كهرباء مصر تقع في فخ الديون: ورطة بيع المحطات والقروض الضخمة

14 يناير 2022
النظام المصري نجح في حل أزمة انقطاع الكهرباء لكن ارتفاع الفواتير أرهق المواطنين (Getty)
+ الخط -

للمرة الثالثة خلال عامين، تعلن الحكومة المصرية، عن خطة لطرح 3 محطات لتوليد الكهرباء التي أقامتها شركة "سيمنز" الألمانية، خلال الفترة من 2014 إلى 2018، في مناطق، العاصمة الجديدة وبني سويف (جنوب) والبرلس (شمال).

تبلغ قدرات كل منها 4800 ميغاوات، بإجمالي 14 ألفا و400 ميغاوات، تعتبرها الحكومة أيقونة محطات التوليد في منطقة الشرق الأوسط لضخامتها، وحداثتها تكنولوجيا، حيث تعمل محطة العاصمة بالتبريد الهوائي، بعد أن أقيمت في منطقة صحراوية بين العاصمة وخليج السويس.
تكرار العرض الحكومي لبيع المحطات هذه المرة، واكبه بيان رسمي من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، في 30 ديسمبر/ كانون الأول الماضي 2021، ومدير صندوق مصر السيادي أيمن سليمان، يؤكد إصرار الحكومة على البيع، خلال الأشهر القليلة القادمة، في محاولة من الدولة لطرح مشروعات ناجحة، تساهم في جذب المؤسسات وصناديق الاستثمار الأجنبية، إلى البورصة تنعش سوق الأوراق المالية، حسب البيان.
لم يأت سليمان ولا رئيس الوزراء بجديد، حيث كشف الطرفان من قبل، وتحديدا في نهاية عام 2020، عن نوايا الطرح، التي توقف الحديث عنها طوال 12 شهرا، حتى جاء البيان الأخير، ليحدد موعدا للطرح قبل نهاية العام المالي الجاري، يونيو/ حزيران 2022.

وسبق لوزير الكهرباء المصري محمد شاكر، أن أعلن في مايو/ أيار 2019، عن وجود 3 شركات أبدت اهتماما بشراء المحطات الثلاث، إحداهما أميركية والأخريان ماليزية وهي "بلاك ستون"، و" إدرا" التابعة لشركة الطاقة النووية الصينية، التي تدير 3 حاليا محطات حرارية في مصر، إلا أن الحوار حول بيع المحطات الثلاث ظل في طي الكتمان، حتى أعاد الوزير نفس تصريحات رئيس الوزراء في الساعات الأخيرة، من ليلة رأس السنة.

رفع أسعار الكهرباء لتسديد الديون
كشف وزير الكهرباء في تصريحاته، أسباب رغبة الحكومة في البيع العاجل للمحطات الثلاث أو جزء كبير منها على الأقل، التي تقادمت زمنيا بنحو 5 سنوات، سواء لمستثمر رئيسي أو الاكتتاب العام بالتعاون مع صندوق مصر السيادي، بقوله: "إن شركة سيمنز، تدير المحطات، بموجب عقد مدته 8 سنوات، وتبيع الكهرباء المنتجة، للشبكة الموحدة، بينما أعلن المدير التنفيذي لمشروعات "سيمنز" في مصر، عماد غالي، في اليوم ذاته، أن شركته، ملتزمة، بتشغيل المحطات حتى عام 2024".
فهناك التزام مصري بدفع تكاليف الإنشاء والتشغيل والصيانة طوال هذه الفترة، بالعملة الصعبة، من خلال اتفاق مكمل لعقد الإنشاء الذي وقعته مصر مع سيمنز، التي استطاعت توفير التمويل للحكومة، في ظروف مالية وسياسية ضاغطة، من بنوك "دويشه بنك، وHSBC وبنك AGKFW-IPEX" بمبلغ 6.2 مليارات يورو، ارتفعت إلى 8 مليارات يورو (9 مليارات دولار)، كما ذكرت وكالة "بلومبيرغ" على لسان الوزير، بما يمثل 85% من قيمة المحطات الثلاث وتكلفة عقد التشغيل والإدارة والصيانة الذي ينتهي خلال 6 أشهر.
وهي نفس قيمة الديون التي أعلن عنها وزير الكهرباء، العام الماضي أثناء تبريره رفع أسعار الكهرباء للمرة الخامسة خلال الفترة من 2014 إلى 2021، بأن قطاع الكهرباء مطالب بدفع 8 مليارات دولار للموردين الأجانب.

