كيف يبدو الاقتصاد الروسي بعد عام على غزو أوكرانيا؟

24 فبراير 2023
صمود موسكو جاء بكلف عالية على المصارف والبورصة (Getty)
+ الخط -

رغم أن حملة الضغط الاقتصادي غير المسبوقة ضد روسيا لم تجبر الرئيس فلاديمير بوتين على وقف الحرب في أوكرانيا، كما كانت تأمل القوى الغربية، وتمكن الاقتصاد الروسي من الصمود رغم العقوبات الصارمة، إلا أنها كانت مكلفة لروسيا وربما تكون لها تداعيات كبيرة على موقع موسكو الاقتصادي والجيوسياسي في المستقبل.

في هذا الصدد، ترى دراسة لجامعة ييل الأميركية أن الأسواق الروسية خسرت أكثر من 1000 شركة عالمية متعددة الجنسيات كانت تستثمر فيها، كما غادرت مئات الشركات روسيا بسبب العقوبات الاقتصادية القاسية التي طبقتها القوى الغربية على جميع قطاعاتها الاقتصادية والمالية والصناعية تقريباً.

وترى الدراسة أن هذا الخروج الطوعي للشركات حرم الاقتصاد الروسي من إيرادات تعادل 35% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وتوظف هذه الشركات نحو 12% من القوى العاملة في روسيا.

الخروج الطوعي للشركات حرم الاقتصاد الروسي من إيرادات تعادل 35% من الناتج

وطاولت العقوبات الغربية إلى جانب قطاع الطاقة ضوابط التصدير على التقنيات الحساسة والقيود المفروضة على النخب الروسية ومصادرة الأصول والعقوبات المالية، كما شلت حركة أصول البنك المركزي الروسي، وحرمت البنوك الروسية الرئيسية من استخدام نظام "سويفت" للحوالات المالية العالمية.

من جانبه، يقول الأستاذ في كلية "مونك للشؤون العالمية والسياسة العامة" بجامعة تورنتو، مارك مانجر: "الاقتصاد الروسي لم ينهر ولكنه يتقلص".

ويضيف، في تعليقات لقناة "سي بي سي" الكندية، أن روسيا تخسر فوائضها بسرعة بسبب الحسومات الكبيرة على خاماتها النفطية التي تطالب بها الشركات الصينية والهندية.

خسائر الطاقة

يعد قطاع النفط والغاز العصب الحي للاقتصاد الروسي، حيث تمثل الطاقة أكثر من 50% من عائدات الخزينة وأكثر من 50% من عائدات التصدير، وما يقدر بنحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة.

ولاحظت مؤسسات مالية أنه في الأشهر الأولى التي أعقبت الغزو، ارتفعت عائدات روسيا من الطاقة بسبب الذعر الذي أصاب الأسواق العالمية ورفع أسعار الطاقة من نفط وغاز طبيعي إلى مستويات غير مسبوقة .

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

لكن مصرف "دويتشه بنك" يرى في تحليل أن العقوبات التي نفذت أخيراً على النفط ومشتقاته وعلى الغاز وتراجع الأسعار بدأت تؤثر على عائدات الطاقة الروسية. ويقدر البنك الألماني خسائر الطاقة الروسية في الوقت الراهن بنحو 500 مليون دولار يوميًا من عائدات تصدير النفط والغاز مقارنة بمستوياتها في العام الماضي.

وراهن الرئيس فلاديمير بوتين على فاعلية سلاح الطاقة في معاقبة أوروبا خلال الشتاء الجاري، وكان يأمل أن تقود أزمة الطاقة وارتفاع التضخم وغلاء الفواتير إلى ثورات شعبية واحتجاجات في أوروبا تزلزل الحكومات الغربية وتفتت الوحدة الأوروبية، ولكن ذلك لم يحدث حيث تحالف الشتاء المعتدل ضده. كما تحركت أوروبا بسرعة لتعويض النقص في الغاز الروسي.

