استمع إلى الملخص
- رغم ارتفاع الأسعار مقارنة بمناطق أخرى، يقتصر النازحون على شراء الضروريات بسبب محدودية الأموال، مما يعكس الوضع الاقتصادي الصعب.
- أكد المسؤولون توفر المواد الغذائية رغم زيادة الطلب، مع اعتماد بعض النازحين على المساعدات الإنسانية، ووجود مبادرات لفتح المنازل مجاناً رغم محاولات رفع الأسعار.
أحدث النزوح من المناطق الجنوبية والبقاعية وفي ضاحية بيروت حركة في بعض المناطق المضيفة، ولا سيما في طرابلس شمالي لبنان التي استقبلت أكثر من 10 آلاف نازح منذ بدء العدوان الإسرائيلي الموسَّع على الأراضي اللبنانية في 23 سبتمبر/أيلول الماضي، إذ شهدت الأسواق والمقاهي والمتاجر حركة ملحوظة نسبياً في ظلّ تكاثر أعداد السكّان.
ووصل عدد النازحين من المناطق الجنوبية والبقاع وبعلبك الهرمل والضاحية الجنوبية في بيروت منذ بدء الحرب في 8 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي وتوسعها إلى نحو مليون و400 ألف نازح، قصدوا غالبيتهم مناطق آمنة سواء في المتن أو كسروان أو الشمال.
وشهدت عاصمة الشمال طرابلس حركة لافتة نسبياً في ظلّ كثافة النزوح، سواء على صعيد الإيجارات أو الإقبال على شراء المواد الغذائية والأساسية للعيش أو لناحية شراء الألبسة، ولا سيما الشتوية باعتبار أنّ العائلات غادرت منازلها على وقع القصف العنيف ولم تتمكن من إخراج حاجياتها وأغراضها باستثناء بعض الأموال التي أخذتها بسرعة نظراً إلى الغارات المكثَّفة أو تهديدات العدو للسكان بإخلاء منازلهم بشكلٍ عاجلٍ باعتبارها عرضة للضرب.
تقول "أم علي" وهي نازحة من بلدة جويا في قضاء صور جنوبي لبنان لـ"العربي الجديد"، إنها "قصدت طرابلس حيث استأجرت شقة سكنية صغيرة مع عائلتها بعدما طاولت الغارات أمكنة قريبة من سكنها، فاضطرت إلى المغادرة حفاظاً على حياة أولادها، علماً أنها صمدت 11 شهراً منذ بدء الحرب على الجبهة الحدودية، لكن وصول القصف إليهم أرغمها على الرحيل، فكان الشمال وجهتها باعتبارها آمنة نسبياً وبعيداً عن دائرة المواجهات".
ولفتت إلى أن أسعار الإيجارات كانت مرتفعة بعض الشيء و"لكن مضطرون على دفع المبالغ التي تُطلب لأن لا مكان آخر لديهم أو وقت للبحث عن منازل أخرى".
وتشير أم علي إلى أنها غادرت المنزل من دون أن تأخذ معها أي شيء، فقط سارعت إلى أخذ بعض الذهب الموجود لديها والأموال والأوراق الثبوتية، ولم تتمكن من إحضار كل أغراضها خصوصاً الألبسة الشتوية، لذلك اضطرت عند وصولها إلى طرابلس أن تنزل إلى السوق وتشتري ما يلزم من ألبسة بعدما تغيّر الطقس وباتت الأجواء باردة جداً.
النازحون يقبلون على الألبسة والأغذية
من جانبه، يقول صاحب محل تجاري في شارع عزمي في طرابلس لـ"العربي الجديد"، إنّ هناك إقبالاً لناحية شراء الألبسة خصوصاً الشتوية، لكن ليس الإقبال الكبير، مشيراً إلى أن الناس التي نزحت وبصعوبة تمكنت من إخراج أمتعتها وبعض الأموال التي بحوزتها، لكن الأسعار في طرابلس تختلف عن أسعار بيروت أو المتن أو كسروان أي إنها قريبة إلى أصحاب الدخل المحدود وحتى الفقراء، من هنا نرى أنّ الناس قادرة على شراء بعض الحاجيات الأساسية التي تريدها لهذه الفترة.
ويشير صاحب المتجر إلى أنّ "الحركة خفّت كثيراً منذ بدء الحرب، ولكن النزوح انعكس إيجاباً بعض الشيء، ولا سيما أن هناك تخفيضات على الأسعار، لكن هذا لا يعني أننا تمكنّا من جني الأرباح، فطالما أن البلد ليس بخير، نحن أيضاً لن نكون بخير".
كذلك، يقول صاحب سوبرماركت يعدّ من كبرى السوبرماركات في محيط "الضم والفرز" في طرابلس لـ"العربي الجديد"، إننا "شهدنا إقبالاً كبيراً على شراء المواد الغذائية ولا سيما الأساسية منها، مثل الأرز، والحليب والطحين والخبز، وبعض الخضراوات، خصوصاً أنّ أعداد السكان ارتفعت، وهذا سينعكس بشكل ما على الإقبال، ولكن الناس تشتري فقط ما تحتاج إليه، إذ لم نلمس هذا التخزين الكبير فالنازحون لا يمكنهم شراء أكثر مما يحتاجون إليه باعتبار أنهم لا يعرفون الفترة التي سيبقون فيها، كما أنّ الأموال التي أتوا بها لا تكاد تكفيهم".
