أهداف في السعودية هو الموضوع الأساس. ولقد استطاع المؤتمر، على الرغم من انقسام المواقف فيه حول أسلوب التعامل مع هذا الملف المعقد، أن يصل الجميع فيه إلى موقفٍ موحّدٍ ومنطقي.
خلاصة الموقف أننا نريد العيش بسلام مع الجمهورية الإسلامية، وأن نكون جيرانها كما يجب أن يكون الجار عليه، شريطة أن تتوقف إيران عن تطلعاتها إلى الهيمنة والتفوّق في المنطقة على حساب جيرانها. ونحن جاهزون للسلام إن قبلت إيران بذلك. ولكن هذا الموقف يجب ألا يُساء فهمه على أنه ضعف، بل نحن الخليجيين متفقون على أن أي عدوان على أيٍّ منّا هو عدوان علينا جميعاً، وأننا كلنا جاهزون لأي مسارٍ تقرّر ايران اتخاذه، وأن بقاء الوضع الحالي على حاله ليس مقبولاً.
ولم يقتصر البيان الختامي لدول الخليج على الموضوع الإيراني، ولكنه اشتمل بنوداً أخرى كثيرة، عبّرت فيها القيادات الخليجية عن موقفها حيال قضايا ثنائية كثيرة مع دول عربية خارج منظومة مجلس التعاون، ولكنها قريبة منه.
القضية الفلسطينية
ولعل أهم هذه القضايا الموقف من حل القضية الفلسطينية. وعلى الرغم من تباين المواقف من اتفاقات أبراهام التي وقعت عليها الإمارات والبحرين، إلا أن البيان الذي لم ينتقد أياً من مواقف أعضائه أجمع على أن الحل النهائي لهذه المعضلة هو حل الدولتين وفقاً للمبادرة العربية المتفق عليها في قمّة بيروت عام 2002، وضرورة إنشاء دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية. وكذلك، أكد البيان على أهمية دعم الأردن وصموده، والتأكيد على أن تكون العلاقات معه متينة، والتأكيد على دور الهاشميين في الوصاية على الأماكن المقدّسة في بيت المقدس، والدفاع عنها. وهذا الموقف الموحد مهم جداً للأردن.
وكذلك أكد الحاضرون على مساندتهم العراق، والمواقف التي يحتلها رئيس وزراء تصريف الأعمال، مصطفى الكاظمي، في سعيه الحثيث إلى الحفاظ على كرامة العراق ووحدة أراضيه، وعدم تدخل الجيران في شؤونه الداخلية، سواء مباشرة أم عبر منظمات غير حكومية. وأشاروا إلى لبنان وسورية، وإلى أمور ذات صبغة داخلية لشؤون مجلس التعاون.
ملف أفغانستان
ومع أن أفغانستان لم تأخذ في البيان الختامي حقها من الذكر، خصوصا في ظل دور الوساطة النافذ الذي قامت به دولة قطر، ولكن يبدو أن الاتفاق على هذا الموضوع تُرِك ليأخذ مساحته الكافية في مؤتمر وزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامية، والتي تتخذ من الرياض مقراً لها، عدا عن البنك الإسلامي للتنمية (ومقرّه جدة). وقد تبين بعد انعقاد هذا المؤتمر أن الموضوع الأساسي كان تأسيس صندوق مالي لدعم أفغانستان، خشية أن يؤدي تآكل مواردها واتساع مساحة الفقر والجوع فيها إلى إعادة انتشار الفوضى هناك.
وكان من ثمار هذا المؤتمر اتخاذ حكومة طالبان قراراً بدعوة كل اللاجئين الأفغان، والذين يفوق عددهم ثمانية ملايين، أن يعودوا إلى بلدهم، ويمارسوا فيها حياتهم، ويساهموا في بنائها بخبراتهم وبأموالهم.
هذه الفعاليات الثلاث الخليجية، من كأس العرب الكروي، ومؤتمر قمة مجلس التعاون، ومؤتمر وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامية، أعادت لمجلس التعاون كثيراً من وحدته وتناسقه وكبريائه. وهذا مهم جداً. ولكن أمورا أخرى بقيت في حاجة إلى نظرتهم الثاقبة. ولعل أهم هذه القضايا وأخطرها ما يجري في الضفة الغربية من أحداث خطيرة، فما يزال المتصلبون والمستعمرون الإسرائيليون ينتهكون حرمة الناس في حياتهم، ومعاشهم وبيوتهم، وزيتونهم، وخصوصا الانتهاكات اليومية للمسجد الأقصى.
ولا يجوز أن تستمتع الحكومة الإسرائيلية الحالية لمجرّد أنها تدعو إلى حربٍ ضد إيران بأن تنتهك حرمة القدس وأهلها ومساجدها وكنائسها. عليهم أن يدركوا، خصوصا في ظل تجاوز دول الخليج خلافاتها، أن الغرب كله، بما في ذلك الولايات المتخدة وحلف الناتو وأوروبا، يضغط على إيران في المسألة النووية، وفي تسلطها على دول الجوار. ولذلك، صار دور إسرائيل في الدفاع عن دول الخليج هامشياً. المطلوب الآن الانتصار لفلسطين المحتلة التي ما زال الوضع فيها صابراً. ولكن السيل قد بلغ الزبى، وأن أي صدمات وقتلى فلسطينيين في انتفاضة ثالثة لن يجعل دول الخليج تبدو في إزارها البَهّي الذي ترتديه الآن.