ليس بخفض الفائدة وحده ينتعش الاقتصاد

25 اغسطس 2019
موجة لخفض سعر الفائدة على الدولار (فرانس برس)
+ الخط -


ليس بالأمنيات وحدها تحيا الأمم، وليس بالدعاية المبالغ فيها والبروباغندا وخفض أسعار الفائدة تنتعش الاقتصادات وتحيا الاستثمارات وتسترد العملات الوطنية عافيتها. 

يوم الخميس الماضي، خفّض البنك المركزي المصري سعر الفائدة بنسبة 1.5%. خبر عادي تكرر مرات عديدة خلال الأيام الماضية، فقد خفضت البنوك المركزية في الولايات المتحدة والصين وتركيا وقطر والسعودية والإمارات والبحرين والأردن وغيرها أسعار الفائدة بنسب مختلفة، بل وبنسب قد تزيد كثيراً عن المعدل المصري.

البنك المركزي التركي مثلا خفض سعر الفائدة بنسبة 4.25% مرة واحدة، يوم 25 يوليو الماضي. وكذا خفض مجلس الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" بداية هذا الشهر سعر الفئدة على الدولار للمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في عام 2008.

لكن خفض البنك المركزي المصري سعر الفائدة تحوّل في الإعلام المصري إلى "فتح مبين" ومعجزة ستحل كل مشكلات الاقتصاد القومي من ركود وديون وعجز مالي وبطالة وقفزات في الأسعار، حيث توسّع الإعلام بشكل مبالغ فيه في سرد مزايا الخفض.

فخفض سعر الفائدة حسب وسائل الإعلام والمحللين الذين تنقل عنهم "ينعش الاقتصاد ويجذب الاستثمارات والأموال من الخارج ويعيد الهارب منها، ويرفع معنويات المستثمرين، ويقضي على الركود في الأسواق التجارية والقطاعات الأخرى، ويرفع الطلب على العقارات، ويزيد القدرة الشرائية في الأسواق، وبالتالي يزيد الطلب على السلع، ويرفع مبيعات المصانع والإنتاج".
كما أن خفض الفائدة سينعش البورصة وأسواق المال وسيجذب لها استثمارات عربية وأجنبية ضخمة تساعد في تسويق صفقات الخصخصة وبيع الشركات الحكومية، وفي مقدمتها صفقة بيع حصة رئيسية من أسهم بنك القاهرة، ثالث أكبر بنك في مصر، والمخطط لها قبل نهاية العام الجاري.

والأهم من ذلك أن خفض سعر الفائدة، من وجهة نظر الإعلام، يخفض الدين العام الحكومي ويقلل من عجز الموازنة العامة ويحد من البطالة ويقوي من قيمة الجنيه المصري في مواجهة الدولار، وبالتالي يدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه الحكومة منذ 3 سنوات.

الاحتفاء بخفض سعر الفائدة بات مبالغا فيه ويشبه تلك الأجواء التي عاشتها مصر في شهر مارس/آذار 2015 حينما انعقد مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، فخرجت وسائل الإعلام ساعتها لتؤكد أن المؤتمر جذب استثمارات تقدر بـ170 مليار دولار في اليوم الأول.

ويمر ما يزيد عن 4 سنوات ولم يجذب المؤتمر حتى مليار دولار إضافية عن الرقم المعتاد، بل إن رقم الاستثمارات الخارجية تراجع خلال الفترة الماضية حسب أرقام البنك المركزي المصري، وأصبح قطاع الطاقة، النفط والغاز، والذي لا يوفر فرص عمل أو قيمة مضافة للاقتصاد هو الجاذب الأول لهذه الأموال، كما أصبحت الأموال الساخنة التي لا تفيد الاقتصاد، بل وتمثل عبئا عليه، هي أكثر أنواع الاستثمارات التي تتدفق على البلاد.
كما تشبه الأجواء الاحتفالية بقرار خفض سعر الفائدة هذه الأيام أجواء ما عاشته مصر ليلة الإعلان عن إطلاق مشروع إنشاء "قناة السويس الجديدة" والتي قيل وقتها إنها سترفع إيرادات القناة من نحو 5 مليارات دولار إلى 100 مليار دولار سنويا.

وعلى الرغم من أن التوقعات خفضت الرقم إلى 13 مليار دولار في وقت لاحق، إلا أن إيرادات القناة لم تشهد قفزة عقب افتتاح التفريعة الجديدة، بل شهدت تراجعا في عام الافتتاح وهو 2016.

تنشيط الاستثمارات وقبلها الاقتصاد لا يتوقف فقط على خفض سعر الفائدة، بل يعتمد على أمور كثيرة، منها الاستقرار الأمني والسياسي والقانوني، ومعدل التضخم والنمو، والقدرة الشرائية للمواطن، وتكلفة الإنتاج وأسعار الغاز والطاقة، ونسبة الضرائب، ومنسوب الفساد والبيروقراطية، واستقرار سوق الصرف، وسهولة توفير الائتمان المصرفي للقطاع الخاص، ومدى توافر القوانين التي تحمي المستثمر.

والاقتصاد ينشط باستقرار سياسي حقيقي لا مفتعلا، بتفعيل دولة المؤسسات والقانون التي تحمي المستثمر وحقوق الدولة معاً، ينشط باحترام حقوق العامل، الإنسان والعامل معا، بإطلاق حرية الصحافة والإعلام والرأي والتعبير التي تنبه الدولة إلى مواطن الضعف والخلل في الاقتصاد وتنقل لها مشاكل القطاع الخاص، لا أن تطبل للحكومة ليل نهار.
ينشط الاقتصاد بإطلاق طاقات الشباب، القوة الحقيقة للإنتاج، بتفعيل المنافسة ومواجهة الاحتكارات، بفريق اقتصادي حكومي محترف، بوزيرة استثمار همها الأول تشجيع الاستثمارات وليس الترويج للقروض.

نموذج الاتحاد السوفييتي في التنمية الاقتصادية وتنشيط الاقتصاد في ظل القمع الأمني وكبت الحريات واحتكار السوق لا يصلح في القرن الواحد والعشرين وزمن الثورات والانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
المساهمون