قانون الاستثمار المصري، أعدوه على عجلٍ داخل أروقة الحكومة والوزارات الاقتصادية المعنية، كما أقروه أيضاً وعلى عجل داخل أروقة البرلمان وعقب اجتماع مغلق وطارئ ضم رئيسي الحكومة والبرلمان ووزيري الاستثمار والمالية، وتكرر السيناريو قبل أكثر من عامين حيث أقروا قانوناً مماثلاً في شهر مارس/آذار من العام 2015.
في المرتين لم يأخذ مشروع قانون الاستثمار حظه من المناقشة والبحث، ففي بداية هذا الأسبوع تم تمرير المشروع على عجل وبسرعة الصاروخ لدرجة أن وزراء ونواباً بالبرلمان لم يأخذوا فرصة للاطلاع على بنوده الخطيرة خاصة تلك التي تفتح الباب على مصراعيه لإعادة العمل بنظام المزايا الضريبية والجمركية للمستثمرين الأجانب والذي تخلصت منه البلاد في عام 2005، وتمنح إعفاءات من سداد الضرائب لمدة 10 سنوات لهؤلاء المستثمرين، إضافة لمزايا الإعفاء من ضريبة الدخل، والحصول على أراضي بالمجان، واستيراد عمالة أجنبية من الخارج رغم البطالة الشديدة داخل المجتمع وحجم الخبرات الهائل بين الشباب.
ولا تسأل هنا إذا ما كان قد تم طرح مشروع القانون في المرتين للحوار المجتمعي وعلى المجتمع المدني أم لا، فهذه كلمات باتت منبوذة لدى أصحاب القرار وصانعي السياسات في مصر.
في المرة الأولى (مارس/آذار 2015) أعدت الحكومة قانوناً للاستثمار على عجل وذلك قبيل انعقاد مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، ساعتها تلقت الحكومة نصيحة من الجهات المنظمة للمؤتمر وكذا من مؤسسات دولية ومستثمرين أجانب مفادها الآتي: "إذا أردتم إعادة الاستثمارات الأجنبية الهاربة وجذب استثمارات جديدة، فعليكم بسرعة إقرار قانون جديد للاستثمار يمنح مزايا عدة للمستثمرين الأجانب مثل الحصول على الأراضي بالمجان، وإعفاءات ضريبية وجمركية، وضمان سهولة دخول وخروج الأموال والأرباح الرأسمالية" وغيرها.
ورغم أن بعض هذه التيسيرات كانت بديهية مثل ضمان تحويل الأرباح الرأسمالية للخارج، والتزام الحكومة بحماية أصول الأجانب، ومنع مصادرة المشروعات والاستثمارات المملوكة لهم، حيث ينص الدستور صراحة على ذلك، إلا أنه تم إدراجها في مواد قانون الاستثمار.
وفي المرة الثانية (مايو/أيار 2017) وعلى عجل أيضاً تم إقرار قانون جديد للاستثمار تلبية هذه المرة لصندوق النقد الدولي الذي اشترط على الحكومة إقرار هذا القانون وغيره من الإجراءات التقشفية كشرط لتمرير الشريحة الثانية من قرضه البالغ قيمته 1.25 مليار دولار.
واستجابت الحكومة للاقتراح المقدم من البعثة الفنية للصندوق التي أكدت أن منح تيسيرات للمستثمرين الأجانب ومزايا ضريبية وجمركية وعينية جديدة سيعمل على سرعة تدفق الاستثمارات للبلاد، خاصة مع تحرير سوق الصرف الأجنبي، وتعويم الجنيه المصري، والقضاء على السوق السوداء للعملة والتي مثلت صداعاً للأجانب خلال السنوات الأخيرة.
لكن، هل تتحقق توقعات الحكومة وصندوق النقد معاً وتعود الاستثمارات الأجنبية لتتدفق مرة أخرى على البلاد، وبالتالي تساعد الأموال الخارجية المتدفقة من النقد الأجنبي في استقرار سوق الصرف، والحيلولة دون انزلاق العملة المصرية نحو مزيد من التراجع، وتوفير موارد لسداد أقساط الديون الخارجية وتغطية تكاليف الواردات؟
الواقع يقول إنه ليس بالقوانين وحدها يتم جذب الاستثمارات والأموال الخارجية أو حتى المحافظة على الاستثمارات المحلية القائمة، ولو كان الأمر كذلك لصاغت الدول أعظم قوانين للاستثمار حتى تجذب المليارات من كل حدب وصوب.
جذب الاستثمار في حاجة لمناخ سياسي واقتصادي واجتماعي متكامل، في حاجة لمجتمع يشهد استقراراً سياسياً وأمنياً حقيقياً، مجتمع يتماسك فيه الجميع لمواجهة الإرهاب الحقيقي في سيناء وليس الجري وراء إرهاب مصطنع، مجتمع يشعر فيه المواطن باحترام حريته وقراره وآدميته، مجتمع لديه حكومة تحترم القوانين القائمة ولا تصادر أموال المستثمرين المعارضين لها سياسياً، مجتمع يحتل به الشباب مكانة متميزة بدلاً من أن يغيب في السجون.
في حاجة كذلك لعدم مزاحمة المؤسسة العسكرية القطاع الخاص والحكومي في العمل الاقتصادي، خاصة وأنه يترتب على هذا الزحام زيادة أزمة البطالة داخل المجتمع، وزيادة عمليات خروج الشركات من السوق، بل واعلان العديد منها الافلاس.
هنا سيشعر المستثمر الأجنبي أن هذا المجتمع الذي يرغب في الاستثمار به وضخ أموال بداخله متماسك وقوي، وأن قيام ثورة جياع به غير وارد على الاطلاق، وأن المجتمع بعيد عن الاضطرابات السياسية المحتملة، وليس به حالة غموض وعدم يقين سياسي، هنا ستتدفق الأموال على المجتمع بسلاسة وربما لن تكون بحاجة لقوانين من الأصل.