قيود الواردات وتهاوي الجنيه يقوّضان سوق الطاقة المصري

02 نوفمبر 2022
تذبذب الجنيه أفقد الموردين والمقاولين قدرتهم على البدء في عقود جديدة (العربي الجديد)
+ الخط -

حضرت الشركات والمدعوون بينما المنتجات تنتظر الفرج، هكذا عبّر كثير من العارضين عن حالهم في ختام معرض ومؤتمر "مصر لقيادة الطاقة" الذي أنهى أعماله في القاهرة اليوم الأربعاء، بعد ثلاثة أيام استهدف خلالها التعرف على أحدث تقنيات الطاقة ونقلها وتوزيعها، ودعم الطاقة النظيفة، وتمويل الشراكة بين القطاعين العام والخاص. 

التقى أكثر من 6000 خبير من عدة دول عربية وأجنبية، لبحث الفرص الاستثمارية في قطاع يُعد الأكثر تنوعا وقيمة في المنطقة. 

شهد المعرض إقبالا ضعيفا من الجمهور، مما دفع بعض العارضين إلى إغلاق أجنحتهم مبكرا عن موعد الإغلاق. سيطرت الأجواء غير المستقرة للجنيه واستمرار القيود التي فرضها البنك المركزي على استيراد مستلزمات الإنتاج من الخارج، على أجواء المعرض. 

جاء المعرض الذي يُعقد سنويا، فرصة لدعم المنتج المحلي، حيث حرصت شركات صناعة مستلزمات الإضاءة وشبكات التوزيع والمحولات، التي تنتج بالتعاون مع مصانع أوروبية وأميركية وصينية وهندية، على التواجد بكثافة.

جاءت شركات بولندية وألمانية جديدة تستكشف أجواء السوق، ويتفق الجميع على أن استمرار الإجراءات البنكية الحالية لن يأتي للصناعة بخير.

قال عارضون لشركات تصنيع كبيرة، حضرنا بمنتجاتنا أملا في عقد صفقات، والتقينا بكثير من مديري المشتريات، ولكن الشركات الحكومية والخاصة الكبرى والموردين المحليين لم يحضروا، بما يظهر دخول الأسواق في حالة من الركود.

تهاوي الجنيه يقلق المستثمرين

ألقى المهندس يحيى العدوي، مدير عام شركة تعمل في أنظمة الطاقة الشمسية، باللوم على حالة عدم استقرار العملة الأجنبية وشحها من الأسواق، الأمر الذي يدفع كثيرا من كبار المقاولين إلى التقاط أنفاسهم والتفكير عدة مرات قبل الشروع في تنفيذ مشروعات جديدة. 

معرض الطاقة في مصر (العربي الجديد)
المعرض فرصة سنوية لدعم المنتج المحلي وإجراء التعاقدات الجديدة

أكد العدوي أن تذبذب سعر الجنيه، أفقد المصنّعين والموردين والمقاولين قدرتهم على البدء في عقود جديدة، لعدم معرفتهم بنهاية القاع الذي سيصل إليه الجنيه في المرحلة المقبلة، أمام الدولار والعملات الصعبة، ولا يقدرون في الوقت نفسه على التخطيط لشراء مستلزمات إنتاجهم من الخارج، لعدم التزام البنوك بتوفير الدولار للمصانع، وفقا للتعهدات التي أصدرها البنك المركزي والحكومة، الأسبوع الماضي.

يتعلق العدوي ببصيص من الأمل في المستقبل القريب، بينما تقسم مهندسة عارضة لمنتجات طاقة شمسية، في حوار لـ"العربي الجديد"، بأنها تقدمت لشراء مستلزمات الخلايا الشمسية، في حدود 100 ألف دولار، لتضمن استكمال تصنيع منتجاتها المتخصصة في توليد الطاقة للمزارع والمناطق الصحراوية والجديدة، ولم يردّ البنك على طلبها، رغم حاجتها الملحّة منذ عدة أشهر لاستيراد معدات دقيقة لا تنتج محليا، ولكنها تعطل دورة الإنتاج بالكامل.

أوضح مصطفي برهامي، مدير مبيعات في شركة صاعدة للإنتاج المحلى لشبكات التوزيع، تعتمد على تقنية النانو تكنولوجيا في حماية المعدات الكهربائية، ورفع مقاومتها للحرائق والتلف، على الجهود المتوسطة والصغيرة، أن تذبذب سعر الصرف يؤثر على منتجات جميع الشركات. مستشهدا بشركته التي تنتج 90% من مكونات الإنتاج محليا، ومع ذلك تستورد "بارات" قواطع الألمنيوم والنيكل، وأجزاء الحماية الدقيقة والدهان الواقي من الصعق الكهربائي، من الخارج.

