تأخر الإعلان الرسمي السعودي عن الانضمام إلى مجموعة "بريكس"، ما ألقى ظلالا من الشك حول موقف الرياض من المجموعة التي تضم دول الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا.
كما دعت المجموعة، في أغسطس/آب الماضي، عدداً من الدول للانضمام إليها، من بينها إيران ومصر والإمارات وإثيوبيا، فضلا عن الأرجنتين التي رفضت الانضمام وأخيرا السعودية التي لم تعلن موقفا واضحا حتى الآن.
ونقلت وكالة "رويترز"، في وقت سابق من الشهر الجاري، عن مصدر رسمي سعودي تأكيده أن الرياض "لا تزال تدرس" خيار انضمامها إلى هذا التحالف، الذي يهدف إلى تحدي هيمنة الاقتصادات الكبرى في العالم.
وعزا مراقبون التردد السعودي إلى تصاعد التوتر الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، في ظل قلق واشنطن من تنامي علاقات الرياض مع بكين، من دون إفادة رسمية من جانب الرياض.
وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، في مؤتمر صحافي عقده في موسكو في 15 فبراير/شباط الجاري: "ليس لدينا شك في الأمر.. في الأول من يناير/كانون الثاني الماضي، انضمت السعودية إلى بريكس".
وأكد المسؤول الروسي مكانة السعودية في بريكس، واستعداد بلاده لتزويد الرياض بالفرص الكاملة لتحقيق مصالحها في "بريكس"، لكن الرياض لم تعلن، رغم ذلك، الانضمام رسميا إلى المنظمة.
واعترف المسؤول الروسي بأن ممثلي المملكة لم يشاركوا في اجتماعات "بريكس" التي عقدت في موسكو في فبراير/شباط الجاري.
وفي ما بدا محاولة للرد على مخاوف سعودية من الانخراط في اصطفاف مع روسيا والصين ضد الغرب، صرح ريابكوف بأن "بريكس ليست نوعا من نظام البروتوكول المتبادل، بل هي رابطة من الأشخاص ذوي التفكير المماثل، حيث يعامل الجميع بعضهم بعضا باحترام".
وأضاف أنه "إذا كانت هذه الدولة أو تلك، لسبب ما، في حالة فهم إضافي لما يرتبط بالانضمام إلى المنظمة، فلدينا الاحترام الكامل لذلك"، وفقا لما أوردته وكالة "سبوتنيك" الروسية.
دراسة خيارات قبل حسم الانضمام إلى "بريكس"
ويرى الخبير في الاقتصاد السياسي عبد القادر سليماني أن "السعودية تدرس الخيارات المترتبة على انضمامها إلى بريكس في ظل العديد من المستجدات الجيوستراتيجية، وأهمها الحرب في أوكرانيا وغزة، وهجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وكذلك إمكانية إبرام معاهدة دفاع مشترك مع الولايات المتحدة الأميركية وفرص تطبيع العلاقات مع إسرائيل وفقا للشروط السعودية المعلنة وأهمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية".
وأوضح سليماني أن "العوامل سالفة الذكر تتدخل بشكل مباشر في إمكانية انضمام السعودية إلى بريكس رغم أن التلفزيون السعودي أورد انضمام المملكة رسميا إلى المجموعة ثم عاد لتكذيب الأمر، في مقابل تصريحات من بعض دول المجموعة، مثل جنوب أفريقيا وروسيا، التي لديها رغبة قوية في انضمام أكبر مصدر للبترول في العالم إلى المجموعة".
ويقرأ سليماني هذا التضارب باعتباره "شدا وجذبا بين المعسكرين، الأول تقوده الصين وروسيا، والثاني تقوده الولايات المتحدة والدول الغربية، بينما تتموقع السعودية اليوم في الوسط بينهما".
ومن الجانب الاقتصادي، يشير سليماني إلى أن "السعودية تنظر إلى بريكس كسوق واعدة وتريد الاستثمار بقوة في دول المجموعة والاستفادة من البنوك التابعة لها من أجل تمويل مشاريع رؤية ولي عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان، المعروفة باسم السعودية 2030، التي تحتاج تمويلات من هذه البنوك، خاصة تلك التي تستثمر في البنى التحتية".