الحكومة في ورطة
ويؤكد خبراء أن الحكومة المصرية التي أنقذت شركة "سيمنز" من مشاكل مالية كانت تواجهها بمنحها صفقة وصفها رئيسها جو كابيير بأنها "عقود غير مسبوقة" أصبحت في ورطة، بعد التوسع الهائل في إنشاء محطات توليد الكهرباء، خلال الفترة من 2014 إلى 2018، إذ أضافت الحكومة 28 ألف ميغاوات، ليصل الإنتاج الكلي بالشبكة الكهربائية الموحدة إلى 60 ألف ميغاوات، عدا ما أضافته مشروعات الإحلال والتجديد والطاقة المتجددة الخاصة، التي تقدر بنحو 3 آلاف ميغاوات.

كما توسعت وزارة الكهرباء، في إنشاء محطات محولات وتطوير شبكات النقل، لاستيعاب الكم الهائل من الطاقة المولدة في الشبكة الموحدة، بهدف توفيرها للجمهور وتصدير الفائض للخارج، بلغت تكلفتها الإجمالية، وفقا لتقارير الوزارة، عام 2018، نحو 515 مليار جنيه، بما يعادل (32 مليارا و791 مليون دولار) عدا القروض المقررة لمحطة الضبعة النووية التي تقدر مبدئيا، بنحو 25 مليار دولار، ترتفع إلى 42 مليار دولار، بنهاية فترة التشغيل والصيانة والإدارة من طرف الشركة الروسية "روز توم" التي ستنفذ المحطة.

أعلى قروض في العالم
وحسب مراقبين، تعتبر قروض قطاع الكهرباء من البنوك المحلية والعالمية الأعلى في مصر حتى العام الماضي، قبل أن تنافسها قروض قطاع النقل، حيث بلغت قروض الكهرباء عام 2019/ 2020 نحو 5.1% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي ضمن الديون السيادية التي تضمنها وزارة المالية، والبالغة نحو 20.4% من الناتج الإجمالي للدولة.
يعتبر خبراء في القطاع أن كمية الطاقة المولدة، أصبحت عبئا على الدولة، مشيرين إلى أن استراتيجية الطاقة في مصر التي أعدت عام 2014، وتنفذ مخططاتها منذ عام 2015، وفقا للخطة التي وضعها برنامج Times-Egypt بتمويل من الاتحاد الأوربي الذي قدمها كجزء من المساعدة الفنية لدعم إصلاح الطاقة في مصر، متوقعا ارتفاع ذروة الطلب على الطاقة، من 35 ألف ميغاوات في عام 2018 إلى 43 ألف ميغاوات عام 2020، وتصل إلى 60 ألف ميغاوات عام 2030، 67 ألف ميغاوات بحلول عام 2035.
وبينما سعت الحكومة إلى التوسع في الاستدانة لإقامة محطات، تعادل ضعف قدرات التوليد من المحطات التي كانت موجودة في مصر قبيل عام 2014، لم تكن مصر في حاجة إلا 50% من قدرات التوليد الجديدة، في أقصى تقدير، حيث لم يتعد الاستهلاك الفعلي عام 2020 نحو 32 ألف ميغاوات، في وقت أصبحت نسبة النمو في مشروعات توليد الكهرباء تزيد بنسبة 80% من معدلات نسبة الاحتياطي المقدرة عالميا، بينما التي يستدعي وجودها ما بين 10% إلى 20% على الأكثر كاحتياطي توليد للطوارئ في الشبكة الموحدة.

أزمة كهرباء مفتعلة بعد ثورة يناير
كشف أحد الخبراء في قطاع الكهرباء في اتصال مع "العربي الجديد" أن مصر لم تكن تواجه مشكلة خطيرة في توليد الكهرباء، بعكس ما هو شائع، شارحا ما حدث من انقطاعات للتيار الكهربائي خلال الفترة من 2010 إلى 2014، بأنه ناتج عن عدم تمويل الحكومة لإقامة مشروعات الكهرباء خلال هذه الفترة، إلا بنسبة نمو لا تزيد عن 3% سنويا، بينما كان الاستهلاك يرتفع ما بين 8% إلى 10% خلال تلك الفترة، بما جعل الوزارة تستعمل أسلوب المناورات بين الأحياء والمصانع الكبرى المستهلكة للطاقة.


