كبح الريال اليمني: إجراءات البنك المركزي دونها عقبات تنظيمية

30 أكتوبر 2021
داخل البنك المركزي اليمني في عدن (صالح العبيدي/ فرانس برس)
+ الخط -

تتوالى قرارات وإجراءات البنك المركزي اليمني في عدن للسيطرة على سوق الصرف وكبح انهيار الريال، المصدر الرئيس لغالبية هذه الأزمات الاقتصادية المتفجرة، لكن دون جدوى. إذ تمتنع الأسواق عن تقبل التدخلات الحكومية المتصاعدة والمكثفة لاحتواء الفوضى الحاصلة في السوق النقدية وانهيار سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية.

ويرى الخبير المالي والاقتصادي مطهر العباسي، نائب وزير التخطيط والتعاون الدولي السابق، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الإجراءات المتخذة من قبل البنك المركزي في عدن خطوة مقبولة، وإن كانت متأخرة، لكن يجب عليه في الوقت ذاته أن يمارس دوره الرقابي بقوة وبفاعلية أكثر على البنوك والصرافين حتى يعطي رسائل قوية لسوق الصرف، وللصرافين، والبنوك، والتجار.

ويشير العباسي إلى أن هناك إجراءات يجب تنفيذها، مثل إيقاف طباعة النقود والامتناع عن تمويل الحكومة من النقود المطبوعة، وإلزام الجهات والمحافظات المسؤولة عن تصدير النفط وإنتاج الغاز بتوريد العوائد بالدولار والريال إلى البنك المركزي، إضافة إلى إلزام الجهات الإيرادية في المحافظات، مثل الضرائب والجمارك في الموانئ وعلى المنافذ البرية، بتوريد الحاصلات إلى البنك المركزي وعدم الاستحواذ عليها، إلى جانب إجراءات أخرى تتعلق بإمكانية الحصول على وديعة بالدولار من دول التحالف، بحيث لا تقل عن ثلاثة مليارات دولار، لدعم الإجراءات الاستيعابية. ويبين العباسي أن هذه الإجراءات يجب تنفيذها كحزمة واحدة، في هذه الحالة يمكن السيطرة على تدهور قيمة العملة المحلية وكبح تصاعد الأزمات في البلاد.

تمتين دور "المركزي"

وأصدر البنك المركزي في عدن أخيراً تعميماً بشأن منع التجار من فتح حسابات لدى الصرافين، ويؤكد العباسي على أهمية هذا الإجراء لترميم الثقة بالمصارف، وإن كانت خطوات البنك المركزي بطيئة للغاية. ولنجاح ذلك لا بد، وفق العباسي، من أن تعاد الثقة بالبنك المركزي في قدرته على تحقيق استقرار سعر الصرف ليكون المقرض والملاذ الأخير للمصارف التجارية، "وإذا لم يحدث ذلك ستظل شركات الصرافة هي ملاذ التجار والشركات للحصول على النقد الأجنبي وتسهيل تجارتهم مع الخارج، وسيزداد وضع المصارف سوءاً".

وأصبحت شركات الصرافة تقوم بمهام المصارف واختصاصاتها في قبول الودائع من التجار وفي تقديم القروض والتسهيلات لتمويل التجارة والاستيراد، وهو ما يخالف قانون تنظيم الصرافة في اليمن. وكان البنك المركزي اليمني في عدن قد أهاب، الأسبوع الماضي، بكافة التجار والمواطنين عدم فتح حسابات أو الاحتفاظ بالأرصدة لدى الصرافين، وتوخي الحذر من الاحتفاظ بأي حسابات أو أرصدة تحت أي مسميات لدى شركات ومنشآت الصرافة، بحسب متطلبات قانون تنظيم أعمال الصرافة، وذلك تجنباً لأي مصادرة أو تجميد لأي مبالغ قد تكون مودعة لدى شركات ومنشآت الصرافة يتم اكتشافها عند التفتيش والنزول الميداني من قبل فريق الرقابة والتفتيش التابع للبنك المركزي خلال الفترة المقبلة.

كما أتبع البنك ذلك بتعميم موجه إلى كافة شركات ومنشآت الصرافة العاملة في الجمهورية اليمنية، مفاده الربط الشبكي لأنظمة الصرافين الآلية بالمركز الرئيسي للبنك المركزي اليمني في عدن، مع منح البنك صلاحيات كاملة للاطلاع على كافة بيانات العمليات التي تجريها شركات ومنشآت الصرافة، على أن يتم استكمال الإجراءات خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول الحالي.

