وسط الحظر الاقتصادي والمالي الغربي المشدد على روسيا التي تخوض حرباً شرسة في أوكرانيا، تسعى موسكو لعرقلة إحياء الاتفاق النووي الإيراني الذي بات جاهزاً بعد مفاوضات طويلة بين القوى الغربية وإيران في فيينا، وبالتالي تريد موسكو منع تدفق الخامات النفطية الإيرانية إلى الأسواق العالمية.
وتعمل موسكو على أخذ الاتفاق النووي الإيراني رهينة في الحرب التي تخوضها في أوكرانيا ضد العقوبات الغربية. وتربط موسكو وهي جزء من مفاوضات " 5+1" مع إيران موافقتها على الاتفاق بشروط تجارية مع الولايات المتحدة. في هذا الشأن قال ممثل الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي، جوسيب بوريل، يوم الجمعة إن "نص الاتفاق النووي الإيراني بات جاهزاً، وهو على طاولة التوقيع في فيينا، ولكن تعليق المفاوضات حدث لأسباب خارجية".
وحذّرت ألمانيا وبريطانيا وفرنسا يوم السبت من أن التفاوض مع إيران بشأن إحياء الاتفاق النووي قد ينهار بسبب المطالب الروسية، وهو ما من شأنه أن "يحرم الشعب الإيراني من رفع العقوبات، والمجتمع الدولي من الضمانات المطلوبة المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني".
وحضت الدول الأوروبية الثلاث المنضوية في الاتفاق النووي الإيراني، على عدم "استغلال" المباحثات الهادفة لإحيائه، وذلك بعد توقفها بعد مطالب روسية من واشنطن على خلفية الأزمة الأوكرانية. وحسب مصادر إيرانية، "طالبت روسيا في اللحظات الأخيرة وبشكل غير متوقع بضمانات شاملة بعدم تأثر تجارتها مع إيران بالعقوبات المفروضة عليها بسبب غزوها أوكرانيا".
لكن لماذا تعرقل روسيا الاتفاق النووي؟ وفق محللين فإن روسيا تتخوف حتى قبل اندلاع الحرب على أوكرانيا من عودة الطاقة الإيرانية للسوق العالمي، لأنها من الناحية الاستراتيجية قد تهدد تقاربها مع الصين وتفقدها حصة من السوق الأوروبي، لكن في هذه اللحظات الحرجة من الحرب التي تخوضها في أوكرانيا حالياً، فإن دخول إيران للسوق يبدو خطراً عليها لأنه سيسهل على واشنطن توسيع الحظر النفطي ليشمل حلفاءها في أوروبا وآسيا إلى جانب بريطانيا التي حظرت النفط الروسي. مع مطالبتها بمهلة حتى نهاية العام.
وتأتي العرقلة الروسية للاتفاق النووي لعدة أسباب، أهمها حرمان الأسواق الغربية من الحصول على النفط الكافي حتى يتواصل ارتفاع أسعار الوقود وتتكبد الدول الغربية أكبر خسائر ممكنة من الحظر الاقتصادي والمالي عليها.
في هذا الصدد، يقول المحلل الإيراني بمركز "يورو آسيا للدراسات"، هنري روم، إن "حسابات روسيا قائمة على أساس أن توقيع صفقة الاتفاق النووي سيساهم في استقرار السوق النفطي"، وبالتالي ربما تتمكن عبر تعطيل الاتفاق من حرمان الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا من إجازة حظر كامل للنفط الروسي. وتستهدف واشنطن ضرب مداخيل النفط المهمة للخزينة الروسية في هذه الفترة الحرجة من الحملة العسكرية على أوكرانيا.
كما تتخوف روسيا من مخاطر عودة النفط الإيراني على حصتها في الأسواق الاستراتيجية بالنسبة لها، إذ سيأخذ النفط الإيراني حصة كبيرة من سوق الطاقة الصيني في الوقت الراهن. خاصة وأن لدى بكين اتفاقات ضخمة في مجال الطاقة مع إيران طويلة الأجل ولمدة 25 عاماً تقدر قيمتها بنحو 400 مليار دولار.
