في وقت يتصاعد التضخم في أوروبا وتهز الرياح الجيوسياسية غير المؤاتية التكتل تأمل كرواتيا أن يجلب تحولها إلى اليورو بعض مظاهر الحماية للدولة البلقانية في عالم تسوده حالة من عدم اليقين.
في الأول من كانون الثاني/ يناير ستودّع كرواتيا عملتها، كونا، لتصبح العضو العشرين في منطقة اليورو.
وسجّلت كرواتيا التي انضمت إلى الاتحاد الأوروبي منذ نحو عقد معدّل تضخّم سنوياً بلغ قرابة 13 في الم ئة في أيلول/ سبتمبر فيما بلغت نسبته 10 في المائة في منطقة اليورو.
وفي الفترة ما قبل التحول إلى العملة الأوروبية الموحّدة، لم تنفك السلطات عن التحدّث عن مزايا اعتماد اليورو للبلاد البالغ عدد سكانها 3,9 ملايين نسمة.
وقالت آنا سابيتش من البنك الوطني الكرواتي إن "اليورو يجلب المرونة"، مجادلة بأن زغرب ستتمكن، إذا لزم الأمر، من الحصول على شروط اقتراض أفضل وسط الأوقات الاقتصادية الصعبة.
ومنذ يوليو/ تمموز، شرع البنك المركزي الأوروبي في سياسة تشدد نقدي فيما يحاول كبح جماح التضخم المتسارع الناجم عن ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء الذي سببته الحرب الروسية في أوكرانيا.
ويعتبر محلّلون أن دول أوروبا الشرقية في الاتحاد الأوروبي التي لديها عملات من خارج منطقة اليورو، مثل بولندا والمجر، كانت حتى أكثر عرضة لارتفاع التضخم.
وقال غوران سارافانيا، كبير الاقتصاديين في غرفة التجارة الكرواتية، إنها "في الواقع لحظة مثالية للتحوّل إلى اليورو".
وأضاف أنه "عندما تهيمن حالة كبرى من عدم اليقين على الاقتصاد العالمي، من الأفضل دائماً لاقتصاد صغير ومنفتح مثل كرواتيا أن يكون جزءاً من اتحاد أكبر مثل منطقة اليورو".
كذلك، الشركاء التجاريون الرئيسيون لكرواتيا موجودون في منطقة اليورو، في حين أن قطاع السياحة الذي يمثل 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد تنشّطه أعداد كبيرة من الزوار الأوروبيين.
كما أنّ الكرواتيّين اعتمدوا اليورو إلى حد كبير، بحيث إن 80 في المائة من ودائعهم المصرفية باليورو.
وهم سعّروا أغلى ممتلكاتهم مثل السيارات والشقق باليورو، ما يدل على عدم ثقتهم بالعملة المحلية التي يعود تاريخها إلى يوغوسلافيا السابقة التي كانت واقعة في قبضة تضخم مرتفع قبل تفككها.
وخلال الحقبة اليوغوسلافية وبعد استقلال كرواتيا في عام 1991، تم تقييم العقارات بالمارك الألماني حتى ظهور اليورو قبل عقدين.
آمال ومخاوف
وقال رومان، وهو خبير اقتصادي من زغرب رفض ذكر اسمه الكامل، إن "الحياة ستكون أسهل. نحن نحتسب كل شيء باليورو في أي حال".
من جهته، رفض ميلان باتور وهو صيدلاني متقاعد، مخاوف الأشخاص الذين يخشون أن يستغل بعض التجار التحول إلى اليورو لتدوير أرقام الأسعار صعوداً.
وقال باتور إنها "أسباب أخرى، مثل الحروب والنقص في المواد، التي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار. لا يمكننا إلقاء اللوم على اليورو في كل شيء".
لكنّ البعض ما زال قلقاً من تعرضه لضربة مالية جراء هذه الخطوة، وقالت زدرافكا أنتونيتش، وهي بائعة أزهار في أحد أسواق زغرب، إن "التوقيت ربما لم يكن مثالياً، ربما كان بإمكاننا تأجيل ذلك قليلاً نظراً إلى الوضع في العالم".
وأضافت "الناس قلقون أصلاً بشأن الطريقة التي سينتهي بها كل ما يحصل، واليورو يزيد فقط من حالة عدم اليقين".
منذ مطلع أيلول/ سبتمبر، توضع على باقات الأزهار، مثل السلع والخدمات الأخرى، الأسعار بالعملتين، مع معدل تحويل حددته بروكسل عند 7,53 كونا لليورو الواحد، وسيبقى هذا النظام سارياً طوال العام 2023.
وقالت بائعة الخضر آنا بريكيتش إن "الدولة التي لديها عملتها الخاصة تكون أكثر استقلالية. لكن عندما انضممنا إلى الاتحاد الأوروبي، قبلنا التداول باليورو أيضاً".
واحتجّت مجموعات معارضة يمينية ومحافظة على اعتماد العملة الجديدة، قائلة إن الكونا تمثّل رمزاً مهماً للهوية الوطنية، مشيرة إلى أن اليورو يفيد فقط دولاً أكبر مثل ألمانيا وفرنسا.
لكنّ محاولة أجريت العام الماضي لتنظيم استفتاء على مستوى البلاد للطعن في اعتماد اليورو باءت بالفشل.
ويتخوّف بعض الكرواتيّين من أنه بمجرد اعتمادهم اليورو، فإن الحقيقة الصارخة لمدى فقرهم مقارنة بالعديد من مواطني الدول المجاورة في الاتحاد الأوروبي، ستبرز أكثر.
وبحسب آخر إحصاء ليوروستات نُشر في عام 2018، كان متوسط الراتب الشهري في كرواتيا 1179 يورو فقط مقارنة بأكثر من 2300 يورو في الاتحاد الأوروبي.
ويتلقى حوالي 300 ألف متقاعد كرواتي معاشاً تقاعدياً شهرياً بالكاد يبلغ 260 يورو.
وقالت آنا كنزيفيتش، مديرة الجمعية الوطنية لحماية المستهلك، "سيثير ذلك شعوراً بالفقر والبؤس".
(فرانس برس)