استمع إلى الملخص
- **التكتم على مجريات التحقيق وضغوطات سياسية:** هناك تكتّم شديد على مجريات التحقيق مع ضغوطات كبيرة على القضاة، وسلامة محتجز في سجن خاص بالشخصيات الأمنية والسياسية.
- **ردود الفعل والتطورات القانونية:** انشغل الشارع اللبناني بخبر توقيف سلامة، والقاضية غادة عون عيّنت موعداً لاستجوابه، مؤكدة على أهمية استعادة الأموال المنهوبة.
يستمرّ توقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة في سجن تابع لمديرية قوى الأمن الداخلي حتى موعد استجوابه الذي حُدِّد يوم الاثنين المقبل أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت بلال حلاوي، بحيث سيُساق مخفوراً إليه، فيما يبقى الترقّب سيّد المشهد للقرار القضائي الذي سيصدر، سواء تركه رهن التحقيق أو إصدار مذكرة توقيف وجاهية بحقه.
وأمس الخميس، ادعت هيئة القضايا في وزارة العدل اللبنانية، ممثلة برئيستها القاضية هيلانة إسكندر على رياض سلامة وكلّ من يظهره التحقيق، وذلك تبعاً لادعاء النيابة العامة المالية عليه بجرائم الاختلاس وسرقة أموال عامة والتزوير والإثراء غير المشروع.
وقال مصدرٌ قضائيٌّ لـ"العربي الجديد"، إنّ "هناك تكتماً شديداً على مجريات التحقيق مع رياض سلامة حتى أنّ أحد القضاة أقفل هاتفه لتفادي الأسئلة الإعلامية حول القضية، بالرغم من بعض التسريبات التي تحصل في أروقة العدلية، والتي تأتي متناقضة وغير دقيقة"، لافتاً إلى أنّ "القضية حتماً حسّاسة وهناك ضغوطات كبيرة على القضاة الذين يصرّون على متابعة عملهم باستقلالية، لكن تدخلات سياسية تحصل للحؤول دون إصدار مذكرة توقيف وجاهية بحق سلامة".
وأشار المصدر إلى أنّ "القاضي حلاوي مصمّمٌ على إجراء تحقيقاته باستقلالية، وسيستدعي كلّ الذين يشتبه بتورطهم في الملف إلى جانب سلامة، وبالتالي الاستجواب لن يقتصر على حاكم البنك المركزي، والقضية لا يسهل التملّص منها كما حصل سابقاً، إذ هناك مستندات قوية بيد القضاء". ولفت إلى أنّ "سلامة سيبقى محتجزاً حتى يوم الاثنين، وهو موضوعٌ في سجن عادة يتم فيه توقيف شخصيات أمنية أو سياسية أو بقضايا حسّاسة، وذلك بهدف حمايتها"، مشيراً إلى أنّ "الغرفة الموقوف فيها رياض سلامة تحتوي على حمّام ومكيّف، وبرّاد، وتلفزيون، وهاتف داخلي أرضي".
وانشغل الشارع اللبناني منذ يوم الثلاثاء الماضي بخبر توقيف سلامة على ذمة التحقيق من قبل النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار في قضايا اختلاس أموال بقيمة تفوق 40 مليون دولار. وأتت خطوة توقيف سلامة مفاجئة بالنسبة إليه، إذ حضر الجلسة من دون محامٍ، ولم يكن يتوقع هذا السيناريو وهو الذي كان تمرّد أكثر من مرّة على القضاء وكان مثوله دائماً مرتبطاً بضماناتٍ سياسية بمغادرته قصر العدل حرّاً، خصوصاً لما في جعبته من أسرار المنظومة والشخصيات الكبرى المالية والوجوه المعروفة، إذ يلقب بـ"الصندوق الأسود للدولة اللبنانية".
وتركز التحقيق مع رياض سلامة على الصفقات التي حصلت بين شركة "أوبتيموم" الوارد اسمها في التدقيق الجنائي، والبنك المركزي لناحية عمليات شراء وبيع سندات خزينة، وقد أظهر تقرير التدقيق وجود حساب العمولات لدى مصرف لبنان الذي يظهر فيه تحويل مبلغ 111.3 مليون دولار إلى حسابات مصرفية مفتوحة لدى ستّة بنوك وحساب مصرفي سويسري، وقد جرت تغذية هذا الحساب من العمولات على الهندسات المالية في الفترة بين 2015 و2020.
في الإطار، تقول الباحثة في القانون الدولي والجرائم المالية والاقتصادية محاسن مرسل لـ"العربي الجديد"، إنّ "حاكم البنك المركزي بالإنابة وسيم منصوري منذ تسلمه منصبه سلّم جميع الداتا التي امتنع سلامة عن تسليمها لشركة التدقيق الفاريز أند مارسال إلى النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، القاضية غادة عون، التي انطلقت تحقيقاتها منها، وكذلك إلى القاضي الحجار".
