قيس سعيد ينبش في نزاعات نفطية مع ليبيا

20 مارس 2023
تونس تعاني من ارتفاع عجز الطاقة الذي يؤثر كثيراً على ميزانها التجاري (Getty)
+ الخط -

أعاد الرئيس التونسي قيس سعيد ملف اقتسام ثروات النفط مع ليبيا إلى الواجهة، بعد حديثه عن حصول بلاده على "الفتات" من حقل "البوري" الذي كان محل نزاع بين البلدين قبل أكثر من 40 عاماً وجرى حسمه عبر محكمة العدل الدولية لصالح طرابلس.

وهو ما أثار انتقادات رسمية ليبية، وجدلاً واسعاً في أوساط المتخصصين، لا سيما أن الحقل يقترب من النضوب، مشيرين إلى أن تصريحات الرئيس التونسي بمثابة شغل الانتباه عن التردي الاقتصادي والمالي، الذي وصلت إليه البلاد في عهده وتوشك على الإفلاس.

قال سعيد خلال زيارته المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية (حكومية)، الخميس الماضي، إن بلاده "لم تحصل إلا على الفتات" من حقل البوري النفطي الذي كان يمكن أن يؤمن احتياجاتهما وأكثر.

وأضاف أن تونس في عام 1977 لم تجد حلاً إلا توجيه قارب إلى المكان المتنازع عليه وتنبيه الشركة الأميركية أنها تستولي على المِلك العمومي البحري الخاص بتونس، ثم صدر قرار محكمة العدل بشأن الأمر و"لم تحصل تونس إلا على الفتات".

وأثار الحديث الرسمي التونسي عما يعرف بـ"قضية الجرف القاري" انتقادات حكومية وبرلمانية ليبية، وسط مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى أزمة مع ليبيا التي تمثل العمق الاقتصادي لتونس.

وقال وزير النفط في حكومة الوحدة الوطنية محمد عون، في تصريح عبر الهاتف مع "العربي الجديد"، إن "هذه القضية جرى الفصل فيها دولياً منذ ثمانينيات لقرن الماضي لصالح الدولة الليبية عبر حكم من محكمة العدل الدولية".

بدوره، قال رئيس لجنة الطاقة في مجلس النواب الليبي، عيسي العريبي، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الليبية "وال"، السبت الماضي، إنه "لا يمكن القبول أو السماح بالمساس بثروات ليبيا التي هي ملك للشعب الليبي تحت أي ظروف أو أي مبررات"، مضيفاً أن اللجنة تقوم بدراسة تصريحات الرئيس التونسي حول حقل البوري النفطي والجرف القاري للرد بشكل رسمي.

وخاضت الجارتان صراعاً قضائيا أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي بين عامي 1978 و1982، في خضم خلاف حول رواسب صخرية متعددة المعادن تضم كميات هائلة من البترول والغاز والثروات السمكية والمعدنية انتهت بخسارة تونس القضية وصدور حكم يمنح ليبيا حقوق استغلال حقل "البوري".

وأشارت المحكمة حينها إلى أن الحدود بين ليبيا وتونس يجب أن تتبع خطاً يبدأ من النقطة التي تلتقي فيها الحدود البرية بين البلدين بالساحل، وتمتد إلى البحر لمسافة 12 ميلاً بحرياً. بعد هذه النقطة، يجب تحديد الحدود بخط متساوي البعد بين أقرب نقطتين على الساحل الليبي وتونس. وقبلت كل من ليبيا وتونس حكم محكمة العدل الدولية وشرعتا في تنفيذه.

وحذّر خبراء اقتصاد وطاقة من أن تصريحات سعيد تأتي في إطار محاولة بعض دول الجوار إعادة فتح ملفات نزاعات الثروة النفطية، التي طويت منذ عقود، مشتغلين في ذلك وضع الأزمة السياسية في ليبيا.

وقال المحلل النفطي الليبي محمد أحمد إن "الحجة التي ساقها الرئيس التونسي حول أن هناك عمقاً أكبر في مياه خليج قابس من الناحية التونسية ولم يتم الأخذ به في المحكمة هو أمر غير صحيح"، موضحاً أن "حقل البوري يقع في المياه الاقتصادية الخالصة لليبيا".

في السياق، حذّر المحلل الاقتصادي الليبي أبوبكر الهادي تصريحات سعيد "سوف تضر التعاون الليبي التونسي المشترك"، موضحاً أن ليبيا تعتمد على استيراد المنتجات الزراعية والغذائية من تونس فضلاً عن السياحة العلاجية، وفي المقابل تعول تونس على توظيف العمالة في ليبيا.

وعلى صعيد خبراء الطاقة في تونس لم تلق تصريحات سعيد ترحيباً، إذ قال المستشار السابق في وزارة الطاقة حامد الماطري إن التحكيم الدولي قضى لصالح ليبيا، بما سمح لها بضم المنطقة النفطية للحدود البحرية والاقتصادية، مؤكداً أن الملف محسوم في كل أطوار التقاضي منذ أربعة عقود.

