قبل أيام قليلة، نجحت الضغوط الداعية إلى مدّ الحظر الذي فرضه مركز التحكم ومكافحة الأمراض بالولايات المتحدة العام الماضي على طرد المستأجرين المتأخرين في دفع إيجارات مساكنهم، بعد أن اعتبر المركز أن إنهاءه في موعده المحدد من قبل، بنهاية شهر يوليو/ تموز، سيتسبب في مزيد من الإصابات بالفيروس وتحوراته الجديدة، حيث سيضطر الملايين ممن يتم طردهم إلى العيش في أماكن أكثر ازدحاماً.
ورغم أن الضغوط جاءت من أطراف عدة، فقد أرجع كثيرون الفضل الأكبر في القرار الذي اتخذته إدارة الرئيس الأميركي جوزيف بايدن وأعلنه المركز الأسبوع الماضي إلى عضو مجلس النواب من الحزب الديمقراطي كوري بوش، التي تلقته والدموع تسيل من عينيها أمام مبنى الكونغرس الذي اعتصمت وناشطين أمامه ليومين.
لم تتردد النائبة ذات الخمسة وأربعين عاماً، وتوجهت لتعتصم هناك في اليوم التالي للتاريخ المحدد لإنهاء الحظر قبل مده، وبعد ثلاثة أيام من بداية الاحتجاجات التي قادتها بنفسها ودعت زملاءها في الكونغرس للمشاركة فيها.
ومع الاقتراب من موعد انتهاء الحظر، تذكرت بوش تجربتها الأليمة مع الطرد من مسكنها، أكثر من مرة، قبل عقدين كاملين، لتضطر وزوجها وبنتيها لتمضية عدة أيام في سيارتهم، بسبب تأخرهم في دفع الإيجار.
لم تتقبل بوش أن ينطلق أعضاء مجلس النواب لقضاء عطلتهم بينما يتعرض الملايين لخطر الطرد، ونجحت بالفعل في استصدار القرار من البيت الأبيض، رغم نصيحة المحكمة العليا الأميركية قبل عدة أشهر بضرورة الحصول على موافقة المشرعين عند الرغبة في مد الحظر.
ورغم قيادتها المظاهرات، أكدت بوش أنها لم تكن وحدها في تحقيق الإنجاز، وقالت بعد إبلاغها بمد الحظر لمدة شهرين لأكثر من 90% من المتضررين من انتهائه، "هذا ليس عرضاً تليفزيونياً لكوري، وإنما نحن مجموعة من الناس الذين يحبون الناس ونعلم أنه من الواجب علينا كبشر، وبغض النظر عن ألقابنا، أن نعمل على وضع حد للمعاناة البشرية".
وبعد أن هزمت زميلها المخضرم في الحزب الديمقراطي لاسي كلاي، الذي خدم لعشر دورات في مجلس النواب في الانتخابات التمهيدية مثل هذه الأيام العام الماضي، تغلبت بوش على المنافس الجمهوري وأصبحت أول نائبة من أصل أفريقي تمثل ولاية ميسوري في مجلس النواب.
وبفوزها، كسرت بوش احتكار عائلة كلاي الممتد لأكثر من نصف قرن للمقعد، حيث حجزه بيل كلاي، والد لاسي، عام 1968 لمدة 32 عاماً، قبل أن يسلمه لابنه في عام 2000. ويسيطر الحزب الديمقراطي على مقعد الدائرة منذ عام 1911 وحتى الآن.
لم تكن بوش كأغلب أقرانها في الكونغرس الأميركي حاصلة على شهادة عليا من إحدى الجامعات الأميركية الفاخرة، واكتفت بعد الحصول على الشهادة الثانوية بالحصول على دبلومة في التمريض مدتها عام واحد فقط، وهو ما عملت به لفترة وجيزة. كما كان لها بعض النشاط كقس في إحدى الكنائس بمدينة سانت لويس بولاية ميسوري.
ولم تبدأ بوش الاهتمام بالسياسة إلا بعد تعرضها للضرب من شرطي خلال الاحتجاجات القوية التي سادت مدينة فيرجسون في أعقاب إطلاق شرطي أبيض الرصاص على شاب أسود عام 2014، وشاركت فيها بوش كمُنَظمة ومُمَرضة.
ومنذ دخول بوش مجلس النواب، كانت شديدة النشاط والفعالية في العديد من القضايا. وكانت البداية مع انضمامها إلى ما عُرف باسم "الفريق" أو Squad، وهو مجموعة من شباب الحزب الديمقراطي من أعضاء الكونغرس تشمل بالإضافة إلى بوش كلاً من ألكساندريا أوكاسيو كورتيز من نيويورك وإلهان عمر من مينسوتا وأيانا بريزلي من ماساتشوسيتس ورشيدة طالب من ميشيغن وجمال بومان من نيويورك.
واشتركوا في كونهم يتبنون السياسات المنحازة للأقليات الموجودة في الولايات المتحدة. وتعد هذه المجموعة من أكثر أعضاء الكونغرس الأميركي ميولاً لليسار ولم يبلغ أي منهم سن الخمسين، ولديهم العديد من الأفكار التقدمية التي تسببت في دخولهم في صدامات متعددة مع سياسات الرئيس السابق دونالد ترامب وحزبه الجمهوري ذو الميول المحافظة.
وفي السادس من يناير/ كانون الثاني من العام الجاري، وبعد ساعات من اقتحام مؤيدي ترامب مبنى الكابيتول (الكونغرس) الأميركي، قدمت بوش مشروع قرار لدى مجلس النواب يسمح باستبعاد كل أعضاء الحزب الجمهوري الذين أيّدوا محاولات إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية التي جرت قرب نهاية العام الماضي.
لم تسكت بوش يوماً عن تأييد ما رأته حقاً، وأنقذت بقوتها وجَلَدِها ملايين الأميركيين من الطرد والاضطرار للعيش في الشوارع.