لا رابحون... حرب عملات تهدد إمدادات الغاز الروسي لأوروبا

01 ابريل 2022
"غازبروم" تنظر في إمكانية الوقف الكامل لإمدادات الغاز إلى الدول "غير الصديقة" (Getty)
+ الخط -

رغم أن المهلة التي حددها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين لحكومته والمصرف المركزي وعملاق الغاز "غازبروم" لتحديد إجراءات سداد قيمة صفقات الغاز للدول غير الصديقة بالروبل، انتهت الخميس، إلا أن روسيا لا تبدو مستعجلة في تطبيق القرار، إدراكا منها أنه لن يكون هناك طرف رابح من انقطاع إمدادات الغاز الروسي إلى القارة العجوز.

ومن المؤشرات التي تدعم الترجيحات، إعلان الناطق الرسمي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، الأربعاء، أنه لن يتم تطبيق الحسابات بالروبل فورا، مؤكدا أن الحسابات والإمدادات هي عمليات ممتدة لفترات طويلة. بعد إعلان بوتين، عن الانتقال إلى السداد بالروبل لإمدادات الغاز الروسي إلى الدول "غير الصديقة" التي انضمت إلى العقوبات المفروضة على موسكو على خلفية عمليتها العسكرية في أوكرانيا، وهو أمر رفضه كبار مشتري الغاز الأوروبيين، تتزايد التساؤلات حول ما إذا كانت أوروبا قادرة على الاستغناء الفوري عن الإمدادات الروسية، وكذلك حول قدرة روسيا على إيجاد أسواق بديلة لـ"الوقود الأزرق". 

في تلك الأثناء، يتدفق الغاز الروسي إلى أوروبا بشكل طبيعي بواقع 109.5 ملايين متر مكعب يوميا عبر الأراضي الأوكرانية رغم حالة الحرب المفتوحة بين موسكو وكييف، بالإضافة إلى 170 مليون متر مكعب عبر خط "السيل الشمالي-1" إلى ألمانيا التي تعد أكبر مشتر للغاز الروسي في أوروبا، والحد الأدنى لنسبة تشغيل خط "يامال" الرابط روسيا بأوروبا عبر بولندا. 

إلا أن صحيفة "كوميرسانت" الروسية ذكرت، نقلا عن مصادرها الأربعاء، أن "غازبروم" تنظر في إمكانية الوقف الكامل لإمدادات الغاز إلى الدول "غير الصديقة"، وتقيّم تداعيات هذه الخطوة.

وفي هذا الإطار، يشير رئيس معهد الطاقة والمال في موسكو، مارسيل صالحوف، إلى أن انتهاء المهلة المحددة لا يعني انتقالا إلى الحسابات بالروبل تلقائيا، محذرا من أنه لن يكون هناك طرف رابح في حال إصرار الجانبين على موقفهما وتوقف إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا.

ويقول صالحوف في حديث لـ"العربي الجديد": "لا يجري الحديث عن الانتقال إلى الحسابات بالروبل بين ليلة وضحاها، حيث إن شركة "غازبروم إكسبورت" المعنية بتصدير الغاز الروسي لها عقود مدرجة باليورو، فهي تحتاج إلى ما تستند إليه لتحويلها إلى الروبل. وفي الظروف الطبيعية، كان يجب اعتماد إجراءات تشريعية روسية ثم التفاوض مع الشركاء أو اللجوء إلى التحكيم في حال لم يتسن التوصل إلى اتفاق". 

وحول مدى قانونية تعديل العقود المبرمة بالفعل، يضيف: "يمكن تعديل العقود المبرمة سواء بالتراضي بين الطرفين أو عن طريق التحكيم، ويجب ألا تتأثر الإمدادات أثناء إتمام هذه الإجراءات، وفي حال تأثرت ستكون "غازبروم" الطرف المخالف". 

يذكّر بأن "هناك سابقة لإجبار "غازبروم" نفسه على فك الارتباط بين أسعار النفط والغاز عبر التحكيم، بعد أن اعتبرت المفوضية الأوروبية أن هذا الربط غير عادل، كون الغاز منتجا مستقلا"، لافتا إلى أن "غازبروم" أصبحت هي المستفيد الأكبر من ذلك بعد ارتفاع الأسعار الفورية للغاز إلى مستويات قياسية في نهاية العام الماضي".

وحول تداعيات إصرار الجانبين الروسي والأوروبي على مواقفهما من مسألة عملات صفقات الغاز، يتابع: "في حال رفض كل جانب شروط الجانب الآخر رفضا قاطعا، سيؤدي ذلك إلى توقف إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، مما سيسبب خسائر فادحة لكلا الطرفين. صحيح أن موسم التدفئة أوشك على الانتهاء، مما يمكن الاتحاد الأوروبي من الاكتفاء باحتياطاته وإمدادات الغاز الطبيعي المسال لبضعة أشهر، ولكنها سيواجه مشكلات صعبة بحلول الخريف المقبل".

أما غازبروم، فلن تستطيع تحويل الغاز إلى الأسواق الآسيوية بسبب أن الغاز المورد إلى أوروبا يتم إنتاجه في حقوله التي تربطها خطوط أنابيب غاز بالدول الأوروبية، ولكن يمكن تحويل جزء من فوائض الغاز إلى تركيا  وفق رئيس معهد الطاقة والمال في موسكو.

ويعلق على واقعية استغناء أوروبا عن الغاز الروسي في الأفق المنظور، قائلا: "في الوقت الراهن، تسعى أوروبا للحد من اعتمادها على الغاز الروسي، ولكن ليس من الواقعي أن تقوم بالاستغناء عنه على وجه السرعة. إلا أنه يمكن تحقيق هذا الهدف خلال مدة تستغرق ما بين خمس وعشر سنوات، إن كانت الدول الأوروبية مستعدة لتحمل فاتورة ذلك".

من جهته، يرى نائب مدير صندوق أمن الطاقة الوطني في موسكو، أليكسي غريفاتش، أن الجانب الأوروبي يتعين عليه القبول بحل وسط مع روسيا من جهة سداد قيمة الغاز الروسي بالروبل تجنبا للخسائر الفادحة التي قد تلحق بالاقتصاد الأوروبي في حال توقف الإمدادات. 

ويقول غريفاتش لـ"العربي الجديد": "كل ما صدر حتى الآن هو تصريحات انفعالية رغم أن الدفع بالروبل لا يحمل في طياته أي صعوبات كبيرة لشركاء "غازبروم"، بينما سيؤدي تعثر الإمدادات بسبب انعدام الدفع إلى خسائر فادحة لاقتصاد الاتحاد الأوروبي وقطاعه الاجتماعي. لذلك من باب العقلانية أن يقبلوا بهذا الحل الوسط البسيط".

وفي تلك الأثناء، لا يزال الغموض سيد الموقف في ما يتعلق بمستقبل إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا والتي لم تتوقف حتى أثناء "الحرب الباردة" في الحقبة السوفييتية وغيرها من الأزمات بين روسيا والغرب.

وكان الكرملين قد أكد في وقت سابق من الأسبوع الجاري أن موسكو تنظر في خطة العمل في حالة عزوف المشترين الأوروبيين عن سداد قيمة الإمدادات بالروبل، مؤكدا أنه "لا غاز مجانيا".

المساهمون