وأفاد الماطري في تصريح لـ"العربي الجديد" بأن منطقة حقل البوري منطقة تحت السيادة الليبية وبأن الحديث عنها يمكن أن يثير أزمة بين البلدين، إذا ما تم أخذ تصريحات الرئيس سعيد مأخذ الجد وليس في سياق الحديث عن مسار قضائي محسوم، مؤكداً أن "حقل البوري" الذي كان محل نزاع تونسي ليبي يوشك بالأساس على نهاية الاستغلال، إذ لا يتجاوز معدل إنتاجه 30 ألف برميل يومياً حالياً.

وأضاف أن "إثارة ملف حقل البوري لن تقلب معادلة الطاقة في تونس"، مشدداً على ضرورة التركيز على تحفيز الاستثمار في الاستكشافات الجديدة.

وتابع أنه "خلال السنوات الماضية خسرت تونس عملياً مئات الملايين من الدولارات سنوياً بسبب تراجع مستوى الاستثمار في الطاقة وسط مغادرة شركات كبرى للحقول نتيجة عدم استقرار الوضع الاجتماعي والسياسي في البلاد".

وتعاني تونس من ارتفاع عجز الطاقة الذي يؤثر كثيراً في ميزانها التجاري، وسجلت انخفاضاً في استقلال الطاقة (نسبة تغطية الموارد المتاحة للطلب الإجمالي)، لتستقر عند حدود 50%، مقابل 53% في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 وفق بيانات صادرة أخيراً عن مرصد الطاقة الحكومي.

وقال الخبير في قطاع الطاقة التونسي عماد الدرويش إنه "كان بإمكان تونس أن تكون في وضع أحسن من حيث الاكتفاء الذاتي، غير أن إنهاك القطاع وهروب المستثمرين خلال السنوات العشر الماضية يجعل البلاد عرضة لكل صدمات السوق وارتفاع الأسعار النفط في السوق العالمية".

وأضاف الدرويش في تصريح لـ"العربي الجديد" أن شركات الطاقة الكبرى لم تعد تبدي رغبة في الاستثمار في تونس رغم وجود مخزون مهم تحتكم إليه البلاد، يمكن أن يساعد على تحقيق الاكتفاء الذاتي.

وفي وقت سابق من مارس/ آذار الجاري أعلنت وزارة الصناعة والطاقة والمناجم عن الشروع في تنفيذ خطة بقيمة 55 مليار دينار (نحو 17.7 مليار دولار) حتى عام 2035، بهدف تطوير الموارد الأحفورية والتسريع في الاستكشافات الجديدة التي تشمل كلاً من النفط والغاز بهدف بلوغ 30 بئراً، بما يسمح بكسب نقطتي نمو وتوفير أكثر من 70 ألف فرصة عمل.

وتأتي تصريحات الرئيس التونسي حول حقل نفطي محسوم أمره لصالح ليبيا منذ عقود بمثابة شغل الانتباه عن التردي الاقتصادي والمالي الذي وصلت إليه تونس في عهده وتوشك على الإفلاس، وفق محللين.

وتشهد نسبة العائد على السندات التونسية منذ أسابيع ارتفاعاً متواصلاً، لتصل إلى مستوى 45% الشهر الجاري، وسط تعثر الاقتراض من صندوق النقد الدولي وعجز الحكومة عن تعبئة موارد مالية ضرورية لسد عجز الموازنة العامة.

وجاء الصعود الحاد في العائد على السندات بعد نحو شهرين من خفض وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني العالمية تصنيف تونس إلى درجة Caa2، التي تعني تعرض الحكومة والبنك المركزي إلى مخاطر مالية عالية، وهي نفس الدرجة التي منحتها الوكالة للبنان قبل شهر واحد من إعلانه التخلف عن سداد ديونه في مارس/ آذار 2020.

وتبلغ احتياجات تونس لسد عجز موازنة العام الجاري نحو 23.5 مليار دينار (7.5 مليارات دولار). ولتحقيق التوازن المالي يتعيّن على الدولة اللجوء إلى الاقتراض الخارجي للحصول على نحو 4 مليارات دولار، وكذلك طرح أدوات دين محلية بما يعادل 3 مليارات دولار.

ولا تزال تونس تكابد من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض بقيمة 1.9 مليار دولار مقابل حزمة إصلاح اقتصادي تواجه صداً من الأطراف الاجتماعية.

ويمثل قرض صندوق النقد طوق نجاة لتونس لتجنب سيناريوهات التخلف عن سداد الدين والذهاب إلى حلول نادي باريس، بينما يقول خبراء اقتصاد إن البلاد قاب قوسين من حلول نادي باريس وجدولة الدين الخارجي.

في المقابل، تهدف ليبيا إلى زيادة إنتاجها من النفط الخام إلى مليوني برميل يومياً في غضون ما يتراوح بين ثلاث وخمس سنوات، وفق استراتيجية أفصحت عنها المؤسسة الوطنية للنفط في فبراير/ شباط الماضي. ومنذ يوليو/ تموز 2022 يشهد إنتاج النفط حالة من الاستقرار في الدولة عند نحو 1.2 مليون برميل يومياً.

المساهمون