وشهدت بعض المطاعم في منطقة الضم والفرز حركة لافتة نسبياً إذ يقصد بعض المواطنين هذه الأماكن للترفيه، تماماً كحال الأسواق الشعبية في باب التبانة وسوق الخضار في المنطقة نفسها والميناء حيث هناك عدد كبير من النازحين.
توافر السلع في أسواق طرابلس
في الإطار، يقول رئيس غرفة التجارة في طرابلس ولبنان الشمالي توفيق دبوسي لـ"العربي الجديد" إنّ "عدد النازحين ورغم أنه يصل إلى 10 آلاف نازح لا يعد كبيراً مقارنة مع عدد سكان طرابلس حيث هناك نحو مليون شخص، ومن ثم لن يحدث هذا الفرق الكبير، خصوصاً في الظروف الراهنة، فالناس تعيش على أعصابها، وليس لدينا تقارير بحصول حركة غير عادية في الأسواق، والأمر نفسه بالنسبة إلى المواد الغذائية".
ويطمئن دبوسي إلى أن المواد الغذائية متوفرة بشكل طبيعي ولا مشكلة في هذا الإطار، وكل المواد تؤمن سواء محلية أو مستوردة ولا نقص سجّل حتى الساعة، ولا استغلال مرصود، خصوصاً أن الناس تعتبر النازحين ضيوفاً وجزءاً من أهلهم الذين غادروا قسراً مرغمين على ذلك بفعل العدوان.
ويشير دبوسي إلى أن لا تقارير لدينا في ما يخص الإيجارات، فمعظمها لا تكون معلنة رسمياً، ولا سيما أن غالبيتها تكون عرضة للتجديد ولا عقود بشأنها، لافتاً إلى أن الوضع الاقتصادي حتماً صعب في الشمال، نحن نتحدث عن حرب تطاول كل لبنان، صحيح أن الشمال بعيد، لكن أحياناً يطاوله القصف الإسرائيلي وسبق أن حصل في زغرتا ومن ثم الناس دائماً تعيش أجواء رعب.
ويلفت دبوسي إلى أنه حتى الساعة المرافئ كلها تعمل بشكل طبيعي، فالوضع في الشمال مختلف عن البقاع حيث تم قصف المعابر، ولا مشكلة لحد اليوم على صعيد المواد الأساسية ولا تعرّض للشاحنات التي تنقل البضائع.
ويشير دبوسي أيضاً إلى أن ظروف النازحين الاقتصادية صعبة ومن ثم يقتصر شراؤهم على الحاجيات الضرورية والأساسية، خصوصاً من قبل الفئات المقتدرة، والتي تمكنت من إخراج أموالها، لكن هناك نازحون في مراكز الإيواء يعتمدون على المساعدات والمبادرات سواء الفردية أو الأممية والدولية.
لبنان وتجربة النزوح السوري
من جانبه، يقول رئيس جميعة المستهلك زهير برو لـ"العربي الجديد"، "لا معلومات دقيقة لدينا عن الوضع، لكن من الطبيعي عندما تحصل كثافة سكانية أعلى في مناطق النزوح أن نلمس ارتفاعاً في الاستهلاك، في المقابل يسجل انخفاضٌ في الاستهلاك بالمناطق التي تشهد قصفاً سواء في الجنوب أو البقاع أو الضاحية الجنوبية لبيروت حيث التهجير الواسع".
ويضيف: "من الطبيعي أن نشهد زيادة على الطلب في مناطق النزوح، خصوصاً على صعيد المواد الأساسية وذات الاستهلاك اليومي"، مشيراً إلى أننا "اليوم في حرب، هناك قسم من البلد يعيشها بالكامل، وهناك قسم متوفرة لديه المواد بظروف مختلفة، خصوصاً تلك التي تعدّ غير عرضة للقصف، بالتالي من الطبيعي أن نشهد تراجعاً في المناطق حيث الغارات اليومية وإقبالاً على صعيد تلك التي تشهد نزوحاً".
ويشير برو إلى أن "الشمال كان له تجربة عند النزوح السوري في ظلّ الحرب السورية، وسُجّل تمركز أكبر في عكار أولاً وثانياً في طرابلس، والشمال ليس صغيراً، وقد يُعدّ رقم 10 آلاف نازح غير كبير"، لافتاً إلى أنه حتى الساعة لا أزمة على صعيد المواد الغذائية ولا انقطاع أو نقصان".
ويضيف: "حتى في أسوأ الظروف لم نشهد انقطاعاً، ولا سيما أن في هذه المرحلة لم نشهد أي حصار حقيقي كما حصل في حرب يوليو/تموز 2006".
ويلفت برو إلى أنه من الطبيعي أن هناك تجاراً يحاولون الاستفادة من الحرب ويعمدون إلى رفع الأسعار ولا سيما الإيجارات، والمواد الغذائية مستغلين غياب الرقابة والدولة، لكن في المقابل لا بدّ من التوقف عند أشخاص كثيرين فتحوا منازلهم مجاناً للنازحين ولم يعمدوا إلى استغلال الوضع بتاتاً.