ليبيا: أرقام من التبعية الغذائية للخارج

01 ابريل 2022
عقبات عديدة تواجه القطاع الزراعي (عبد الله دوما/فرانس برس)
+ الخط -

فضحت أزمة الغذاء العالمية الناتجة عن الحرب الروسية في أوكرانيا معضلة صعبة تعيشها ليبيا منذ نحو نصف قرن، وظهرت ملامحها بشكل أوضح خلال الفترة الأخيرة، فهذه البلاد الغنية ومترامية الأطراف "لا تنتج غذاءها".

يقدِّر صاحب محل مواد غذائية بطرابلس، عبد المجيد الصيد، في حديثه لـ"العربي الجديد" نسبة الأغذية المستوردة في محله بأكثر من 90%".

ويقول الصيد: "باستثناء التمور ومنتجاتها وبعض أصناف الحليب والزبادي والمعكرونة؛ كل الأصناف الموجودة مستوردة".
وحسب بيانات رسمية، تبتلع الصحراء أغلب مساحة ليبيا البالغة 1.7 مليون كيلومتر مربع، والأراضي الزراعية متوفرة في الشريط الساحلي والجبال الشمالية المدعومة بالمياه عبر منظومة النهر الصناعي، بالإضافة للجنوب الغني بالمياه وأراضي زراعة القمح. ووفق إحصائيات غير رسمية، لا يتخطى إنتاج ليبيا من القمح والشعير 8% من الاستهلاك المحلي، وبلغ العام الماضي 100 ألف طن، فيما تستهلك البلاد نحو 1.26 مليون طن سنوياً.

ويختلف الأمر بالنسبة للخضروات والفواكه التي تنتج ليبيا الحصة الأكبر من الاستهلاك فيها، بحسب تصريح أدلى به رئيس مجلس إدارة الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة في ليبيا، محمد الرّعيض، لــ"العربي الجديد"، ونفى خلاله وجود إحصائيات دقيقة للإنتاج المحلي من الحبوب والخضروات والفواكه، بالإضافة للمعلبات، محذراً من تأثير غياب الأرقام الواقعية على الاقتصاد.

ووفق الرّعيض، لا تشكل الصناعات الغذائية والتعليب حصة تُذكر من الاستهلاك الداخلي، ويعزي ذلك لفشل القطاع العام في الصناعة، وفي المقام الأول للطعنة التي تلقاها القطاع الخاص نهاية سبعينات القرن الماضي. حسب وصفه.
وكان معمر القذافي قد أعلن في عام 1979 عن إلغاء القطاع الخاص والتوجه نحو الاشتراكية، وتم بعد قراره الزحف على كل مؤسسات وشركات القطاع الخاص وتمليكها للدولة أو توزيعها على الأفراد كتشاركيات مصغرة، الأمر الذي لازال يعاني الاقتصاد الليبي من تبعاته حتى الآن، وفق رأي الرعيض.

أمر آخر أشار إليه الرّعيض يرهق كاهل القطاع العام في البلاد، وهو "الغياب التام للقروض والتسهيلات البنكية"، موضحا في هذا الشأن أن "البنوك لا تساعد قطاع الزراعة والصناعة الخاص بشكل مطلق، ورجال الأعمال في ليبيا يعملون بأموالهم الخاصة بنسبة 100%، ودون الاستعانة بالبنوك، وهم الوحيدون في ذلك عالمياً، ومع أن القوانين الحالية تشجع على العمل لكن تطبيقها غائب، وهذا تماماً كمن يدفعنا عنوةً إلى الوراء".

ويرجع الرّعيض أسباب تعثر البنوك إلى الانقسام الحاصل في إدارة البنك المركزي، على الرغم من وجود مساع أممية ودولية لإنهاء انقسامه، بالإضافة للإيقاف المتكرر للنفط (المورد الأساسي لدخل البلاد)، وكذلك تغيير سعر صرف الدينار الليبي.
وشهدت ليبيا خلال الآونة الأخيرة طفرة سريعة في الأسعار بدأت مع الأحداث الروسية الأوكرانية وصاحبت استعدادات شهر رمضان. وزادت أسعار السلع الأساسية بنسب تصل إلى 40%، الأمر الذي لاقى امتعاضاً كبيراً في الداخل الليبي، وترقّباً لتدخل الدولة، يرى البعض أنه قد يتأخر بسبب الازدواج بين حكومتي الوحدة الوطنية التي تسيّر الأمور من طرابلس وتتشبث بالسلطة، والأخرى المكلفة من مجلس النواب في شرق البلاد وتصر على تسلّم مهامها.
في هذه الأثناء، خرج وزير الاقتصاد بحكومة الوحدة، محمد الحويج، بحزمة إجراءات، قال خلال تصريحات صحافية "إن مجلس الوزراء يدرسها من أجل التخفيف من وطأة الأزمة".
ومن هذه الخطط، بحسب تصريحات الحويج، إقرار علاوة غلاء معيشة بواقع 300 دينار ليبي (ما يعادل نحو 60 دولارا) للفرد الواحد، تُصرف مرتين، خلال هذا العام، الأولى قبل رمضان والثانية قبل عيد الفطر، كعلاج قصير المدى، يتم تغطية نفقاته من الزيادة المصاحبة في أسعار النفط الذي تنتجه البلاد.

شهدت ليبيا خلال الآونة الأخيرة طفرة سريعة في الأسعار بدأت مع الأحداث الروسية الأوكرانية وصاحبت استعدادات شهر رمضان. وزادت أسعار السلع الأساسية بنسب تصل إلى 40%


وفي خطة أخرى، سيدرس مجلس الوزراء إمكانية تفعيل دور صندوق موازنة الأسعار، من خلال تكليفه باستلام السلع الأساسية وبيعها بنسبة دعم قد تصل، إلى 40%.

ويعارض الرّعيض ذلك، وحذّر من إمكانية استغلال الأمر في المتاجرة الخارجية بالسلع المدعّمة، مذكِّراً ما كان يحصل سابقاً أثناء فترة دعم السلع، وما يجري حالياً مع الوقود الذي لايزال دعمه سارياً في ليبيا ويتم تهريبه لخارج البلاد عبر عصابات تمتهن التهريب. ويرى أن البديل الوقتي في صرف علاوة الزوجة والأبناء.
وكانت حكومة الوحدة قد أصدرت في أول مارس/ آذار الماضي تعليمات لوزارتي المالية والشؤون الاجتماعية بصرف منحة الأشهر التسعة الأولى من هذا العام كوسيلة لتخفيف الأحمال على المواطنين، الأمر الذي لم يتحقق حتى الآن، في ظل ترقّب لاحتمال صرف الأشهر الثلاثة الأولى هذا الأسبوع.

وتصرف الدولة الليبية منحة تقدّر بـ 150 دينارا شهريا للزوجة غير العاملة، و100 دينار للأولاد دون الثامنة عشرة، ومثلها للبنات قبل الزواج. وكانت الوزارة قد أصدرت قراراً بتحديد الحد الأعلى لأسعار السلع الغذائية حتى نهاية شهر رمضان. ويعارض مواطنون تحدثوا لـ"العربي الجديد" هذه التسعيرة، مستغربين مقاربتها لأسعار السوق الحالية.

المساهمون