وكانت أوروبا تعتمد بنسبة 40% على الغاز الروسي وبنسبة 29% على واردات الديزل، أو ما يعادل 700 ألف برميل يومياً حسب بيانات مجلس العموم البريطاني. وحصلت روسيا على نسبة 86% من إجمالي دخل الغاز الطبيعي من دول الاتحاد الأوروبي. وتراجعت إيرادات الخزينة الروسية من مبيعات الغاز الطبيعي إلى نسبة 20% فقط بعد توقف إمدادات الغاز إلى أوروبا.

راهن الرئيس فلاديمير بوتين على فاعلية سلاح الطاقة في معاقبة أوروبا خلال الشتاء

وعلى الرغم من أن صادرات النفط الروسية حافظت على ثباتها بشكل مثير للدهشة عند مستوياتها قبل الحرب الأوكرانية البالغة 7 ملايين برميل يوميًا.

لكن ذلك حدث بكلفة عالية، حيث أعطت روسيا حسومات ضخمة على خام الأورال للحفاظ على زبائنها في آسيا، وباعت خام الأورال، الخام القياسي الرئيسي لتسعير النفط الروسي، بسعر حام حول 45 دولارًا للبرميل، أي أعلى بقليل من سعر كلفة استخراج البرميل في روسيا البالغة 42 دولارًا للبرميل. كما تراجعت قيمة صادرات النفط الروسية من 600 مليون دولار يوميًا إلى 200 مليون دولار بعد العقوبات، حسب بيانات جامعة ييل الأميركية.

هروب رؤوس الأموال

على صعيد الخسائر الأخرى، ومنذ فبراير الماضي، هرب ملايين الروس من البلاد وتضاعف النزوح الأولي لنحو 500 ألف عامل ماهر في مارس/آذار الماضي، بسبب نزوح ما لا يقل عن 700 ألف روسي معظمهم من الرجال في سن العمل، فروا من احتمال التجنيد الإجباري، بعد أمر التعبئة الجزئية الذي أصدره بوتين في سبتمبر/أيلول.

خسرت روسيا مجموعة من الأثرياء الروس الذين هربوا إلى الإمارات وتركيا وآسيا الوسطى

وسجلت كل من كازاخستان وجورجيا وحدهما ما لا يقل عن هروب 200 ألف روسي جديد يسعون بشدة لعدم القتال في أوكرانيا. كما زادت التحويلات من روسيا إلى البلدان المجاورة بأكثر من عشرة أضعاف، وسرعان ما اجتذبت الشركات في أوزبكستان رؤوس الأموال الهاربة.

وفي الوقت نفسه، خسرت روسيا مجموعة من الأثرياء الروس الذين هربوا إلى الإمارات وتركيا وآسيا الوسطى. وحسب بيانات "ييل إنسايت"، هرب نحو 30% من الأفراد ذوي الثروات الضخمة إلى خارج روسيا.

دعم الاقتصاد

عقب اندلاع حرب أوكرانيا، ارتفعت النفقات الحكومية داخل روسيا بنسبة 30% على أساس سنوي، وارتفع العجز بالميزانية الفيدرالية الروسية لعام 2022 بنسبة 2.3%، متجاوزًا بشكل غير متوقع جميع التقديرات، حسب البيانات الروسية.

وحدث ذلك على الرغم من أرباح الطاقة المرتفعة التي حققتها البلاد في الأشهر الأولى من الغزو وعمليات السحب من صندوق الثروة السيادي الروسي البالغة 2.4 ترليون روبل، ومبيعات الأصول المالية التي قدرها تقرير "ييل إنسايت"، الصادر قبل يومين، بنحو 55 مليار روبل حتى الشهر الجاري.

كما حصلت الخزينة على ضريبة ضخمة من مبيعات شركة "غازبروم" بلغت 1.25 تريليون روبل. كما طرحت إصداراً ضخماً بقيمة 3.1 تريليونات روبل لتغطية بعض الديون المحلية.

المساهمون