كل ما تريد معرفته عن المستثمرين الهواة الذين هزوا عروش "وول ستريت"

04 فبراير 2021
وول ستريت وقفت مذهولة أمام تمرد الهواة (Getty)
+ الخط -

يسيطر المستثمرون الهواة على عناوين الأخبار الرئيسية هذه الأيام. أشخاص عاديون وبعضهم محنك، دخلوا لعبة التداول بالأسهم والعملات في "وول ستريت"، وأرعبوا حيتانها.

يتلاقون علانية في موقع "ريديت" للتواصل الاجتماعي، يختارون المنتج أو الشركة التي يريدون رفع سعرها، ويدخلون كمجموعة منظمة لشراء أسهمها.

لا يدفعون الكثير، بعضهم لا يستثمر أكثر من 100 دولار، ولكن عددهم الكبير يراكم الأموال التي يتم ضخها، ويخلق حركة تصاعدية لعدد من يستثمر دفعة واحدة في سوق واحد محدد. فمن هم هؤلاء؟ ولماذا يقومون بهذه الحملات؟ وماذا كبدوا المستثمرين الحيتان في "وول ستريت" من خسائر؟ وما هي المنتجات والشركات التي تم استهدافها حتى اليوم؟

المستثمرون الهواة... من هم؟

في يناير/كانون الثاني من عام 2012 أسس رجل الأعمال جايم روغوزينسكي منصة  r/WallStreetBets subreddit على منتدى "ريديت" ساحة للمتداولين الأفراد، يناقشون فيها حركة الأسواق والأسهم. وغالباً تتضمن النقاشات السخرية من أصحاب المليارات في "وول ستريت"، مرفقة مع أعداد كبيرة من "الميمز".

هذه المنصة تحوّلت شيئاً فشيئاً إلى مجتمع من المستثمرين الهواة، وانتقلت منذ بداية العام الحالي إلى تنظيم حملات مكثفة للاقتصاص من حيتان "وول ستريت" دعماً لشركة هنا، وتحدياً لمفهوم استثماري تقليدي هناك.

عادة، تضم هذه المنصة مستثمرين شباباً، أو من الذين يريدون دخول عالم الأسهم ولكن لا يمتلكون الثروات. إلا أنها اليوم أصبحت شاغلة العالم، ترعب كبار المستثمرين والصناديق الضخمة، وتلحق بهم الخسائر.

تضم المنصة اليوم أكثر من 5 ملايين مشترك، وارتفعت المشاركات فيها أكثر من 2000%، أي من 300 إلى 6 آلاف مشاركة يومياً بين ديسمير/ كانون الأول و25 يناير/ كانون الثاني الماضي.

غالبية هؤلاء يعتبرون أن "البائعين على المكشوف" في "وول ستريت" يتلاعبون بالأسواق ويفلسون الشركات، كما يلومونهم في الأزمة المالية التي انطلقت في العام 2008 وتسببت بإفلاس آلاف الشركات وخسارة الملايين وظائفهم.

والبائعون على المكشوف هم مستثمرون يراهنون على أن السهم سوف ينخفض. يقترضون الأسهم لبيعها في السوق مع وعد بإعادة شراء تلك الأسهم في تاريخ لاحق. إذا ربحوا الرهان، فإنهم باعوا بسعر مرتفع واشتروا بسعر منخفض وحققوا الأرباح. إذا خسروا الرهان، يقومون بالتحوط من خسائرهم عن طريق شراء المزيد من أسهم الشركة التي يراهنون عليها.

كيف تبدأ الحملة؟

يدخل المستثمرون اليوم إلى منصتهم في موقع "ريديت" يناقشون حركة الشركات، ومن ثم يتم التصويت على الأسهم أو المنتج الذي يريدون دعمه، يتجه هؤلاء إلى مواقع للتداول مثل "روبن هود"، يقومون بشراء الأسهم، وينتظرون النتائج.

وعملياً، انقلبت الطريقة التي يتداول بها الناس الأسهم مع ظهور تطبيقات بدون رسوم مثل "روبن هود". أدت هذه التكنولوجيا إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على الاستثمار، مما أعطى المستثمرين حرية الوصول إلى أدوات التداول المتطورة، كما يشرح موقع "رولتكواير" التكنولوجي المتخصص.

الحملات الأولى

عرفت WallStreetBets زخماً استثنائياً، منذ الشهر الماضي، خاصة بعدما قرر المستخدمون رفع سعر سهم شركة كان أحد صناديق التحوط الرئيسية يقوم ببيعه على المكشوف، وسط رهان حيتان المال على إفلاس الشركة.

هذه الشركة هي "غيم ستوب" لبيع الألعاب، حيث توقعت شركة "سيترون ريسيرش" هبوط سهمها إلى 20 دولاراً، قام صندوق "ملفين كابيتال مانجمنت" بإعلان بيوعات ضخمة على أسهم الشركة، إذ اعتقد أنّها ستهبط، بانتظار إعادة شرائها بسعر أقل وجني الأرباح من فارق السعر.

