يئنّ الاقتصاد الإيراني تحت حصار العقوبات الأميركية والضغوط على الحكومة العراقية ومراقبة تهريب الدولارات إلى طهران ومحاصرة النفط الروسي لدخل خاماتها في الصين التي تراجعت أسعارها، بسبب الحسومات الكبيرة التي تمنحها الشركات الروسية الباحثة عن منافذ تسويق جديدة بعد خسارتها للسوق الأوروبي والغربي بسبب العقوبات الأخيرة المشددة على موسكو.
وسط هذه الظروف، تراجع سعر العملة الإيرانية بمعدلات كبيرة مقابل الدولار خلال الأسبوع الجاري، حيث انحسر تدفق العملات الصعبة من العراق، أكبر مصدر للعملة الأميركية والشريك التجاري الأبرز.
وباتت واشنطن في الآونة الأخيرة تراقب بشكل لصيق البنك المركزي العراقي وتدفق الدولارات في السوق العراقي، وتضغط واشنطن على بغداد لوقف استيراد الغاز والكهرباء من إيران.
يسارع الإيرانيون إلى شراء الدولارات، مدفوعين بمخاوف احتمال تطور العقوبات الأميركية وإقرار حظر جديد على الاقتصاد
ووفقاً لموقع "بونباست. كوم"، الذي يرصد سوق العملات الأجنبية في طهران، بلغ سعر العملة الإيرانية 53.9 ألف ريال مقابل الدولار أمس الخميس. وكان السعر قد بلغ 60 ألف ريال مقابل الدولار في بداية الأسبوع.
وخسر الريال الإيراني خمس قيمته منذ الأسبوع الماضي، ليسجل أدنى مستوى له عند 61,1500 للدولار يوم الأحد الماضي. وقد أدى الانزلاق إلى زيادة تكلفة استيراد السلع الحيوية، واستنزاف القوة الشرائية للإيرانيين العاديين.
ويتدافع الإيرانيون لشراء الدولار والنقد الأجنبي حرصاً على قيمة مدخراتهم من التعري المتواصل للعملة المحلية. ويشكل تدهور الريال تحدياً جديداً لحكومة الرئيس إبراهيم رئيسي، كما يهدد بحدوث احتجاجات شعبية جديدة في البلاد شبيهة بالاحتجاجات التي عمّت البلاد أواخر العام الماضي.
ويسارع الإيرانيون إلى شراء الدولارات، مدفوعين بمخاوف احتمال تطور العقوبات الأميركية وإقرار حظر جديد على الاقتصاد الإيراني، في أعقاب التقديرات الأميركية العلنية التي صدرت أخيراً وأفادت بأن إيران بإمكانها الحصول على اليورانيوم المخصب اللازم لإنتاج قنبلة نووية واحدة في غضون 12 يوماً، إن أرادت ذلك.
ويقول محللون إن حملة الولايات المتحدة لمكافحة غسل الأموال في العراق قلصت بشكل حاد إمدادات الدولارات التي تُهرَّب إلى إيران، ما أدى إلى عمليات شراء مذعورة للدولار داخل الأسواق الإيرانية.
ويمثل هبوط العملة الإيرانية ضربة اقتصادية جديدة لمعيشة الإيرانيين الذين يعانون بالفعل من أزمة اقتصادية عميقة، حيث أضاف ارتفاع معدلات البطالة إلى ضائقة المعيشة وتراجع دخل الأسر. وبلغ معدل التضخم في المدن الإيرانية 52.7% في يناير/ كانون الثاني بزيادة 2.1 نقطة مئوية عن ديسمبر/ كانون الأول، وفقاً لإحصاءات الحكومة.
وفي ذات الصدد، تشير بيانات نشرها موقع "مودرن دبلوماسي" الذي يديره اقتصاديون إيرانيون في تقرير هذا الأسبوع، إلى أن أكثر من نصف سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر بسبب ارتفاع الأسعار وتآكل القيمة الشرائية للريال الإيراني.
ويتوقع البنك الدولي في تقريره الأخير عن إيران، أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد إلى 2.2% في العام المقبل من معدل نموه المقدر بنحو 2.9% في عام 2022.
يأتي تراجع النمو الاقتصادي لإيران وسط تباطؤ في النمو الاقتصادي لدى الشركاء التجاريين الرئيسيين وفي مقدمتهم العراق
ويأتي تراجع النمو الاقتصادي لإيران وسط تباطؤ في النمو الاقتصادي لدى الشركاء التجاريين الرئيسيين، والمنافسة الشرسة التي تجدها الخامات البترولية الإيرانية من صادرات النفط والمشتقات الروسية الرخيصة في الصين والتي أجبرت طهران على إجراء حسومات كبيرة على أسعار خاماتها البترولية.
على صعيد الدين السيادي للدولة الإيرانية، يقول موقع "مودرن دبلوماسي" في تقرير هذا الأسبوع إن نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي في إيران ارتفعت إلى 45%.
ووفقاً لبيانات البنك الدولي، وصل معدل البطالة في إيران إلى 12.2% في عام 2020 قبل أن ينخفض بصعوبة إلى 11.5% في عام 2021.
وسعت حكومة رئيسي خلال العام الماضي إلى تهدئة حالة الغضب الشعبي التي اجتاحت البلاد في إبريل/ نيسان الماضي 2022، عبر دعم واردات السلع الأساسية، ولكن الأسعار ارتفعت لاحقاً، خاصة المواد الغذائية التي عادت للغلاء خلال الفترة بين مايو/ أيار إلى يونيو/ حزيران الماضيين.
على صعيد مبيعات النفط الإيراني، وفقاً لتقديرات "تانكر تراكرز" وفورتيكسا وكيبلر، بلغ متوسط صادرات النفط الإيرانية ما بين 810 آلاف و1.2 مليون برميل يومياً من الخام والمكثفات. وذهبت معظم هذا المبيعات إلى شركات صينية وكيانات في سورية والإمارات العربية المتحدة وفنزويلا.
وتُعَدّ هذه الأرقام أقلّ بكثير من حجم المبيعات التي كانت تصدرها إيران البالغة 2.7 مليون برميل يومياً قبل انسحاب إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي.
لكن مشكلة إيران بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022 تتمثل ليس فقط في تراجع كمية النفط المصدرة إلى الصين، ولكن كذلك في مطالبة الشركات الصينية بحسومات كبيرة تفوق الحسومات التي تقدمها الشركات الروسية.
وأدت هذه المنافسة مع روسيا إلى تراجع دخل الخامات الإيرانية التي تحصل عليها الخزينة الإيرانية.
ولكن رغم هذه الضغوط لاحظ محللون أن إيران لم تلجأ إلى التقشف للتغلب على الأزمة المالية، وبدلاً من ذلك قدم الرئيس إبراهيم رئيسي ميزانية موسعة بشكل ملحوظ في يناير/ كانون الثاني الماضي لتعزيز النمو الاقتصادي بالبلاد.
وتبلغ الميزانية الجديدة لإيران 21,640 تريليون ريال، وهي أكبر بنسبة 40% من الميزانية السابقة. كذلك خصص الدولة للحرس الثوري مبلغ 3 مليارات دولار، بزيادة 28% عن العام الماضي.