كيف يتعامل البنك الفيدرالي الأميركي مع الضغوط السياسية خلف الأبواب المغلقة؟

05 مايو 2024
جيروم باول يسعى للنأي بالبنك الفيدرالي عن الانتخابات - واشنطن/ 1 مايو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- جيروم باول يؤكد على استقلالية البنك الفيدرالي الأميركي في قرارات سعر الفائدة، متجاهلاً الاتهامات السياسية بالتحيز، خاصة من دونالد ترامب، ويدعو لقراءة محاضر الاجتماعات لإثبات عدم مناقشة الانتخابات.
- المحاضر والتصريحات تكشف أن البنك يناقش الأحداث السياسية كعوامل مؤثرة على الاقتصاد، مع الحفاظ على استقلاليته وعدم الانحياز الحزبي، مما يعكس تحدي فصل الاقتصاد عن السياسة.
- البنك يواجه ضغوطاً سياسية ويسعى للحفاظ على دعم الجمهور والسياسيين لقراراته، مؤكداً على أهمية الاستقلال في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، رغم التحديات في فصل الاقتصاد عن السياسة.

على الرغم من تأكيد جيروم باول، رئيس البنك الفيدرالي الأميركي مراراً عدم تأثر قرارات البنك في ما يخص سعر الفائدة باسم ساكن البيت الأبيض، أو انتمائه الحزبي، أو حتى باقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأميركية، لا تكاد تخلو منافسة انتخابية في واشنطن من إشارة أحد المرشحين إلى تدخل البنك في السياسة، لمصلحة المرشح الآخر. والأسبوع الماضي، وبعد إعلانه عن قرار الفيدرالي الأميركي تثبيت الفائدة الأميركية، أكد باول أن الانتخابات المنتظرة لا تُناقش في اجتماعات مجلس الاحتياط الفيدرالي، متحدياً المراسلين بقراءة النصوص بأنفسهم.

وفي فبراير/شباط الماضي، اتهم الرئيس الأميركي السابق والمرشح الرئاسي الحالي دونالد ترامب باول، الذي كان خلال رئاسته أول من عيّنه لإدارة البنك المركزي الأميركي، بـ"ممارسة العمل السياسي"، ملمّحاً إلى أنّ باول قد يعمد إلى خفض أسعار الفائدة لمساعدة الحزب الديمقراطي على الاحتفاظ بالبيت الأبيض. وقال ترامب إنه سيسعى، في حال انتخب رئيساً للولايات المتحدة هذا العام، إلى تغيير رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي. وأضاف في مقابلة مع شبكة فوكس بيزنس: "أعتقد أنه سيفعل شيئاً ربما لمساعدة الديمقراطيين"، في إشارة إلى الانتخابات الرئاسية المرتقبة في نوفمبر/ تشرين الثاني. وصرح رئيس الفيدرالي الأميركي للصحافيين بعد ظهر الأربعاء عندما سئل عما إذا كان هناك نيّة لتغيير أسعار الفائدة عند الاقتراب من موعد الانتخابات: "لا أستطيع أن أقول ذلك، فنحن لا نسير على هذا الطريق".

وقد عرض تحدياً: "يمكنك العودة وقراءة النصوص، لترى ما إذا كان أي شخص يذكر بأي شكل من الأشكال الانتخابات". وبالرجوع إلى آخر ثلاثة محاضر منشورة لاجتماعات الفيدرالي الأميركي، كان واضحاً غياب أي إشارات علنية للانتخابات المقبلة، كما لم يكن هناك نقاش حول المزايا السياسية لأي مرشح على مرشح آخر، لكنّ الموضوعات السياسية - لا الانتخابات - كانت حاضرة بالتأكيد في اجتماعات البنك الفيدرالي، كما في اجتماعات أصغر شركة في العالم، يدرك أصحابها والمسؤولون فيها صعوبة فصل الاقتصاد عن السياسة، خاصة في حالة الأحداث الكبرى، والتي يأتي من بينها بالتأكيد انتخاب رئيس أكبر اقتصاد والقوى العظمى الوحيدة في العالم في السنوات الأخيرة.