تعاميم تنظيمية

ويؤكد البنك المركزي اليمني أن الربط الشبكي بنظام الصرافة مع البنك المركزي يعتبر أحد الاشتراطات اللازمة لتجديد التراخيص، ومن يخالف سيتعرض لسحب تراخيص مزاولة عمل الصرافة بصورة نهائية. وأتبعه بتعميم آخر موجه إلى شركات ومنشآت الصرافة بالامتناع عن التعامل مع 8 شبكات للحوالات المالية، من ضمنها شركة النجم، واسعة الانتشار.

وقال البنك إن ذلك يأتي نتيجة عمليات التفتيش الميداني التي قام بها، واستناداً إلى القوانين والقرارات النافذة المعمول بها في اليمن لتنظيم أعمال الصرافة. ولفت البنك المركزي إلى ضرورة الالتزام بالقانون وبتعليمات البنك النافذة، مهدداً باتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين.

وفي هذه الأثناء، تواصل العملة المحلية تدهورها في اليمن ملقيةً بالمزيد من التبعات والأزمات المعيشية الكارثية على المواطنين، من ارتفاع أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية وزيادة رسوم الحوالات المالية الداخلية إلى مستويات قياسية تتجاوز 60 في المائة.

وتستمر الأزمات الاقتصادية المتفاقمة في اليمن بتشديد الخناق على معيشة اليمنيين الذين يواجهون تبعات يومية قاسية لم يعد باستطاعة كثيرين منهم تحملها، في ظل إجراءات حكومية عاجزة عن إحداث اختراق في هذه الأزمات المتتالية والمتراكمة.

وفي الوقت الذي تشهد فيه محافظة مأرب النفطية، وسط اليمن، معركة عسكرية شرسة يعتبر مراقبون أنها فاصلة في مسار الحرب الدائرة في البلاد منذ ما يقارب سبع سنوات، تمضي الحكومة في مسار آخر يختلف عما يدور في مأرب، إذ خلص اجتماع عقدته مع سفراء بعثة ودول الاتحاد الأوروبي إلى دعم الاتحاد الأوروبي للحكومة في مواجهة التحديات والأزمات الاقتصادية والإنسانية التي يواجهها اليمن.

تبديد الإيرادات

وينتقد أستاذ الاقتصاد بجامعة عدن أمين علي حسن الإجراءات التي وعدت الحكومة بتنفيذها، واعتبر أنها ذهبت أدراج الرياح كونها غير ذات نفع، لأنها لم تكن مسنودة بتمكين البنك المركزي في عدن والحكومة نفسها من القيام بوظائفهما.

إذ إن إيرادات الدولة، وفق حديثه لـ"العربي الجديد"، يجب أن تورد إلى البنك المركزي، لكن هذا لا يحصل، حيث إن إيرادات المناطق التي تسيطر عليها الحكومة لا تذهب إلى البنك المركزي، الذي يفتقد لمعظم أدواته التي من خلالها يستطيع ممارسة سياساته النقدية.

ويردف أن إيرادات النفط والغاز على سبيل المثال لا تذهب إلى البنك المركزي، بل إلى حسابات مفتوحة في الخارج، إضافة إلى أن بوابة الاستيراد مفتوحة على مصراعيها "وكان الأحرى إيقاف استيراد كل السلع الكمالية وتقنين استيراد السلع الأساسية"، وفق تعبيره.

كما أن هناك العديد من المشاكل التي يصعب حصرها في هذا المجال، والتي بدورها تضع تعقيدات أمام الحكومة وتعرقل تنفيذ سياسات مالية تهدف إلى الحد من التقلبات في سعر صرف العملة المحلية. ويستخلص حسن أن عدم قدرة الحكومة والبنك المركزي اليمني في عدن على رسم وتنفيذ سياسات مالية ونقدية منسجمة ومتناغمة مع حركة النشاط الاقتصادي، جعل من مختلف الإجراءات المعلن عن تنفيذها غير مجدية وليس لها أي أثر في كبح هذا الانهيار المتواصل في العملة المحلية.

المساهمون