بعد معركتها العام الماضي مع فيسبوك وأمازون، التي حظيت باهتمام بالغ في الأوساط الاقتصادية العالمية، إذ جرى التحقيق معهما بشأن مدى احترامهما قواعد المنافسة، عادت "لينا خان" رئيسة لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية، لتخطف الأنظار في الأسابيع الأخيرة، إذ تصدّت في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الجاري لإبطال صفقة استحواذ "مايكروسوفت" على "أكتيفيجن بليزارد" مقابل 69 مليار دولار، وذلك عبر رفع دعوى قضائية ضد هذه العملية.
لم تكتفِ خان البالغة من العمر 33 عاماً بنجاحاتها في إيقاف بعض صفقات الدمج بين شركات صغيرة، لتصوب نحو الكيانات الكبرى، رغم أن مشاكسة وحوش التكنولوجيا ليست بالسهلة، إذ كان مسؤولو مكافحة الاحتكار قد فشلوا من قبل في إقناع القضاء بنقض صفقات دمج بين شركات تعمل في أسواق متقاربة، مثل فشل دعوى وزارة العدل لوقف إدماج شركتي "إيه تي آند تي" و"تايم وارنر" في 2018.
ورغم قوة أباطرة المال في وول ستريت، إلا أن خان، تثير ذعر الكثيرين منهم خوفاً من ملاحقتهم بالاحتكار والإضرار بالمنافسة. وفي مقابلة مع شبكة "سي إن بي سي" في يناير/كانون الأول الماضي، قالت خان، إن وكالة التجارة الفيدرالية لن تتراجع في مواجهة التخويف من شركات التكنولوجيا الكبرى، وأنها لن "تتراجع في مواجهة الترهيب من خصوم يتمتعون بموارد أفضل".
منذ اللحظة الأولى لتعيينها من قبل إدارة الرئيس جو بايدن في منتصف يونيو/حزيران 2021، وشركات التكنولوجيا العملاقة تكشر عن أنيابها، فالعلاقة مع خان لم تقتصر على ملاحقاتها التي بدأت مع توليها المنصب وإنما تتابعها الشركات بقلق منذ سنوات طويلة، بالنظر لما دأبت عليه أستاذة القانون في جامعة كولومبيا من انتقاد للاحتكار الذي تمارسه الشركات الكبرى، وحتى منذ أن كانت طالبة في الجامعة وتكتب مقالات حول ضرورة مواجهة الاحتكار.
وفي مقابل موقف الشركات، يشيد إصلاحيون وسياسيون من منتقدي تساهل الإدارات السابقة حيال تنفيذ قوانين مكافحة الاحتكار بلجوء خان إلى القضاء لوقف صفقات دمج واستحواذ كبرى. ونقلت وكالة بلومبيرغ الأميركية عن، بن سيروتا، محامي مكافحة الاحتكار لدى مؤسسة "كوبري أند كيم"، قوله إن لجنة التجارة الفيدرالية أصبح لديها "نهج مختلف"، حيث اتخذت اللجنة تحت قيادة خان، خطوات لإظهار قوتها ضد الشركات الكبرى.
عزت خان القوة التي تمتلكها بعض الشركات العملاقة إلى المعايير التي اعتادت عليها في السابق، فهذه الشركات لم تواجه قبل ذلك إجراءات صارمة. صنعت خان اسماً لنفسها في الأوساط الأكاديمية من خلال مقالتها في مجلة "ييل لو جورنال" في 2017 عن شركة أمازون، شرحت فيه كيف أن قوانين مكافحة الاحتكار السارية ساعدت الشركة على اكتساب قوة لم يعد ممكناً معها مراقبة عملاق التجارة الإلكترونية.
ليست شركات التكنولوجيا وحدها من يستشعر الخطر، فمنذ أن تولت خان المنصب، رفعت لجنة التجارة الفيدرالية دعوى قضائية لمنع استحواذ شركة "لوكهيد مارتن" أكبر شركة للصناعات العسكرية المقترح على "إيروجيت روكيتداين"، وكذلك ضد مسعى "إنفيديا" لشراء "إيه آر إم" من "سوفت بنك"، وبالفعل انهارت الصفقتان بسبب معارضة اللجنة.
كما تخلت 3 مجموعات مستشفيات عن مسعى للإدماج بعدما رفعت اللجنة دعوى قضائية ضدهم. كذلك فعلت مجموعة "غريت أوت دورز"، مالكة شركة "باس برو شوبس أند كابيلا"، التي كانت تسعى للاستحواذ على شركة "سبورتسمانز ويرهاوس".
وصلت المعركة مع خان إلى الساسة، حيث أشار الجمهوريون إلى أنهم سيزيدون التدقيق في ممارسات خان، واتهمها جيم جوردان، النائب عن ولاية أوهايو وكبير الجمهوريين في اللجنة القضائية، باتباع "نهج تطرفي مناهض للسوق الحرة".
ولدت خان في لندن في 3 مارس/آذار 1989، لأبوين باكستانيين، وانتقلت معهما إلى الولايات المتحدة في عمر الحادية عشرة. وفي 2010 تخرجت من كلية ويليامز. بعد التخرج عملت في مؤسسة نيو أميركا. وفي 2017 حصلت على الدكتوراه في القانون من كلية الحقوق في جامعة يال عملت محررة تقارير في جريدة يال.
في 2018، عملت خان زميلة قانونية في مفوضية التجارة الفيدرالية. وفي 2019، بدأت بالعمل مستشارة في اللجنة الفرعية لمكافحة الاحتكار التابعة للجنة الكونغرس القانونية. في 22 مارس/آذار 2021 رشحها بايدن لتكون رئيسة للجنة التجارة الفيدرالية. وفي 15 يونيو/حزيران من نفس العام صدق مجلس الشيوخ على الترشيح.