على الرغم من تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا مطلع عام 2021 وتوحيد الإنفاق العام، بعد انقسام سياسي دام أكثر من خمس سنوات، إلا أن تحسّن الوضع الاقتصادي ظل حلماً يراود الكثيرين، إذ لا تزال العديد من الصعوبات قابعة.
مشاهد المصطفين يومياً أمام المصارف في انتظار الحصول على بضع مئات الدنانير من مدخراتهم، كانت ولا تزال الأبرز حضوراً، إذ يعاني القطاع المصرفي من أزمة سيولة نقدية، نتيجة لجوء الكثيرين إلى اكتناز الأموال بعيداً عن خزائن البنوك، بسبب فقدان الثقة في المصارف والخوف من عدم الاستقرار الأمني في البلاد.
كما شهدت الأسواق قفزات في أسعار السلع الغذائية والأدوية، خاصة المواد المستوردة واسعة الاستهلاك، بنسب تتراوح بين 14% و77%، ما أدى إلى ارتفاع إنفاق الأسر على سلة الغذاء.
وفي سوق الكريمية، أكبر تجمع تجاري في ليبيا (على بعد 20 كيلومترا شمال العاصمة طرابلس)، يقول على العبيدي تاجر جملة لـ"العربي الجديد"، إن ارتفاع الأسعار طاول مختلف السلع الأساسية، بسبب المضاربات التي انتهجتها العديد من الشركات الموردة بالتعاون مع بعض سماسرة السوق، بغرض تحقيق أرباح سريعة.
يضيف العبيدي لـ"العربي الجديد" أن الأسعار دخلت أشبه ما يكون بالبورصة، فكل يوم هناك سلعة ترتفع بشكل مفاجئ، وبالطبع نشهد قبل ذلك حدوث نقص في الكميات المعروضة في السوق، لتحضر بعدها بأسعار جديدة.
وبجانب المضاربات التي تلازم الأسواق وتؤثر على مستويات الأسعار وقدرة المواطنين على الشراء. عدل مصرف ليبيا المركزيّ سعر الصرف مطلع 2021 من 1.4 دينار للدولار الواحد إلى 4.48 دنانير للدولار، بانخفاض بلغت نسبته 70%، في ظل تراجع عائدات الدولة من النفط، الذي يمثل نحو 95% من الإيرادات.
يقول أحمد المبروك، الخبير الاقتصادي الليبي، إن تخفيض قيمة الدينار مع بقاء الحد الأدنى للأجور عند 450 دينارا، تسبب في تراجع قيمة الدخول الحقيقية للأفراد، ما انعكس على معيشة المواطنين وتسبب في تزايد معدلات الفقر.
ووفق بيانات رسمية، فإن عدد المحتاجين إلى مساعدات ارتفع بنحو 900 ألف شخص خلال 2021، ليصلوا إلى نحو 1.3 مليون شخص، يمثلون 23% من السكان.
ويشير المبروك إلى أنه وفق سعر الصرف الجديد، فإن 80% من سكان ليبيا يعيشون تحت خط الفقر ولا يستطيعون مسايرة ارتفاع الأسعار، وبالتالي فإن الحكومة مطلوب منها رفع الرواتب.
وبالتالي، اتخذت الحكومة خطوات نحو رفع رواتب بعض الفئات، ما جعل هناك نوعا من عدم العدالة، وفق سعدون الطشاني، الذي يعمل طبيب أسنان، قائلا إن "2021 لم يشهد عدالة اجتماعية في توزيع الدخول، فهناك قطاعات تمت زيادة رواتب العاملين فيها وأخرى تنتظر، بينما هناك تردٍ في الأوضاع المعيشية بسبب الغلاء ونقص الخدمات".
في المقابل يقول حسين الأحمر، الذي يعمل معلماً في إحدى المدارس الحكومية: "2021 يعتبر جيداً لنا بالمقارنة مع السنوات السابقة، بسبب زيادة رواتب قطاع التعليم، مع صرف مزايا مالية أخرى للأسر".
لكنْ هناك كثيرون لا يعملون في القطاعات الحكومية، ومنهم أسعد الأعرج، الذي يعمل بائعاً متجولاً، إذ يقول لـ"العربي الجديد"، إن "2021 يمثل عام رغيف الخبز النحيف مع نقص الأدوية للأمراض المزمنة وأزمة الكتاب المدرسي، وكلها حمل ثقيل على المواطن المسكين". ويضيف أن معدل الإنفاق للأسرة المكونة من ثلاثة أشخاص أصبح يتطلب حوالي 1500 دينار (335 دولارا) شهرياً، لكي تعيش حياة كريمة بينما معدل الدخل الشهري لا يتجاوز 950 دينارا.
في المقابل، يبدو عبد النبي فرج، أستاذ الاقتصاد في كلية المحاسبة بجامعة الجبل الغربي، أكثر تفاؤلاً، مشيرا إلى أنه كانت هناك نتائج جيدة على صعيد تعديل سعر الصرف ورفع جميع القيود على النقد الأجنبي وإقامة مشاريع تنموية، مضيفا أن هناك خطوات أخرى في توحيد السلطة النقدية عبر دمج المصرف المركزي في طرابلس والبيضاء، وكذلك أصبح الإنفاق المالي موحدا عبر طرابلس والشرق.