وصف بـ" صانع الملوك" رغم كون حزبه جاء في المركز الثالث في الانتخابات التشريعية التي جرت في ألمانيا في سبتمبر/ أيلول الماضي. فقد أدرك الجميع أنّ دور كريستيان ليندنر سيكون حاسماً في تشكيل التحالف الحكومي الجديد.
حصل له ولحزبه الليبرالي الديمقراطي على ما كان يطمح إليه، فقد أضحى وزيراً للمالية في الحكومة التي ستشرع في حكم ألمانيا بقيادة المستشار المقبل أولف شولتز. إنها الوزارة الأكثر قوة في الحكومات الألمانية، بل إنّ نفوذها يصل إلى خارج البلاد.
بعد إبرام اتفاق التحالف مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي وحزب الخضر، والذي جاء في وثيقة من 177 صفحة، صرح بأنّ "المفاوضات لم تكن سهلة"، مضيفاً أنّ الأحزاب الثلاثة لم تخفِ في الأعوام الأخيرة تباين وجهات نظرها. والتزم بالدفاع عن كبح الاستدانة، إذ رأى مراقبون أنه تمكن من إقناع الخضر والاشتراكيين الديمقراطيين بوجهة نظره.
ولد ليندر في عام 1979 بمنطقة رينانيا في غرب ألمانيا، ترعرع في كنف والدته المطلقة، والتحق بالحزب الليبرالي الديمقراطي في سن السادسة عشرة، وإلى جانب نشاطه السياسي، تمكن من إكمال دراسته الجامعية في العلوم السياسية، كما أصبح ضابطاً احتياطياً في سلاح الجو.
في عام 2009 أصبح ليندنر عضواً في البرلمان الألماني (الاتحادي)، وفي نفس العام أصبح الأمين العام للحزب الليبرالي. وفي سن الرابعة والثلاثين فقط، أصبح زعيماً لليبراليين بعد فشل الحزب لأول مرة في تخطي حاجز الـ5% الذي يمكنه من دخول البرلمان في عام 2013.
كذلك أسس شركة متخصصة في الاستشارات بالعلاقات العامة. غير أنّ تجربته في مجال الأعمال لم تكن ناجحة، فعاشق السيارات، ما لبث أن جعل من السياسة نشاطه الأول، إذ استطاع أن يحيي الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي تراجع في الساحة السياسية الألمانية، وهو ما تجلى في انتخابات 2013.
ويرى مراقبون أنّ هذا الوزير الأربعيني الذي يريد التصدي للإمعان في الإنفاق، يمكن أن يفرض رأيه على بقية دول أوروبا، كما حدث في السابق مع وزير المالية وولفغانغ شوبل مع اليونان في فترة أزمة الدين اليونانية.
ونقلت إذاعة فرنسا الدولية مؤخراً، عن خبير بكواليس المفوضية الأوروبية في بروكسيل، أن ليندنر يشكل موضوع انشغال لباريس، حيث يسود الاعتقاد بأنه من الصعب إقناعه بتبني مخطط إنعاش اقتصادي بالاتحاد الأوروبي. إذ يقارنونه بوزير المالية الألماني أولف شولتز، الذي تحمل مسؤولية المالية في حكومة أنجيلا ميركيل، والذي رغم حرصه على التوازنات المالية، لكنّه قبلَ في الصيف الماضي بمخطط إنعاش بقيمة 750 مليار يورو، الذي جرى تمويله عبر الدين والمساعدات.
وقد قال عنه صاحب جائزة نوبل في الاقتصاد، الأميركي جوزيف استغليتز في مقابل نشرته اليومية الواسعة الانتشار die Zeit، إنّه "يمثل خطراً مميتا لأوروبا، أفدح من روسيا".
لم يتردد ليندنر في إثارة مخاوف بلدان أوروبية، خاصة تلك الواقعة في جنوب القارة، فقد صرح قبل أيام بأنّ "ألمانيا يجب أن تضمن الاستقرار في مواجهة التضخم"، مشدداً على ضرورة التشبث بقواعد "ماستريخت"، التي تقضي بحصر العجز في الموازنة في 3%.
ففي السابع من فبراير/ شباط من عام 1992، في بلدة ماستريخت الهولندية القريبة من الحدود مع بلجيكا، وقعت اثنتا عشرة دولة عضوة في "المجموعة الاقتصادية الأوروبية" معاهدة "الاتحاد الأوروبي"، الذي بدأ في التوسع والتطور بعدها، إذ يُلزم قانون الاتحاد الأوروبي الحكومات بإبقاء العجز في ميزانياتها دون 3% من الناتج المحلي الإجمالي والدين العام دون 60% من الناتج المحلي الإجمالي لحماية استقرار عملة اليورو الموحدة التي تستخدمها 19 من دول التكتل وعددها 27 دولة.
فرنسا التي ستتولى رئاسة الاتحاد في الستة أشهر الأولى من العام المقبل قلقة رغم التصريحات المطمئنة التي يطلقها ليندنر، إذ اعتبر أنّ ألمانيا يجب أن تلعب دور الوسيط في النزاع بين بلدان مثل هولندا التي تدعو إلى نوع من الصرامة المالية وبين بلدان مثل إيطاليا التي تتطلع إلى قواعد مرنة.
ويبدو أن معارك وزير المالية لن تكون داخل الاتحاد الأوروبي فقط، إذ سيكون عليه معالجة ما قد يثور من خلافات مع روبيرت هايبيك الذي يتقاسم مع أنالينا بيربوك رئاسة حزب الخضر، الذي آلت إليه وزارة الاقتصاد والمناخ، والذي يدافع عن فكرة الإنفاق والاقتراض بهدف تسريع الانتقال إلى الطاقة النظيفة.