وأظهرت محاضر اجتماعات الفيدرالي الأميركي على مدار السنوات السابقة أن صانعي السياسات في البنك المركزي الأكبر في العالم يدرسون الآثار الاقتصادية المحتملة للأحداث السياسية، بما في ذلك الانتخابات ومجيء رئيس جديد، بالإضافة إلى ردة الفعل السياسية المحتملة على قراراتهم. وعلى سبيل المثال، خصّص رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي في مينيابوليس، نيل كاشكاري، بعض الوقت في اجتماع يناير/كانون الثاني 2018 لتسليط الضوء على هذه الضغوط مع استعداد الرئيسة آنذاك، جانيت يلين، للمغادرة واستعداد باول لشغل مقعده الحالي على رأس البنك. وقال كاشكاري في نص هذا التجمع: "نحن نعمل بجد، جميعنا، لكي نكون غير سياسيين وغير حزبيين، ومع ذلك فإننا نعيش في عالم سياسي حزبي". وأثنى على يلين قائلا إنها تمكنت من "التغلب على هذا التوتر".

وطوال اجتماعات الفيدرالي الأميركي السبعة التي تولى باول رئاستها في عام 2018، على سبيل المثال، تم نطق مصطلح "سياسي" 40 مرة، وفقاً للبحث في النصوص، بحسب إحصاء قدّمه "ياهو فاينانس". وجاء ذلك في الوقت الذي ناقش فيه أعضاء اللجنة كل شيء، بدءًا من السياسة التجارية للرئيس ترامب آنذاك، وحتى التطورات في أوروبا، إلى الآثار الاقتصادية "للتوتر السياسي في الولايات المتحدة" في تلك السنة الانتخابية.

ويعد هذا الاعتبار للمخاطر السياسية أمراً شائعاً، وهو موضوع تقول مؤرخة البنك الفيدرالي، سارة بيندر، إنها شاهدته مراراً وتكراراً في مراجعتها للنصوص. وقالت إن المناقشات السياسية هي في المقدمة والمركز، خصوصاً في مواضيع مهمة،مثل تحديد هدف التضخم والميزانية العمومية لبنك الاحتياط الفيدرالي. وكتبت في مذكرة إلى "ياهو فاينانس" قبل نهاية الأسبوع: "حقيقة أن العديد من مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي يذكرون السياسة في اجتماعات اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، ما يشير إلى أن اعتبارات كهذه، هي على الأقل، جزء من مزيج القوى الذي يشكل في النهاية بيان بنك الاحتياط الفيدرالي وخيارات السياسة". وتغطي النصوص المتاحة للجمهور فترة وجود باول في مجلس الاحتياط الفيدرالي من عام 2012، إلى عام 2018، الذي مثّل أول أعوامه رئيساً للبنك. ويجري إصدار النصوص بعد تأخير لمدة خمس سنوات، لذا فإن الاجتماعات الأخيرة ليست متاحة للجمهور بعد.

البنك الفيدرالي الأميركي والسياسة النقدية

وفي حين أن السياسة والانتخابات لا تظهران في كثير من الأحيان في مباحثات أسعار الفائدة بين مسؤولي البنك في التاريخ الحديث، إلا أنهما ليستا غائبتين تماماً. وظهرت المناقشات حول الانتخابات وتأثيراتها الاقتصادية المحتملة خلال الاجتماعات طوال عام 2016، قبل الانتخابات التاريخية لذلك العام وبعدها بين دونالد ترامب وهيلاري كلينتون. وقد تناول إريك روزنغرين، رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي في بوسطن آنذاك، هذا الموضوع في اجتماع يونيو/حزيران 2016 عندما ناقش الانتخابات الأميركية وتطوراً سياسياً آخر في ذلك العام، هو انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.