لكن سعر السهم لم ينخفض. بدلاً من ذلك ، قفز بعد حملة المستثمرين الهواة، الذين قرروا الاستثمار بسهم "غيم ستوب" وشراءه والاحتفاظ به.

ارتفع سعر السهم أكثر من 2000% إلى 500 دولار ليعود وينخفض إلى 325 دولاراً في نهاية تعاملات 29 يناير/ كانون الثاني، وخسر البائعون على المكشوف من كبار المستثمرين مليارات الدولارات. فيما أصبحت الشركة التي حققت إيرادات بقيمة 5 مليارات دولار لفترة وجيزة العضو الأكثر قيمة في مؤشر Russell 1000 للأسهم الصغيرة، حيث بلغت القيمة السوقية ما يقرب من 30 مليار دولار  الجمعة.

بعدها نشر أحد المستخدمين على المنصة رسالة مفادها: "شركة ملفين تجني الأموال من الاستغلال والتلاعب بالأسواق وتوظيف وسائل الإعلام لصالحها. سيتذكر الملايين منا وكل شخص تأثر بانهيار 2008 كيف تعثرت الشركات التي دمرت الكثير منا".

سجلت شركة Koss Corporation وهي شركة أميركية تصمم وتصنع سماعات الرأس ارتفاعاً بنسبة 3715% بسعر سهمها خلال تداولات جلسة 25 يناير

بعد "غيم ستوب"، انطلقت الحملة إلى شركات أخرى، منها أسهم AMC، سلسلة دور السينما التي دمرها الوباء وكان وسم #SaveAMC رائجًا على "تويتر". 

كذلك، ارتفعت أسهم عشرات الشركات الأخرى، منها شركة "بلاك بيري" المصنعة للهواتف، وشركة "لاكروا سيلتزر" بعد ذكرها في "ريديت". كذا الحال بالنسبة إلى سلسلة متاجر التجزئة للملابس Express Inc التي ارتفع سعر سهمها 680% مع ارتفاعه من 1.79 دولار في 22 يناير/ كانون الثاني، إلى 13.97 دولاراً كأعلى سعر تم تسجيله خلال جلسة 27 يناير.

وسجلت شركة Koss Corporation وهي شركة أميركية تصمم وتصنع سماعات الرأس ارتفاعاً بنسبة 3715% بسعر سهمها خلال تداولات جلسة 25 يناير، مسجلة 127.45 دولاراً ارتفاعاً من سعر 3.34 دولارات في 22 يناير.

وفي توجه نحو معادن لا تعرف الكثير من الوهج التقليدي من كبار المستثمرين، قرر المستثمرون الهواة التوجه نحو الفضة، ليرفعوا سعر الأوقية إلى 30 دولاراً يوم الإثنين. لكن الثلاثاء تراجع الطلب على المعدن ليسجل هبوطاً يوم الثلاثاء بنسبة 10%، ومن ثم ارتفع الأربعاء في العقود الآجلة بما يصل إلى 3.3%.

كيف قلب الهواة السوق؟

البيع على المكشوف، وفق شرح "ياهوفاينانس" يعني أنك تبيع السهم دون امتلاكه فعلياً، فأنت تقترضه من وسيط. لنفترض أنّ سهم "غيم ستوب" كان يتداول بسعر 10 دولارات، لكنك اعتقدت أنه سينخفض ​​إلى 5 دولارات. يمكنك استعارة أسهم من "غيم ستوب"، وبيعها لمن يريد شراءها مقابل 10 دولارات، والانتظار. إذا انخفض السهم إلى 5 دولارات، فيمكنك إغلاق البيع عن طريق شراء السهم مقابل 5 دولارات بسعر السوق وإعادته إلى الوسيط الذي اقترضته منه، وتحصل على ربح قدره 5 دولارات.

أما إذا ارتفع السعر من 10 إلى 15 دولاراً مثلاً، فقد يرغب الوسيط الذي اقترضت منه، التأكد من قدرتك على سداده وطلب ضمانات. يمكن للمستثمر في هذه الحالة أن يقرر خفض خسائره، وببساطة شراء السهم مقابل 15 دولاراً وإعادته للوسيط، وإغلاق مركزه محققاً خسارة 5 دولارات في هذه العملية.

نجوم ورقابة

شجعت انتفاضة "ريديت" الكثيرين ضد حيتان "وول ستريت". الملياردير إيلون ماسك أغنى شخص في العالم، انضم إلى الحملة بتغريدات مشجعة. وقام المستثمر التكنولوجي شاماث باليهابيتيا بالدخول في اللعبة ليوم واحد، وأعلن بعدها أنه سيتبرع بالأرباح التي حققها للجمعيات الخيرية. 

وقال: "بدلاً من الهمس بين صناديق التحوط، هؤلاء الشبان لديهم الشجاعة للقيام بذلك بشفافية في أحد المنتديات. ما يثبت أن ظاهرة "مستثمر التجزئة" هذه موجودة لتبقى".

