كابوس الديون الأوروبية يتربّص بزعماء القارة الجدد

08 يوليو 2024
زعيم حزب العمال البريطاني كير ستارمر وزوجته في لندن، 5 يوليو 2024 (جاستن تاليس/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **صعود اليمين وأزمة الديون**: شهدت أوروبا صعوداً لليمين وسط أزمة معيشية خانقة، مع ارتفاع الدين العام وتكاليف الاقتراض في فرنسا والمملكة المتحدة.
- **برامج الأحزاب وتحديات العجز المالي**: اقترح اليمين في فرنسا تخفيضات ضريبية، بينما قدم اليسار أجندة طموحة. في المملكة المتحدة، يعتزم حزب العمال زيادة الإنفاق على الخدمات العامة، مما أثار قلق المستثمرين.
- **الوضع المالي في أوروبا والولايات المتحدة**: ارتفعت نسبة الدين العام في الاقتصادات المتقدمة منذ 2019، مع تجاوز عجز الموازنة مستويات ما قبل كورونا، مما يعكس تحديات مالية كبيرة.

اقتحم اليمين بقوة مكاتب صنع القرار في عواصم أوروبية رئيسية على وقع أزمة معيشية خانقة لغالبية الناخبين، نتيجة استفحال الغلاء وانهيار القدرات الشرائية لشرائح واسعة من مجتمعاتهم. ولعل من أكثر التحديات شدّة التي ستواجه الزعماء الجدد ووزرائهم وفرق عملهم، التصدّي لزلزال الديون الجامحة الذي تلوح أمواجه العاتية في الأفق.

فالدين العام يقترب سريعاً من أعلى مستوياته على ضفتي القناة الإنكليزية، حيث كان الناخبون يقترعون لبرلمانات جديدة تمثلهم في فرنسا والمملكة المتحدة، حيث مستويات الإنفاق الحكومي وعجز الموازنة نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي أصبحت أعلى بكثير مما كانت عليه ما قبل جائحة كورونا. وفيما لا يزال النمو الاقتصادي باهتاً، ارتفعت تكاليف الاقتراض، كما ارتفع الطلب على موارد الخزانة العامة، من الدفاع إلى معاشات التقاعد ومخصصات الشيخوخة.

وفي هذا الصدد، نقلت "وول ستريت جورنال" في تقرير معمّق حول أزمة الديون، يوم الأحد، عن اقتصاديين قولهم إن كل هذا يعني أن الانضباط المالي المتمثل بتقليل الإنفاق أو زيادة الضرائب سيكون ضرورياً في هذه المرحلة، في حين أن الساسة الفائزين في الانتخابات لم يجهّزوا الناخبين لتقبّل مثل هذه التوجّهات. وعلى العكس من ذلك، شملت برامجهم وخطاباتهم الانتخابية خطط إنفاق جديدة وجريئة.

في فرنسا، اقترح حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، صاحب أغلبية المقاعد في البرلمان، تخفيضات ضريبية واسعة النطاق، مع تراجع مسؤولي الحزب في الآونة الأخيرة عن بعض الوعود. أما الجبهة الشعبية الجديدة، وهي التحالف اليساري، فلها أجندة أكثر طموحاً تتضمن تجميد الأسعار وزيادة كبيرة في الحد الأدنى للأجور، الأمر الذي يتطلب زيادة الدعم والرواتب والحد من الاعتماد على الضرائب.

لكن أي حزب فرنسي لم يناقش كيفية خفض العجز العام الذي ناهز 5% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، الأمر الذي أدى إلى فرض إجراءات تأديبية بحق باريس من جانب الاتحاد الأوروبي. وكان لافتاً ارتفاع عائدات السندات الحكومية الفرنسية في الأسابيع الأخيرة، حيث استجاب المستثمرون بقلق إزاء احتمال لجوء فرنسا بقوة إلى سوق الاقتراض، وذلك بعدما خفضت وكالة "ستاندرد أند بورز" العالمية، في مايو/ أيار الماضي، تصنيفها الديون السيادية الفرنسية إلى "إيه إيه ناقص" (AA-).

وعلى الضفة الأُخرى في المملكة المتحدة، أشار حزب العمال الفائز بأغلبية تاريخية إلى أنه يعتزم إنفاق المزيد على الخدمات العامة، بما في ذلك الخدمة الصحية الوطنية، رغم أن مقترحاته الملموسة كانت متواضعة حتى الآن، علماً أنه في الآونة الأخيرة، اتهم "معهد الدراسات المالية" (IFS)، وهو مؤسسة بحثية في لندن، الأحزاب الرئيسية كافة، بما في ذلك حزب العمال نفسه، بالتهرّب من الخيارات الصعبة في البيانات الرسمية الصادرة عن مسؤوليه خلال الحملة الانتخابية.