وأوضح الخبير، الذي رفض ذكر اسمه، أن أزمة الكهرباء الكبرى، خلال الفترة من 2011 إلى 2014 ترجع إلى توقف شركات وزارة البترول الموردة للغاز عن دفع مستحقات شركات البترول والغاز الدولية شركائها في الآبار، وساهمت حالة عدم الاستقرار الأمني في عدم قدرة الحكومة على دفع نحو 6.2 مليارات دولار، تمثل إجمالي مستحقات الشريك الأجنبي، بما دفعهم إلى وقف الإنتاج وبالتالي لم تجد كثير من المحطات وقودا للتشغيل، كما تعرضت بعضها للإطفاء التام، بما ساهم في تفاقم المشكلة. ويبين الخبير أن وزارة الكهرباء استعانت بمؤسسات دولية من ألمانيا وغيرها لعبور الأزمة حيث اقترحوا، رفع كفاءة المحطات القديمة، بما يمثل توفير 25% من قدرات التوليد المركبة بالشبكة الموحدة عام 2012، إلا أن الظروف السياسية وعدم وجود عملة صعبة حال دون تنفيذ المشروع، بما أشعر الناس بوجود أزمة كبرى، بينما كانت الحكومة تستطيع تخطيها بأسهل التكاليف.
يدلل الخبير على صدقية معلوماته، بأن عامي 2011 و2012 شهدا أعلى نسبة مبيعات للكهرباء من مصر إلى الدول العربية، مثل الأردن وقطاع غزة، وليبيا، حيث بلغت نحو 1595 ميغاوات عام 2011، و1679 ميغاوات عام 2012.
ومع حاجة هذه الدول للكهرباء واكبت حالات قطع خطوط الغاز في العريش التي توفر الغاز لمحطات الكهرباء الأردنية، والذي تدهور بعد ذلك مع الانفلات الأمني والهجوم على محطات التوليد والمحولات في العديد من المحافظات. ووصل العجز في التوليد إلى نحو 6050 ميغاوات حتى عام 2014، بما يمثل 20% من احتياجات المستهلكين، بينما بدأت الحكومة إقامة مشروعات بلغت قدراتها 30 ألف ميغاوات، أي 5 أضعاف القدرات المطلوبة، بعقود بالأمر المباشر لشركتي "سيمنز" الألمانية و"جنرال إلكتريك" الأميركية، اللذين يسيطران حاليا على 55% من سوق محطات التوليد في مصر.

الانتهاء من دعم الطاقة
تتفق رؤية الخبير المصري، مع الاستراتيجية التي وضعتها وزارة الكهرباء وقدمتها للبرلمان عام 2015 لتنفيذها، اعتمدت على رفع أسعار بيع الطاقة لكافة المستهلكين بهدف الانتهاء من دعم الطاقة، بنهاية العام المالي 2024ـ 2025، وزيادة تصدير الكهرباء، لتحصل على عملة صعبة، تسدد بها ديون القطاع.
وخططت الوزارة لجمع نحو مليار دولار سنويا من قيمة ترشيد الاستهلاك في محطات "سيمنز" سنويا، لتوظيف العوائد في دفع أقساط المحطة، بحلول عام 2024، وهو ما لم يحدث بسبب، تعويم الجنيه المصري، الذي انخفضت قيمته بنسبة زادت عن 50%، بما أدى إلى تآكل عوائد الشركات، مع ارتفاع في تكلفة الوقود والتشغيل.