وقالت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض جين ساكي، يوم الأربعاء الماضي، إنّ وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين والفريق الاقتصادي لإدارة جو بايدن "يراقبون" نشاط سوق الأسهم. وأصدرت لجنة الأوراق المالية والبورصات بيانًا مفاده أنها على دراية بالتقلبات الأخيرة في بعض الأسهم وتعمل مع المنظمين الآخرين "لتقييم الوضع". 

باليهابيتيا: بدلاً من الهمس بين صناديق التحوط، هؤلاء الشبان لديهم الشجاعة للقيام بذلك بشفافية في أحد المنتديات. ما يثبت أن ظاهرة "مستثمر التجزئة" هذه موجودة لتبقى

وتعهدت السناتور الديمقراطية إليزابيث وارن من ولاية ماساتشوستس، عبر "تويتر"،  بإصلاحات وأصدرت الانتقادات مرة أخرى عن تأسيس وول ستريت، قائلة إنّ "نفس صناديق التحوط، وشركات الأسهم الخاصة، والمستثمرين الأثرياء الذين استاءوا من تداولات غيم ستوب تعاملوا مع سوق الأسهم مثل الكازينو الشخصي لهم بينما يدفع الجميع الثمن".

ويوم الخميس، حظر موقع "روبن هود"، تطبيق التداول الشهير المجاني المستخدمين من شراء أسهم GameStop وAMC وBlackberry وغيرها، وقد قوبل ذلك بدعوات لمقاطعة التطبيق على "ريديت". ولكنه ما لبث أن عاد لاستقبال المتداولين مع تشديد القيود على عدد من الأسهم، ما اعتبره متداولو "ريديت" رضوخاً لرجال الأعمال و"القطط السمان" في "وول ستريت".

وقالت عضوة الكونغرس الديمقراطية ألكسندريا أوكاسيو كورتيز إنّ "على المنظمين أن يفحصوا ما إذا كان منع المستثمرين الأفراد من شراء المزيد من أسهم "غيم ستوب"، في حين أن تحركات تداول صناديق التحوط غير مقيدة. لم يكن ذلك عادلاً في الأساس".

أرباح الهواة وخسارة "التحوط"

نشر أحد مستخدمي "ريديت" على الأقل أنه سدد آلاف الدولارات في شكل قروض طلابية من خلال مكاسبه على "غيم ستوب". 

وقال أحد أعضاء "وول ستريت بيت" البارزين إنه حوّل استثمارًا بقيمة 50.000 دولار في "غيم ستوب" إلى 22 مليون دولار، معظمها في الأسابيع القليلة الماضية. غرّد كيفين روز مراسل "نيويورك تايمز"، متحدثاً عن شاب لم يصل إلى مرحلة البلوغ، كسب 15000 دولار من "غيم ستوب" من خلال التداول على تطبيق الاستثمار الخاص بشقيقه. 

وخسر العديد من المستثمرين الكبار ملايين الدولارات، أما شركة "ميلفين كابيتال"، وهي شركة استثمارية راهنت بشدة على انخفاض أسهم "غيم ستوب"، ففقدت حوالي 50% من أموالها، وانسحبت من المعركة بعد أن تكبّدت هذه الخسارة الفادحة.كان على صناديق التحوط الأخرى أن تأتي وتساعد "ملفين كابيتال" بخطة إنقاذ بقيمة 2.75 مليار دولار .

ماذا عن اليوم؟

يراهن الكثير من المحللين على أن ما يحدث في وول ستريت ليس سوى فقاعة قصيرة المدى. فقد شهد سهم "غيم ستوب" هبوطاً حاداً، خلال الأيام الماضية. تراجعت أسهم شركة "غيم ستوب"، بنسبة 60% يوم الثلاثاء، ليعود ويرتفع الأربعاء 7% إلى 96.30 دولاراً، ولا يزال أقل بنسبة 80% تقريبًا من الذروة اليومية القياسية البالغة 483 دولارًا التي تم تسجيلها خلال التداولات في جلسة يوم الخميس. وقد تم الآن محو أكثر من 27 مليار دولار من القيمة السوقية للشركة.

العديد من المفضلات الأخرى لمجتمع "ريديت"، ارتدت أسعار أسهمها أيضاً، على الرغم من ارتفاع AMC قليلاً إلى 8.66 دولارات في تداولات الأربعاء.

قال يواكيم كليمنت، المحلل الاستراتيجي في Liberum، في تعليقات عبر البريد الإلكتروني، لوكالة "بلومبيرغ": "أعتقد أنّ ما نراه في غيم ستوب في الوقت الحالي هو قفزة قطة ميتة". قد يعود مستثمرو التجزئة إلى الأسهم ويتوقعون أن تصل إلى أعلى المستويات القديمة المحققة الأسبوع الماضي. ولكن مع انخفاض أسعار البيع كثيرًا عن الأسبوع الماضي، أعتقد أنه سيكون من الصعب جدًا حدوث ضغط قصير آخر في هذا السهم الآن".

المساهمون