وتشير مرسل إلى أنّ الداتا مرتبطة بالحسابات الاستشارية التي هي اليوم الجرائم موضوع القضية الموقوف بها سلامة، وآخر ما توصلت إليه هيئة التحقيق الخاصة التي يرأسها منصوري، حول أنّ هناك حساباً بقيمة 42 مليون دولار أميركي شهد تحويلات مالية بين محامٍ من عائلة "الخوري" (تربطه صلة قرابة بسلامة والوكيل القانوني لشقيقه رجا)، ومحامٍ من بيت "تويني"، حُولّت بعدها إلى حساب سلامة، ومثل هذا النوع من الحسابات يشكل شبهات بحصول عمليات تبييض أموال، من هنا أودعت هذه المستندات القاضي الحجار وعمل على توقيفه تبعاً لها.
وترى مرسل أن الملف مفتوح على جميع الاحتمالات، وفي حال حصول تدخلات سياسية فذلك سيشكل فضيحة كبرى أمام المجتمع الدولي الذي بطبيعة الحال يتابع القضية وما يحصل في لبنان.
القاضية عون عيّنت الأربعاء موعداً لاستجواب رياض سلامة
واليوم الجمعة، كتبت المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر منصة "إكس": "صباح الأحبة. صباح الأوادم. صباح الذين يناضلون من أجل استعادة الأموال المنهوبة للشعب اللبناني. أعود وأكرر أن ملف "أوبتيموم" قد فتح في النيابة العامة في جبل لبنان منذ تاريخ صدور تقرير هيئة الأسواق المالية، أي منذ حوالي السنتين، وتأسس أيضا بناء على الإخبار الوارد من تقرير ألفاريز. وفي سبتمبر/ أيلول من العام 2023، تقدم نائب هو إلياس جرادي ونحو 10 محامين بشكوى أمامي اتخذوا فيها صفة الادعاء الشخصي في وجه سلامة وآخرين. وبالتالي شو عدا ما بدا الآن"! ولماذا هذه الاستفاقة؟".
وأضافت: "في مطلق الأحوال لنكن إيجابيين. من المؤكد أنني فوجئت، لكن فرحت أيضًا بتوقيف الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة، بعدما كنت قد ادعيت عليه مرارًا في ملفات كبيرة، وأصدرت عشرات المذكرات للأجهزة الأمنية لإحضاره من دون جدوى. والسؤال يبقى لماذا الآن بعدما تقدم التحقيق عندي أشواطًا؟ أنا قاضية وأعمل بالقانون وأحذر الجميع من أنه لا أحد يحق له قانونًا أن يسحب أي ملف منّي بحجة فتحه بالوقائع نفسها الآن وتحويله إلى مكان آخر".
وانتهت إلى القول: "هذا ملف فيه حقوق شخصية ومدعون متضررون، وأنا وضعت يدي عليه أصولًا. وقد عيّنت نهار الأربعاء 11 سبتمبر/ أيلول موعدًا لاستجواب سلامة في هذا الملف وغيره، وهو موجود الآن في نظارة قصر العدل ويجب إحضاره. وأُحمّل المسؤولية أولًا هنا لمدعي عام التمييز في حال عدم إحضاره. وللكلام تتمة. وعلى قدّ ما يكون الواحد ساذجًا، من الصعب تمرير أمور كهذه".
مكتب رياض سلامة الإعلامي "يوضح"
في الإطار، أصدر المكتب الإعلامي لسلامة، اليوم الجمعة، بياناً أوضح فيه أنّ "المادة 53 من قانون أصول المحاكمات الجزائية تفرض موجب سرية التحقيق وتعاقب كل من يفشي أية معلومة عن التحقيق بعقوبة الحبس لمدة سنة إضافة إلى الغرامة"، مشيراً إلى أنّ "الدفاع عن الحاكم السابق لمصرف لبنان ملتزم هذه المادة ويتمنى التزام الجميع بها حفاظاً على موضوعية التحقيق".
وأضاف البيان أن "سلامة قبل وبعد انتهائه من مهامه الرسمية تعاون بكل موضوعية في أكثر من 20 ملاحقة جزائية في بيروت وجبل لبنان، طالما أن تلك الملاحقات التزمت قانون أصول المحاكمات الجزائية وبموضوعية وحيادية الجهات المسؤولة عنها، وهو مستمرٌ بهذا التعاون بعد احتجازه من النائب العام التمييزي كما كانت الحال قبل هذا الاحتجاز".
وختم البيان: "نذكّر بأن قانون أصول المحاكمات الجزائية يقرّ بحقّين: الأول هو الحقّ بالصمت دون أن يكون الصمت قرينة ضد المحقّق معه (المادة 77 من قانون أصول المحاكمات الجزائية)، كما يقرّ بقرينة البراءة طالما لم يصدر حكم مبرم بالإدانة (الفقرة 2 من المادة 14 من المعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للعام 1966). على هذا الأساس، فإننا نتمسك بمواد ومبادئ قانون أصول المحاكمات الجزائية كافة، آملين من الجميع احترامها".