مع ذلك أدت زيادة الأسعار تلقائيا إلى تخفيض استهلاك الطاقة في المنازل وقطاعات السياحة والتجارة، بصفة خاصة، ونظمت وزارة الكهرباء حملة للترشيد في الجهات الحكومية والإدارية والمنازل والمصانع استهدفت خفض إجمالي الطلب على الطاقة بنسبة 18% بحلول عام 2035 بدأت تؤتي ثمارها بنسب جيدة، وفقا لتقارير الشركة القابضة لكهرباء مصر.
وأدى تدهور قيمة الجنيه، إلى بداية ركود اقتصادي تبعه ركودا أسوأ، مع انتشار وباء كوفيد 19، تسبب في زيادة انخفاض الطلب على الطاقة، مما جعل ذروة الطلب الفعلي على الكهرباء تقل عن مستويات النمو التي حددها الحكومة من 7% إلى 5.2% سنويا. وتتوقع دراسة الاتحاد الأوروبي ألا يزيد الطلب على الطاقة في ذروته حتى عام 2040، عن 3.4% سنويا.

فوائض هائلة غير مستغلة
أدت كل الطرق إلى وجود فوائض هائلة في توليد الكهرباء تخيف المستثمرين من توجيه أموالهم في شراء محطات، ينتهي عمرها الافتراضي بعد 15 عاما، ولأن ما تنتجه فوائض غير مستغلة في ظل عدم حاجة المستهلكين إليها بالداخل ووجود مشاكل فنية وسياسية تحول دون إتمام تصدير كل الفائض عبر مشروعات الربط الكهربائي إلى الدول العربية.
كما برز عامل آخر، خاص بالتوسع في بناء محطات توليد تعمل بالرياح والطاقة الشمسية، التي وفرت نحو 3000 ميغاوات، في أسوان والبحر الأحمر، وحصول مشروعاتها على أولوية في القروض والمنح الدولية، في إطار مبادرات خفض الكربون الناتج عن المحطات الحرارية.
ويزيد الأمر سوءاً، عدم التزام الحكومة بدفع مستحقات الشركات بالعملة الصعبة، في الأوقات المتفق عليها، وفرضها تسعيرة إجبارية لموردي الطاقة الشمسية والحرارية الخاصة، بالعملة المحلية المعرضة للتأرجح، وانخفاض قيمتها الفعلية مع زيادة معدلات التضخم سنويا.

أدت كل الطرق إلى وجود فوائض هائلة في توليد الكهرباء تخيف المستثمرين من توجيه أموالهم في شراء محطات، ينتهي عمرها الافتراضي بعد 15 عاما،


وتتراوح أسعار الشراء من المحطات الخاصة، ما بين 85 إلى 105 قروش للكيلو وات، بينما متوسط سعر البيع من الشركات العامة يبلغ 120 قرشا، وفقا لأسعار عام 2020/ 2021 مما أدى على خروج 12 شركة مصرية وأجنبية من سوق إنتاج الكهرباء نهائيا.

سياسات متضاربة
أدت السياسات المتضاربة إلى إصدار اتحاد مستثمري الطاقة الشمسية "سيدا" بيانا الاثنين الماضي، يطالب فيه الحكومة الالتزام بإلغاء الرسوم الجمركية التي فرضتها بداية يناير/ كانون الثاني الحالي، على معدات الطاقة الشمسية، بزيادتها من 5% إلى 10%. ويرى أعضاء الاتحاد أن الحكومة التي تحصل على قروض دولية خضراء بهدف رفع قدرات الطاقة المتجددة، في مصر إلى 10 آلاف ميغاوات بحلول عام 2026، تتراجع حاليا عن خططها، التي تستهدف أن تصبح الطاقة المتجددة مصدرا لنحو 20% من قدرات التوليد في مصر بحلول عام 2035، بما أصاب السوق بالإحباط.
وفسر بعض الخبراء الأمر بأن الحكومة كبحت نمو المشروعات المنافسة لمحطات "سيمنز" لتفسح المجال أمام الراغبين في الشراء كي تتخلص منها على وجه السرعة، لحاجة الحكومة إلى سداد جزء من ديونها الأجنبية التي تخطت 137 مليار دولار عام 2021، مع تقديمها ضمانات بأن تشتري الكهرباء من المحطات المباعة، وفقا للأسعار العالمية، رغم عدم قدرتها على تصريف ذلك الفائض. وفي الوقت ذاته تشتري بتعريفة متعددة من المنتجين الحاليين، وحسب مراقبين، هي أمور دفعت عددا من شركات الطاقة إلى التمهل في ضخ استثمارات جديدة، لشكوكهم في نوايا الحكومة بما يخص خصخصة قطاع الكهرباء.

المساهمون