كما تمنح إيران شركات النفط الصينية حسومات سعرية مغرية ربما تجعلها تفضل النفط الإيراني على الروسي. وفي هذا الشأن يقول مسؤول غربي لصحيفة "بوليتيكو" الأميركية: إنّ أخذ روسيا الاتفاق النووي بأكمله رهينة وتهديد توقيعه عبر هذا الشرط سيهدد علاقات موسكو مع الصين.
على صعيد خفض الأسعار، فإن إطلاق الخامات النفطية الإيرانية في الأسواق العالمية سيقود تلقائياً إلى تهدئة المضاربات على الصفقات المستقبلية في أسواق الطاقة، وعادة تقود المضاربات ارتفاع الأسعار الفورية، لأن المضاربين سيشعرون بأن هنالك كميات من الامدادات النفطية قادمة إلى السوق، خاصة أن إيران قالت إنها قادرة على رفع انتاجها إلى 4 ملايين برميل في المستقبل، حسب تصريحات رسمية سابقة.
كما أن رفع الحظر على النفط الإيراني سيجعل من السهل على واشنطن وحلفائها في أوروبا الضغط على "أوبك"، خاصة على كل من السعودية والإمارات بالموافقة على ضخ الفائض الموجود لديهما في الإنتاج المقدر بنحو 3 ملايين برميل، إذ إن هنالك منافسة شرسة بين طهران وكل من الرياض وأبوظبي اللتين بحاجة ماسة للحماية الدفاعية والأمنية من واشنطن.
ويتلخص الاتفاق النووي الذي تمت الموافقة عليه وينتظر التوقيع على تطمين إيران للمجتمع الدولي أنها لن ترفع التخصيب الذري إلى المستوى الذي يمكنها من إنتاج قنبلة نووية مقابل رفع الحظر الاقتصادي عليها، بما في ذلك رفع الحظر على تصدير النفط.
وحسب التصريحات الإيرانية، فإن إيران قادرة على تصدير نحو مليوني برميل من النفط، كما أن لديها مخزونات عائمة وتحت الأرض تقدر بنحو 60 مليون برميل، وهو ما يعني أنها تستطيع تصدير مليوني برميل يومياً من النفط من هذه المخزونات ولمدة شهر كامل، إضافة إلى حجم صادراتها الحالية المقدرة بنحو 800 ألف برميل يومياً في يناير/ كانون الثاني وفقاً لبيانات وكالة الطاقة الدولية التي تقدر حجم الإنتاج الإيراني من النفط بنحو 2.5 مليون برميل يومياً.
وهو ما يعني، حسب الأرقام، أن إيران تستطيع عملياً ضخ نحو 2.8 مليون برميل يومياً في السوق النفطية التي تبدو متعطشة لمزيد من الخامات النفطية، خاصة مع قفزات الأسعار الأخيرة.
من جانبها ترى شركة "إنيرجي أسبكت" الأميركية للاستشارات، أن إيران قادرة على تصدير نحو ما يعادل نصف صادرات النفط الروسية الحالية للسوق العالمي. يذكر أن روسيا تنتج نحو 11.2 مليون برميل يومياً تصدر منها 7.5 ملايين برميل تقريباً من الخامات والمشتقات إلى السوق العالمي قبل حرب أوكرانيا. ولكن تجار النفط يرفضون شراء الخامات الروسية مما خفّض صادراتها بنحو 2.5 ملايين برميل يومياً.
وعلى الرغم من أن لدى إيران وروسيا مصالح مشتركة، ولكن لديهما كذلك تقاطعات في السوق النفطية، إذ إن كليهما يستهدف السوق الصيني والأوروبي، وبالتالي سيقلل نفط إيران من أهمية الطاقة الروسية المصدرة للصين. ومن الناحية السياسية، هنالك تضارب في المصالح بين الدولتين في سورية. وكانت موسكو تطمع في توقيع اتفاق للطاقة مع إيران يتضمن بناء قاعدة عسكرية في طهران، ولكن إيران رفضت ذلك. يضاف إلى ذلك أن توقيع الاتفاق ربما سيعني تحول طهران من عداوة واشنطن وتسوية علاقاتها معها في ملفات أخرى في المنطقة العربية تضر بخطط موسكو.