وأشار في ذلك الوقت إلى أن "انتخاباتنا ينظر إليها الكثيرون على أنها أكثر خطورة من التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي"، موضحاً قلقه من أن حالة عدم اليقين المحيطة بالانتخابات الأميركية على وجه التحديد "قد تجعلنا مترددين في التحرك في سبتمبر". وفي نهاية الأمر، حافظ بنك الاحتياط الفيدرالي على أسعار الفائدة ثابتة خلال الانتخابات، وانتظر حتى ديسمبر/كانون الأول 2016 قبل رفعها، وقالت يلين وقتها إن القرار يعكس التقدم الاقتصادي على مدار عام 2016. وتحت استجواب الصحافيين، أضافت حول فوز ترامب الأخير أن "جميع المشاركين في اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة يدركون أن هناك قدراً كبيراً من عدم اليقين بشأن كيفية تغيير السياسات الاقتصادية".

وأشار روزنغرين، عندما سُئل يوم الخميس في حوار مع "ياهو فاينانس" عن تعليقاته لعام 2016، إلى أن بنك الاحتياط الفيدرالي يراقب الانتخابات لأن لها "تأثيراً على الاقتصاد وعلى أسعار الأصول". وأضاف أنه في عامي 2016 و2020، وعلى الأرجح في عام 2024 أيضاً، فإن الانتخابات القريبة من الممكن أن تشكل مصدراً مهماً لعدم اليقين الاقتصادي لأن "الخيارين لهما آثار مختلفة تماماً على السياسة".

مسؤول آخر في بنك الاحتياط الفيدرالي تطرق إلى هذا الموضوع في عام 2016، وهو ستانلي فيشر، الذي كان آنذاك نائب رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي. وقال خلال اجتماع في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، قبل أيام فقط من توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع: "بينما نتطلع إلى قرارنا في ديسمبر/كانون الأول، فإننا سنبحر في المياه الغادرة". وأضاف فيشر أن القرار المقبل "يجب أن يعكس توقعاتنا بشأن السياسات الاقتصادية غير النقدية التي ستُتّبع في عام 2017 وما بعده".

وكانت هذه إشارة واضحة إلى تغييرات السياسة المالية التي قد تكون وشيكة في عهد الرئيس الجديد. وأضاف "هل سنتخذ بالتالي قرارات تعكس تفضيلاتنا السياسية؟ بالتأكيد لا". "أنا واثق من أننا سنواصل اتباع هذا المبدأ، كما هو الحال مع التزامنا القانوني وممارستنا المعتادة". وخلال اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في ديسمبر/كانون الأول عام 2016، دارت بعض المحادثات حول عواقب فوز ترامب المفاجئ. ومثل الملايين في أميركا ومختلف أنحاء العالم، كان أعضاء اللجنة يحاولون تقييم ما يمكن توقعه في السنوات المقبلة من الرئيس المنتخب آنذاك. وقال جيمس بولارد، رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي في سانت لويس في ذلك الوقت، مازحاً، وفقاً للنص: "دعونا نقيّم الأمر: لقد فاز فريق شيكاغو كابس في بطولة العالم، وفاز دونالد ترامب بالرئاسة، وفاز بوب ديلان بجائزة نوبل".

وعاد فيشر بعدها إلى الموضوع، حيث قام بتقييم ردة الفعل على فوز ترامب. وقال عن زيادة أسعار الفائدة التي تم تنفيذها في ذلك الأسبوع: "كانت ردات فعل السوق منذ فوز السيد ترامب في الانتخابات إيجابية بشكل ملحوظ ومتسقة مع تحركنا في هذا الاجتماع". وكانت هذه هي الزيادة الأولى والوحيدة للجنة في ذلك العام. واتسمت المحادثات السياسية في عام 2016 بالاعتدال، مقارنة بما كانت عليه في العقود السابقة، وفقا للأكاديميين الذين يقولون إن نصوص بنك الاحتياط الفيدرالي من السبعينيات وحتى التسعينيات تظهر أن السياسة غالبا ما لعبت دورا أكثر مباشرة.