ونوه بأن "السعودية لا تريد أن تبقى رهينة تمويل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إذ يفرض كل منهما شروطا كبيرة، خاصة في ما يخص العملة، بعكس البنوك الآسيوية مثلا، التي لا تشترط هذه الشروط التعجيزية في تمويل مشروعات البنى التحتية".
ومن بين أهم المزايا الاقتصادية للانضمام إلى بريكس، بحسب سليماني: "إمكانية التعامل بالريال السعودي، خصوصا في تصدير البترول والمواد النفطية إلى الصين والهند وباقي دول المجموعة".
وتشكل مساحة دول التحالف، قبل انضمام الأعضاء الجدد، ربع مساحة اليابسة، ويقترب عدد سكانه من 40% من سكان الأرض، ومن المتوقع أن تمثل إضافة الأعضاء الجدد ثقلاً حقيقياً، بسبب حجم النشاط، والمساحة، وعدد السكان، في الدول المدعوة للتحالف.
ولذا يخلص سليماني إلى أن "عوائق دخول السعودية إلى بريكس سياسية، إذ إنها مستفيدة اقتصاديا وماليا من الانضمام إلى المجموعة بشكل كبير".
ويتوقع سليماني "تأجيل دخول المملكة إلى بريكس إلى نهاية عام 2024 على الأقل، انتظارا لوضوح الرؤية بشأن المؤثرات الجيوستراتيجية من جانب، وظهور نتائج انتخابات الرئاسية الأميركية من جانب آخر".
انتظار اللحظة المناسبة للانضمام إلى "بريكس"
وفي السياق، يشير أستاذ الاقتصاد في جامعة نيس الفرنسية آلان صفا، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن "التأخر السعودي في إعلان الانضمام إلى بريكس يعود إلى سياسة المملكة خلال السنوات الأخيرة، وتحديدا من عام 2021 حتى الآن، والتي تمثلت في محاولة إقامة علاقات جيدة مع كل الفرقاء الإقليميين، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي وإيران وتركيا".
ويوضح صفا أن "السعودية اتجهت إلى تحسين العلاقات مع أعداء الأمس بعد فترة من التقلبات في العلاقات الدبلوماسية، وهي لا تريد الآن الانضمام إلى تكتل محسوب على أطراف دولية محسوبة ضد أطراف أخرى".
وأشار إلى أنه "عندما تنضم المملكة إلى تكتل ما، فهذا يعني أنها أصبحت في موقع عداء أو صراع مع تكتل آخر، خاصة إذا كانت أهداف هذا التكتل تنطوي على استهداف مواجهة أطراف أخرى، وهذا ما لا تريده السعودية حاليا".
وقال صفا إن "السعودية تفتش فقط عن مصلحتها الوطنية الاقتصادية والسياسية، التي تقتضي أخذ خطوات تجعلها صديقة لطرف من دون أن تكون عدوا لطرف آخر".
ولفت الخبير في الاقتصاد الدولي، في هذا الصدد، إلى أن "السعودية لها علاقات وطيدة مع الغرب بشكل عام، ومع الولايات المتحدة بشكل خاص، وخطوة الانضمام إلى بريكس تعني الاقتراب خطوة نحو الصين".
وأكد أن "التأخر في إعلان الانضمام إلى التكتل ناتج عن حالة التشنج السياسي والعسكري الدائرة في العلاقات الدولية مؤخرا، وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط، بعد اندلاع الحرب في غزة".
وأشار صفا إلى أنه "من هذا المنطلق، تمكن قراءة تأخر خطوات سعودية أخرى، منها التقارب الاقتصادي مع إسرائيل، انتظارا لإنهاء الصراع في منطقة الشرق الأوسط، ما يوفر الفرصة المناسبة لإعلان مواقف رسمية مناسبة لا تؤثر سلبا على العلاقات بين السعودية والغرب".
وقال الرئيس التنفيذي لشركة شبكة الشاحنات (Trucknet Enterprise Ltd) الإسرائيلية حنان فريدمان، في وقت سابق من الشهر الجاري، إن شركته تقوم بإرسال البضائع، بما في ذلك المواد الغذائية والبلاستيكية والمواد الكيميائية والكهربائية، من الموانئ في الإمارات والبحرين عبر السعودية والأردن إلى إسرائيل ثم إلى أوروبا.
ووصف صفا الوضع الراهن للمملكة بأنه "انتظار للحظة المناسبة في بورصة صناعة القرار، وهو ما تضعه المملكة في الاعتبار بميزان حساس".