حددت وزارة المالية اللبنانية المعدل الوسطي لسعر الصرف عند 10.083 آلاف ليرة لبنانية للدولار الواحد في مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2022.
وشددت على ضرورة اعتماد سعر صرف "واقعي" في تقدير أرقام الموازنة، معتبرة إياه "التحدي الأكبر"، موضحة أنّ "عملية تقدير الإيرادات والنفقات بالتزامن مع أسعار صرف فعلية تساهم في إنجاز موازنة واقعية ولكن غير تضخمية".
ويشهد لبنان منذ عام 2019 انهياراً اقتصادياً غير مسبوق، صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن الماضي، ويترافق مع شلل سياسي يحول دون اتخاذ خطوات إصلاحية تحدّ من التدهور، وتحسّن من نوعية حياة السكان الذين بات أكثر من 50% منهم تحت خط الفقر، وفق البيانات الرسمية. ويشترط المجتمع الدولي تطبيق إصلاحات بنيوية مقابل توفير الدعم المالي.
وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار، منذ 2019، وأكبر المتضررين من ذلك القوى العاملة التي تتقاضى رواتبها بالليرة ونسبتها تصل إلى 95%.
فقدت العملة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار، منذ 2019، وأكبر المتضررين من ذلك القوى العاملة
ونشرت وزارة المالية اللبنانية، اليوم الأربعاء، تقريراً حول مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2022 الذي يدرسه مجلس الوزراء في جلسات متتالية قبل إقراره وإحالته إلى مجلس النواب.
وأشارت إلى أنّ الواردات المرتقبة لعام 2022 تعتمد معدل نمو 3% ومعامل انكماش 90%، وترتكز على الواردات الفعلية المحصلة خلال النصف الأول من عام 2021.
وأعلنت أنّ العجز المرتقب في مشروع موازنة 2022 يشكّل ما يقارب 2.3% من الناتج المحلي، مقارنة مع 1.1% من العجز الفعلي المقدر لعام 2021، وعجز 3.73% من الناتج المحلي المحقق لعام 2020.
أما في ما خصّ الميزان الأولي فهو مقدر بعجز يشكّل 0.6% من الناتج المحلي، مقارنة مع 0.3% فائضا فعليا مقدرا لعام 2021، و0.9% عجزا محققا عام 2020.
كما تعكس الواردات المرتقبة، بحسب الوزارة، "تصحيح سياسات ضريبية تزامناً مع أسعار صرف فعلي، ولا سيما تطبيق الدولار الجمركي بغية إعادة تقييم الاستيراد واستيفاء الرسوم الجمركية، وذلك بهدف الحد من التهرب الضريبي ولجم القطاع غير الشرعي وتأمين موارد للخزينة".
وتعهدت "العمل على تطبيق تصحيح استيفاء رسم الطابع المالي والرسوم العقارية والرسوم الإدارية على القيم المقدرة بحسب أسعار صرف فعلية".
ويلخص الباحث في الشؤون المالية والاقتصادية البروفسور مارون خاطر مشروع قانون الموازنة لعام 2022 بأنه "مخيب لآمال اللبنانيين ولا يعطي آفاقاً جديدة للاقتصاد. فهو يفرض ضرائب مقنّعة ولا يأتي على ذكر الإصلاحات ولا الإنفاق الاستثماري، ولا على كيفية التعامل مع الدين العام والبحث في طرق معالجته".
رغم تقلص حجم الاقتصاد اللبناني من 55 مليار دولار عام 2019، إلى أقلّ من 20 مليار دولار عام 2021، لم تشر الموازنة إلى ترشيق القطاع العام المُتخم وغير المنتج
ويشرح خاطر لـ"العربي الجديد" أن "اللبنانيين كانوا ينتظرون إقرار إصلاحات في الموازنة تشكل نقطة البداية من أجل النهوض بالبلد من الكارثة التي يعيش فيها، وإذ بها تأتي خالية من أي بنود إصلاحية حقيقية تساعد لبنان على الخروج من كبوته. فعلى سبيل المثال وبالرغم من تقلص حجم الاقتصاد اللبناني من 55 مليار دولار قبل الأزمة، أي عام 2019، إلى أقلّ من 20 مليار دولار عام 2021، لم تشر الموازنة إلى ترشيق القطاع العام المُتخم وغير المنتج".
ويضيف "تضاعفت النفقات في مشروع الموازنة ثلاث مرّات، وكذلك الإيرادات عبر فرض زيادة على الرسوم بشكل جنوني، ومن خلال زيادة مقنّعة للضرائب تحت ستار عدم تحديد سعر للصرف. بالتالي أتت الموازنة ضريبية بامتياز إن لم تكن عبر زيادة معلنة للضرائب المباشرة أو غير المباشرة فعبر الرسوم".
ويلفت الباحث في الشؤون المالية والاقتصادية إلى أنه "يمكن الحكم على مشروع الموازنة بالمقارنة البسيطة مع ما تَضَمَّنَه تقرير البنك الدولي الأخير الذي صدر تحت عنوان "الإنكار الكبير" الذي يشدد على الإصلاحات الضرورية للنهوض بالاقتصاد، والتي لم تأتِ الموازنة على ذكر أي منها".