وأعرب مصطفي حسن، مدير بشركة الكابلات المصرية التي خرجت من عباءة قطاع الأعمال العام مؤخرا، عن أمله في أن تحل الحكومة مشكلة نقص الدولار للمصانع، مشيرا إلى أن الشركة التي دخلت في مشروع عدادات الكهرباء الذكية، تستورد أغلب مكوناتها من الصين، بما يجعلها في حاجة ماسة إلى توافر العملة الصعبة، خاصة أن وزارة الكهرباء الداعمة للمشروع تعاني حاليا من زيادة سرقات التيار الكهربائي، لعدم وجود العدادات الكافية والذكية التي تمنع التلاعب وتراقب أداء المستهلكين. 

البنوك تشتري الدولار ولا تبيعه

وعلى صعيد متصل، استقر سعر الصرف على الدولار في البنوك المحلية عند 22.25 جنيه.

وتشتري البنوك الدولار والعملة الصعبة ولا توفرها للجمهور، وفق تجربة قام بها مراسل "العربي الجديد" في عدة بنوك حكومية وخاصة، خلال اليومين الماضيين.

وتشترط البنوك أن يكون طالب الدولار أو الريال السعودي بمبالغ صغيرة، على سفر ومعه تأشيرة صالحة وتذكرة الطيران، بينما تطلب من مندوبي الشركات تسليم طلباتهم الاستيرادية وانتظار الاتصال بهم، وهو أمر لا يتم إلا مع الجهات التي لها علاقة بالتوريدات الحكومية أو الحاصلة على التصريحات الحكومية بوضع وارداتها في قائمة الأولويات، وذلك حسب الحصص التي يقررها البنك المركزي. 

وفي السياق، أجّلت لجنة السياسات النقدية في البنك المركزي اجتماعها الدوري، المقرر منذ مطلع العام، اليوم الخميس، مكتفية باجتماعها الطارئ الذي عقدته الخميس الماضي، وقررت على إثره التعويم الثالث للجنيه، الذي أفقده نحو 23٪ من قيمته، ودفعه إلى مزيد من التراجع الذي بلغ نحو 53٪ منذ مطلع العام الحالي. 

واستبق قرار لجنة السياسات انعقاد جلسة الفيدرالي الأميركي التي ينتظر أن يرفع فيها معدلات الفائدة على الدولار بنحو 75 نقطة، ليصل المستهدف على الفوائد بالدولار للاحتياطي الأميركي إلى ما بين 3.75% و4%، بما يظهر عدم رغبة البنك المركزي في مواكبة الفيدرالي الأميركي بزيادة جديدة في معدلات الفائدة على الجنيه، مكتفيا بما قرره الأسبوع الماضي، حيث زادت 200 نقطة على الودائع والإقراض. 

انفراج محدود

وفي تطور لافت، قررت وزارة التجارة والصناعة الإفراج عن بعض السلع المستوردة للاستخدام الخاص للأفراد والشركات والمصانع المستوردة، ووصلت إلى الموانئ المصرية قبل يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، من دون الحاجة إلى تقديم اعتمادات مستندية أو نموذج 4 الخاص بالواردات.

وطلبت الوزارة، في منشور وزعته أمس على الجهات المعنية، باعتبارها الجهة المنوط بها تحديد أولويات الاستيراد والسلع التي يمكن أن تمولها البنوك عبر البنك المركزي، من أصحاب تلك السلع الخاصة، تقديم التفويض للإفراج وإثبات الدفع، بما يسمح للبنوك بإصدار اعتمادات مستندية للمستورد أو إتمام عملية التحصيل المستندي.

وتعهد البنك المركزي بإلغاء العمل بنظام الاعتمادات المستندية قبل نهاية ديسمبر/كانون الأول المقبل، الذي فرضه على المستوردين منذ فبراير/شباط 2022، بما أصاب حركة الاستيراد بالشلل لجميع القطاعات الصناعية والإنتاجية والخدمية، مع نقص السلع، وانتشار موجة تضخمية، من غلاء الأسعار وشح السلع في الأسواق.

وكشفت "موديز"، في تقرير صدر نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عن أن القرض الذي حصلت عليه مصر من صندوق النقد الدولي، بقيمة 3 مليارات دولار، لم يغير مستوى تقييمها من B2 سلبي، مؤكدة أن القرض المتوقع أن تحصل عليه مصر قبل نهاية العام، وحزمة التمويل الإضافي من الشركاء الإقليميين ومتعددي الأطراف بقيمة 5 مليارات دولار قبل يوليو/تموز 2023، سيواكب ذلك انخفاض متزامن في قيمة العملة وزيادة سعر الفائدة، بما يفاقم قدرة الحكومة على تحمل الديون على المدى القريب.

المساهمون