لم يحقق عمّال تونس في سنة التدابير الاستثنائية التي أعلنها الرئيس قيس سعيد أية مكاسب جديدة، بينما يواصل الغلاء والتضخم الجامح بالدفع السريع لفئات واسعة من التونسيين نحو التعثر المالي رغم وعود السلطة بمكافحة الفساد والوقوف إلى جانب الفقراء بالتصدي للغلاء واستعادة الأموال المنهوبة.
وبمناسبة العيد العالمي للعمال، حذّر الاتحاد العام التونسي للشغل من أوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية ومالية وبيئية غير مسبوقة، تهدد بتفكك للدولة وانهيار اقتصادي ومالي ستدفع الفئات الهشة ثمنه.
ولم تتمكن النقابات العمالية هذا العام من التوصل إلى فتح جولة مفاوضات جديدة بشأن الزيادة في رواتب موظفي القطاع الحكومي بسبب الوضع السياسي في البلاد، وتفرّد الرئيس سعيد بكامل السلط، مكتفية بلقاءات قليلة مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن أسفرت على تحيين اتفاقات تم توقيعها مع الحكومات السابقة.
وقال أمين عام اتحاد الشغل نور الدين الطبوبي، اليوم الأحد، في كلمة توجه بها لعمّال تونس، إن "الأزمة الاقتصادية باتت تنبئ بتداعيات اجتماعية خطيرة، ولعل أولها بداية اضمحلال الطبقة الوسطى".
وعمّال تونس ضمن العمّال المهددين بالإجراءات التقشفية والصعوبات المعيشية التي حذرت منها تقارير المؤسسات المالية الدولية الكبرى نتيجة تصاعد الدين العام للبلاد، وتضخم كتلة الأجور، مقابل ضعف مستويات النمو إلى جانب جموح التضخم.
وأكد الطبوبي أن "المنظمة العمالية طلبت من حكومة تونس في كلِّ الجلسات التي جمعت المكتب التنفيذي بحكومة نجلاء بودن وجوب التزامِها بالاتفاقيّاتِ المبرمة مع الاتحاد، ومنها تلك المتعلّقة بفتحِ التفاوضِ لمراجعة الأجورِ في القطاع العام والوظيفة العمومية، خاصّةً أمام استمرارِ نزيفِ تدهورِ المقدرة الشرائية لعمومِ الأجراء بعد أن تجاوزت نسبة التضخُّمِ 7 بالمائة".
وبلغ التدهور المتواصل للمقدرة الشرائية للأُجراء، بحسب ما أعلنه الطبوبي اليوم، نسبة تقارب أو تفوق 15 بالمائة، مؤكدا زيادة المؤشرات الدالة على انهيار مستوى العيش بين الفئات الفقيرة وانجراف قطاعاتٍ واسعةٍ من الطبقة الوسطى إلى مستوى الفقر والخصاصة، بارتفاع نسبة الفقر من 16 بالمائة عام 2019 إلى 22 بالمائة حاليا.
واعتبر الطبوبي أن بلاده "تمرّ بأزمةٍ سياسية واقتصادية واجتماعية ومالية وبيئية غير مسبوقة باتت تهدّد بتفكك الدولة ومؤسساتها، وبانهيارٍ اقتصادي ومالي سيدفع التونسيون وفئاتهم الهشة والمفقرة بالخصوص ثمنَه باهظا".
وحذّر مما سيترتب على ذلك من تداعيات اجتماعية خطيرة، من تجلّياتِها بداية اضمحلال الطبقةِ الوسطى وتعمُّقُ انحلال التماسك الاجتماعي الوطني.
وتسعى تونس، التي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة وعجز تمويلي لموازنتها، إلى حشد الدعم السياسي وإقناع مؤسسات التمويل الدولية ببرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تعتزم الحكومة تنفيذه من أجل الحصول على تمويل جديد من صندوق النقد الدولي بقيمة 4 مليارات دولار.
في المقابل، طلب الأمين العام لاتحاد الشغل من وفد صندوق النقد الذهاب إلى "إصلاح حقيقي يعتمد على تقاسم التضحيات، في إطار اتفاق وطني تشاركي يتضمّن حزمة إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية".
ويستحوذ الدين العام لتونس، بحسب قانون الموازنة، على 82.57% من إجمالي الناتج المحلي في 2022، ويبلغ الدين الخارجي نحو 72.9 مليار دينار (24.8 مليار دولار)، بينما يبلغ الدين الداخلي 41 مليار دينار.
كذلك، تبرز النشرة الخاصة بالدين العمومي التي تصدرها وزارة المالية أنّ خدمة الدين زادت بنسبة 55 بالمائة مقارنة بعام 2019، كما زادت بنسبة 33 بالمائة مقارنة بعام 2020.
ويرى صندوق النقد الدولي أن تونس تحتاج إلى إعادة هيكلة ديونها، إذ صرّحت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا بأن الصندوق سيحاول الضغط على تونس من أجل إقناعها بالموافقة على إعادة جدولة ديونها.