من الواضح أن انعدام الاستقرار السياسي والعودة المشروطة إلى مجلس الوزراء يرخيان بظلالهما على عدم الاستقرار الاقتصادي والمالي، ويمنعان إقرار موازنة تكون على قدر التطلعات
ويشير التقرير إلى ضرورة وضع إطار لخطة نقطية تؤمن الاستقرار النقدي، ووضع سياسة لإعادة هيكلة الدين العام وإعادة هيكلة النظام الضرائبي اللبناني وإعادة هيكلة القطاع المالي للذهاب إلى زيادة ملاءة المصارف، وكذلك إلى إصلاحات تساعد على النمو الاقتصادي. عدا عن ذكر التقرير نظام الحماية الاجتماعية، ونقاطا كثيرة كنا ننتظرها في موازنة لبنان العام 2022 فلم نجد سوى ضرائب وكلام كثير".
ويرى خاطر أن "الموازنة تأتي على سبيل الامتثال الشكلي لما يطلبه صندوق النقد الدولي من شروط، حتى أنها لم تشكل جزءاً من خطة التعافي الاقتصادي، ومن الواضح أن انعدام الاستقرار السياسي والعودة المشروطة إلى مجلس الوزراء يرخيان بظلالهما على عدم الاستقرار الاقتصادي والمالي، ويمنعان إقرار موازنة تكون على قدر التطلعات للنهوض بالبلاد ومواجهة التحديات".
في المقابل، يلفت خاطر إلى أن "هناك استحالة لتطبيق ما يطلبه صندوق النقد من إصلاحات في ظل غياب التضامن الحكومي. مثلاً توحيد سعر الصرف يتطلب ضبط التهريب ولجم السوق السوداء ومعرفة حد التعاملات بالدولار، وكل ذلك يستدعي السير بتعيينات معينة لن تقرّ في ظلّ الشروط المسبقة التي يفرضها الفرقاء المعطلون على جدول أعمال جلسات مجلس الوزراء".
في سياق آخر، يشير خاطر إلى أن "الموازنة لم تتضمن زيادة للرواتب والأجور، بل مساعدات للقطاع العام، ورغم ذلك لحظت زيادة نفقات للدولة 3 مرات وهي قادرة بالشكل المطروح على إحداث أزمة اجتماعية كبيرة".
المشكلة تكمن في طريقة تكوين إيرادات الدولة التي لا تستند على سعر صرف محدد، وتقوم على زيادة جنونية بالرسوم والضرائب وزيادة على الدولار الجمركي
ويلفت خاطر إلى أن "المشكلة تكمن في طريقة تكوين إيرادات الدولة التي لا تستند على سعر صرف محدد، وتقوم على زيادة جنونية بالرسوم والضرائب وزيادة على الدولار الجمركي الذي يطبق بحسب السعر الواقعي للدولار، بالإضافة إلى فرض بعض الرسوم مثل 3% و10% على الاستيراد".
في هذا الإطار يشدد البروفسور خاطر على أن "زيادة الإيرادات عبر فرض رسوم وضرائب جديدة في ظل الأزمة الخانقة سيؤدي إلى انخفاض الاستهلاك، وبالتالي إلى غياب مصادر التمويل. من هنا قد يشكل الدولار الجمركي مصدر إيرادات دفتريا للدولة، بينما تطبيقه على أرض الواقع في صلب الأزمة الراهنة لن يفضي إلى نتيجة".
من جهة ثانية، إن فرض الضرائب والرسوم سيكون مرة جديدة استنسابياً، باعتبار أن هناك قسماً كبيراً من المواطنين لا يلتزمون الدفع، وهؤلاء لن يتأثروا بعكس الذين يحترمون تطبيق القانون، والذين سيتكبدون أعباء إضافية في مشهد يشبه إلى حد ما من هرب أمواله للخارج ومن طبق عليه كابيتال كونترول استنسابي، يقول خاطر.
وترأس رئيس الوزراء نجيب ميقاتي الأربعاء جلسة في السراي الحكومي استكمل فيها البحث في مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2022.
وقال ميقاتي "يتم ترداد أن مشروع الموازنة هو استجابة لطلب صندوق النقد الدولي، وقد جرى التأكيد أن هذه الموازنة هي من صنع لبنان ولا علاقة للصندوق بأي من مندرجاتها، فالاهتمام الأول للحكومة في هذا الوضع الاستثنائي هو تكريس أسس العدالة الضريبية وهذا ما يهدف إليه مشروع الموازنة التي تأخذ بعين الاعتبار التوازن بين التشجيع الاستثماري وتأمين الموارد بما لا يرهق المواطنين".
وقال وزير التربية والتعليم العالي ووزير الإعلام بالوكالة عباس الحلبي بعد الجلسة إن "وزير المال طلب إلغاء المادة 109 بعدما جرى التداول به بشأن إعطائه ومنحه صلاحيات تشريعية، واعتبر أن الافضل أن تكون تلك من صلاحية مجلس الوزراء من خلال تقديم اقتراح إلى المجلس النيابي".
ورداً على سؤال عن تغيير سعر الدولار الجمركي، أجاب الحلبي "نحن لا نزال في سياق البحث، وعندما ينتهي مشروع الموازنة ستعلمون كل شيء".
وعن التغيير في سعر الصرف بالنسبة إلى الموازنة قال "لم يُبت بعد بهذا الأمر، هناك تعدد في أسعار الصرف يجعلنا نتأنى ببعض القضايا إلى أن نتوصل في نهاية إقرار الموازنة إلى تحديد السعر الذي سيعتمد ووفق أي معيار".