هنا تنقل "وول ستريت جورنال" عن كبيرة الباحثين الاقتصاديين في المعهد، إيزابيل ستوكتون، توقعها "أن يكون النمو مخيّباً للآمال تماماً" و"أن تظل فوائد الديون مرتفعة"، معتبرة أن "هذا المزيج يبدو أسوأ من أي برلمان آخر في تاريخ المملكة المتحدة بعد الحرب".

الديون والعجز بالأرقام

في تفاصيل الأرقام، ارتفعت نسبة الدين العام في المملكة المتحدة إلى 104% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، صعوداً من 86% عام 2019 و43% في 2007. وفي فرنسا، ارتفع الدين الوطني إلى 112% من الناتج المحلي الإجمالي، من 97% في عام 2019 و65% في 2007، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي.

أما عجز الموازنة العامة فقد تجاوز مستويات ما قبل كورونا بمقدار ثلاث نقاط مئوية (3%) في جميع الاقتصادات المتقدمة الرئيسية، وفقاً لشركة "كابيتال إيكونوميكس" التي قال كبير الاقتصاديين فيها، نيل شيرينغ، إن ذلك يعكس جزئياً ارتفاع مدفوعات الفائدة، لكنه يعكس في الوقت نفسه زيادة الإنفاق الذي لم يعد مرتبطاً بوباء كورونا، مضيفاً: "ليس هناك مجالاً وافراً لتوسّعات مالية كبيرة".

حتى ألمانيا التي عادة ما تكون نموذجاً لما تسميه الصحيفة "الحكمة المالية"، فقد وقعت في فخ عجز مالي كبير في موازنتها، في تدهور واضح عن الفوائض المحققة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وبعد أشهر من المفاوضات الصعبة، أعلن الائتلاف الثلاثي المنقسم بزعامة المستشار أولاف شولتز، يوم الجمعة الماضي، الاتفاق أخيراً على صفقة موازنة العام المقبل، بما يشمل قواعد اقتراض صارمة مع توفير بعض التدابير لتنشيط النمو الاقتصادي الفاتر وتعزيز الإنفاق العسكري.

ورغم العجز الهائل في إيطاليا، تجنبت رئيسة الوزراء جيورجيا ميلوني، من حزب إخوان إيطاليا الشعبوي اليميني المتطرف، حتى الآن، ثورة المستثمرين من خلال تخفيف خطط الإنفاق وتبنّي لهجة تصالحية تجاه بروكسل التي أعلنت أن إيطاليا، مثل فرنسا، تنتهك المبادئ التوجيهية للعجز. لكن مثال ميلوني قد لا يمثل ما يحدث إذا تولى الشعبويون مناصبهم في أي بلد آخر. فقد وجدت دراسة أُجريت عام 2023 على 51 رئيساً ورئيس وزراء شعبوياً بين عامي 1900 و2020، أنهم يميلون إلى التعثر اقتصادياً.

وخلص الباحثون مانويل فونكي وموريتز شولاريك وكريستوف تريبيش من "معهد كيل للاقتصاد العالمي"، وهو مركز أبحاث ألماني، أنه على مدار 15 عاماً، انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي والاستهلاك بأكثر من 10% في ظل الحكومات الشعبوية مقارنة بالحكومات غير الشعبوية، بينما انخفضت أعباء الديون، كما اتجه التضخم إلى الارتفاع.

الديون الأميركية... أسوأ

وضع الديون في الولايات المتحدة أسوأ منه في أوروبا. فقد ارتفع دينها العام إلى 123% من الناتج المحلي الإجمالي من 108% عام 2019، وفقاً لمقياس واسع النطاق لصندوق النقد الدولي. وارتفع الدين الفيدرالي المملوك للقطاع العام من 78% إلى 97% في الفترة نفسها.

ومع ذلك، لم يُعطِ أي من المرشح الرئاسي الجمهوري المفترض دونالد ترامب والرئيس الديمقراطي جو بايدن الأولوية لتقليص هذه النسبة، كما لا توجد ضغوط سياسية تُذكر للتحرّك على هذا الصعيد.

المساهمون