واستندت دراسة حديثة أشارت إليها "ياهو فاينانس" إلى نصوص بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي في السبعينيات، وخلصت إلى أن المخاوف من ردات الفعل السياسية السلبية أثرت سلباً على ردة فعل البنك المركزي تجاه التضخم خلال تلك الحقبة. وقال توماس دريشسيل، أستاذ الاقتصاد المساعد في جامعة ميريلاند، إن أحد أسباب تراجع الحديث السياسي في السنوات الأخيرة هو أن أعضاء اللجنة يعرفون أن كلماتهم ستُرى في نهاية المطاف، بعد أن أصبحت جميع النصوص متاحة للعامة. وأضاف في مذكرة بعث بها إلى "ياهو فاينانس": "منذ عام 1994، تعمل اللجنة على أساس أن نصوصها ستُنشر للجمهور، لذا فهم حريصون على عدم إثارة هذا الأمر"، مضيفاً أن ذلك لا يعني بالضرورة أن هذه العوامل السياسية كانت مطروحة.

البنك الفيدرالي واستهداف التضخم والميزانية العمومية

وفي حين أن أعضاء بنك الاحتياط الفيدرالي قد يتجنبون الربط بين السياسة وأسعار الفائدة علناً، فإن الارتباط يمكن أن يكون أكثر مباشرة في موضوعات أخرى. وكان هدف التضخم البالغ 2% الذي حدده بنك الاحتياط الفيدرالي مصدراً للسخط السياسي لعقود من الزمن، وخاصة من جانب السياسيين اليساريين الذين يريدون المزيد من التركيز على البطالة.

وقام البروفيسور بيندر بتوثيق المحادثات ذات الصبغة السياسية حول هدف التضخم هذا منذ عام 1995 في عهد رئيس البنك وقتها آلان غرينسبان. وقد جرت الإشارة إليه مرة واحدة على الأقل خلال فترة وجود باول في منصبه. وقال كاشكاري خلال اجتماع في صيف عام 2018: "لا أعتقد أن الجمهور سيدعمنا في رفع هدف التضخم". وأشار إلى الآراء القوية على الجانبين حول النهج الأفضل للاقتصاد، لكنه أضاف أنه في كلتا الحالتين، من المرجح أن المشهد السياسي لا يتطلب أي تغيير في السياسة. وأضاف: "إنني أدرك الواقع السياسي. في نهاية المطاف، يجب على الجمهور أن يدعمنا في كل ما نختار القيام به".

ونوقشت السياسة أيضاً، مراراً وتكراراً، خلال مناقشات الميزانية العمومية لبنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي لعام 2018، وفقاً للدراسة. ويعد مستوى الأصول التي يحتفظ بها البنك المركزي موضوعاً مثيراً للجدل بالنسبة لبعض المشرعين، وكان بمثابة قضية حملة انتخابية بالنسبة للبعض في انتخابات التجديد النصفي في ذلك العام. وتظل هذه القضية قائمة حتى اليوم، إذ يجري النظر حالياً في مشروع قانون واحد في الكونغرس، سيكون من شأنه أن يفرض تفكيك الميزانية العمومية ويلزمها بالبقاء عند مستوى 10% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة أو أقل من ذلك.

وقد ظهرت سياسات الميزانية العمومية بشكل متكرر في نصوص اجتماعات بنك الاحتياط الفيدرالي في عام 2018 في الفترة من 31 يوليو/تموز إلى 1 أغسطس/آب، وكذلك بعد انتخابات التجديد النصفي لذلك العام في 7 و8 نوفمبر/تشرين الثاني. وقالت لوريتا ميستر رئيسة بنك الاحتياط الفيدرالي في كليفلاند: "قد نواجه قيوداً سياسية وتشغيلية بشأن أي تحركات". وأضاف توم باركين، رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي في ريتشموند: "إن استخدامنا للميزانية العمومية يعرض رأسمالنا السياسي للخطر". وأضاف راندال كوارلز، الذي كان آنذاك نائب رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي لشؤون الإشراف: "إن استقلال البنك الفيدرالي أمر بالغ الأهمية، ولكن ليس هناك شك في أننا سنحتاج إلى دعم سياسي لإجراءاتنا في فترة الانكماش الاقتصادي المقبلة، خاصة إذا كانت تنطوي على استخدام الميزانية العمومية".

المساهمون