يوم السبت الماضي، تم فصل آخر 3 محطات للطاقة النووية، هي نيكاريستهايم 2 التابعة لولاية بادن فورتمبيرغ وإيزار 2 في بافاريا وأمسلاند في ولاية سكسونيا السفلى، رغم التباينات السياسية القائمة حول توقيت وقف عمل المحطات عن الخدمة في ظل أزمة إمدادات الطاقة التي تسببت بها الحرب الروسية ضد أوكرانيا، والتوجس من عودة الزيادات المرتفعة على الأسعار.
وأمام ذلك، طُرحت تساؤلات عما إذا كان ينبغي تأجيل الخروج لصالح استقلالية ألمانيا في سياسة الطاقة، ولماذا لا تزال البلاد تستخدم الفحم وليس الطاقة النووية؟
وعلى وقع الآراء المنقسمة حول مدى تأثير نهاية الطاقة النووية، اعتبرت الخبيرة الاقتصادية كلوديا كيمفرت، من المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية، في حديث مع شبكة "دبليو دي آر" اليوم، أن نهاية حقبة الطاقة النووية صحيحة، موضحة أنه ليس من الخطأ إيقاف تشغيل محطات الطاقة النووية قي الوضع الحالي، وقد يكون التمديد محفوفا بالمخاطر ومكلفاً جداً أيضاً.
وأضافت: "كان من الممكن أن نطفئها في بداية العام دون أن تنطفئ الأنوار في ألمانيا. وكانت قطاعات من الاقتصاد الألماني تود أن ترى محطات الطاقة النووية تعمل على الأقل حتى نهاية أزمة الطاقة، خصوصا أن تكاليف الطاقة مرتفعة للغاية بالنسبة لمعظم الشركات في ألمانيا".
إن عملية الفصل عن الشبكة التي لم تستغرق أكثرمن ربع ساعة، ستستتبع بعدة إجراءات من العمل الفعلي، إذ تتم إزالة عناصر الوقود عالية النشاط الإشعاعي ووضعها في أحواض تجميعات الوقود لعدة سنوات، ومن ثم يتم تخزينها بما يسمى "حاويات الخروع" في مرافق التخزين المؤقتة. ويوجد حاليا 16 مرقق تخزين مؤقت للنفايات المشعة عالية المستوى في ألمانيا.
وعن تأثير إغلاق المحطات على أسعارالطاقة، يوضح أندريه تيس، من معهد تخزين الطاقة في جامعة شتوتغارت، أنه في ما يتعلق بالقيمة مقابل المال والقدرة على تحمل التكاليف، تبين للمعهد أن أسعارالطاقة قد ارتفعت في الأشهر الأخيرة.
واعتبارا من 15 إبريل/نيسان الجاري، يوم الإغلاق النهائي والتاريخي، فإن إمكانية كبح هذه الزيادة بالطاقة النووية الرخيصة أصبحت الآن غير مطروحة على الطاولة. إذ لا يمكن تحقيق إمدادات طاقة موثوقة وغير مكلفة ومحايدة لثاني أوكسيد الكربون إلا من خلال اعتماد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة النووية.
نائبة رئيسة البوندستاغ عن حزب الخضر كاترين غورينغ إيكاردت قالت أخيراً: "طبعا سيكون سعر الكهرباء أرخص كلما زادت مصادرالطاقة المتجددة، فالرياح والشمس نحصل عليها دائما مجانا، فيما كلفة الطاقة النووية باهظة الثمن سواء في التصنيع أو في الإنتاج أو غير ذلك".
في المقابل، فإن معارضي التخلص التدريجي من الطاقة النووية يخشون من أن تقول ألمانيا وداعا للأبحاث النووية تماما.
في السياق، حذر رئيس المجلس الإشرافي في "إي أون" للطاقة كارل لودفيغ كلاي، في تصريح لصحيفة "هاندلسبلات" أخيرا، من الانقطاع الكامل عن الأبحاث، ثم أضاف: "لا نعرف حتى ما يمكن أن يحدث في غضون 10 أو 20 عاما"، علما أن ألمانيا لا تزال تشارك في المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي "إيتر" عبر الاتحاد الأوروبي.
أما بخصوص آثار الانقطاع على إمدادات الطاقة، فقد بيّنت شبكة "دبليو دي آر" أنه في الربع الأول من عام 2023، شكلت الطاقة النووية 4.5% من صافي توليد الكهرباء في ألمانيا، فيما جاء 51.5% من الطاقات المتجددة و44% من الوقود الأحفوري.
وفي الإطار عينه، أوضح بروفسور الهندسة الكهربائية في جامعة آخن التقنية ديرك أوفه زاور أن ألمانيا صدرت هذا العام الطاقة إلى الخارج أكثر مما أنتجت محطات الطاقة النووية، موضحا أنه من الممكن تعويض ناتج محطات الطاقة النووية التي لم تعد متوفرة بسهولة عن طريق محطات الطاقة الحالية التي تعمل بالغاز والفحم. كما نفى وجود مشكلة عتمة أو نقص في الإمدادات.
وبحسب زاور، فإن اعتماد ألمانيا حاليا على توليد الطاقة باستخدام الفحم مشكلة مؤقتة، إذ يجب تحقيق عملية الانتقال عبر زيادة حصة الطاقات المتجددة بمقدار 3 إلى 4 نقاط مئوية.
ووفقا لوكالة البيئة الفيدرالية، فإن الكهرباء المولدة من محطات الطاقة النووية ليست محايدة لثاني أوكسيد الكربون، لأن انبعاثات الأخيرة تتولد أثناء إنشاء محطات الطاقة ونقل المواد المشعة وتشغيل مرافق التخزين المؤقتة والنهائية.
وبحسب الوكالة نفسها، تُعد الطاقة النووية أفضل بالنسبة للمناخ من الوقود الأحفوري مثل الفحم أو الغاز من حيث الانبعاثات، لكنها لا تزال أكثر ضررا بشكل ملحوظ من الطاقة المتجددة.