قوة الاقتصاد الإسرائيلي نقطة ضعفه المدمّرة

17 سبتمبر 2024
داخل بورصة تل أبيب، 8 أغسطس 2011 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تأثير الأزمات التكنولوجية**: تعاني إسرائيل من تأثيرات حادة نتيجة الأزمات التي تواجهها شركات التكنولوجيا الكبرى مثل إنتل وإنفيديا وسامسونغ، مما يهدد الاقتصاد بزيادة البطالة وخفض قيمة الشيكل.

- **الترابط بين التكنولوجيا والنمو الاقتصادي**: يشكل قطاع التكنولوجيا الفائقة جزءًا كبيرًا من الاقتصاد الإسرائيلي، حيث ساهم بأكثر من 40% من نمو الناتج المحلي الإجمالي بين 2018 و2023، مما يجعل إسرائيل عرضة لتبعات الأزمات التكنولوجية العالمية.

- **التحديات المستقبلية والقلق الإسرائيلي**: تواجه إسرائيل تحديات كبيرة في الحفاظ على مكانتها كقوة تكنولوجية عالمية، مع توقعات بتقليص خطط التوظيف وانخفاض الاستثمارات الأجنبية، مما يعرض مستقبل التكنولوجيا العالية للخطر.

قد لا تعني الأزمة الكبرى التي تمر بها شركة إنتل الأميركية الكثير للعديد من الدول في العالم. قد يقرأ العديد من الشعوب أخبار الهبوط الحاد في أسهم التكنولوجيا في الأسواق الدولية منذ يوليو/ تموز الماضي باعتبارها مجرد ثقافة عامة. قد يكون خبر تسجيل شركة إنفيديا الأميركية أكبر خسارة في تاريخ وول ستريت في يوم واحد بلا أي أثر على العديد من الاقتصادات. إلا أن هذه الأحداث تنعكس صداعاً موجعاً للإسرائيليين وأزمات حادة للشركات والاقتصاد هناك.

تعتبر "إنتل" أكبر جهة توظيف خاصة في إسرائيل، وهي جزء أساسي من الاقتصاد الإسرائيلي، وكان نشاط "إنتل" في إسرائيل مسؤولاً عما يقرب من 2% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022. وبلغت صادرات الشركة من إسرائيل ذروتها بنحو تسعة مليارات دولار قبل الحرب، أي حوالي 6% من إجمالي صادرات التكنولوجيا الفائقة هناك، وفيما تشغل مباشرة 11700 موظف في إسرائيل، إلا أن العدد يصل إلى 42 ألف موظف في القطاعات الممتدة التي تؤثر عليها الشركة. كما أن "إنتل" اشترت خدمات وبضائع من شركات محلية مقابل 3.5 مليارات دولار.

وإعلان "إنتل" وقف مشاريع ضخمة في إسرائيل تقدر بمليارات الدولارات وتسريح ألف موظف مرحلياً، له تأثير عميق في الاقتصاد الإسرائيلي. أما احتمال فشل "إنتل" في التعافي، فسيكون له أثر مدمر يطرح تساؤلات واسعة عن مدى إمكانية الشركة في رفد الاقتصاد الإسرائيلي بالمشاريع والوظائف، وبالتالي ضرب النمو وزيادة البطالة وخفض قيمة الشيكل وحرمان الخزينة من ملايين الدولارات المتأتية من ضريبة الدخل على رواتب العاملين بالتكنولوجيا.

و"إنفيديا"، التي تواجه القضاء الأميركي بتهمة الاحتكار ومن المتوقع أن تشهد إضرابات مستقبلية، زعزعت في 3 سبتمبر/ أيلول الماضي أركان وول ستريت بتسجيلها أكبر خسارة في التاريخ لشركة في يوم واحد بقيمة 279 مليار دولار. و"إنفيديا" تعتبر قاطرة توسع القطاع وأبرز داعم للتطور التقني في إسرائيل، حيث يقع ثاني أكبر مركز تطوير لشركة إنفيديا خارج الولايات المتحدة في إسرائيل. وتعمل الشركة هناك منذ عام 2016، ولديها 3300 موظف، يمثلون 13% من قوتها العاملة العالمية. وقد نمت القوة العاملة الإسرائيلية للشركة بنسبة 50% في السنوات الأربع الماضية، وتقوم بصفقات شراء وتشغيل للعديد من الشركات الإسرائيلية.

و"سامسونغ"، التي أعلنت الأسبوع الماضي عزمها على تقليص عدد موظفيها في أنحاء العالم بنسبة 30% في بعض الأقسام، كانت قد صرحت في إبريل/ نيسان الماضي عن إغلاق عمليات "سامسونغ" نيكست في إسرائيل ونقل أنشطتها إلى الخارج، وهي التي كانت قد استثمرت في 70 شركة ومؤسسة ناشئة إسرائيلية، وفقًا لمجلة التكنولوجيا الإسرائيلية CTech.

الترابط مع الاقتصاد الإسرائيلي

الأمثلة المتعلقة بتأثير أزمات الشركات التكنولوجية الكبرى على الاقتصاد الإسرائيلي متعددة. إذ إن الحصن التكنولوجي المنيع الذي يشد الاقتصاد الإسرائيلي ارتفاعاً، هو في الوقت ذاته حفرته. وفي حين أن النفط مثلاً يخنق مستقبل العديد من الاقتصادات في بؤرة التمركز والخوف المستقبلي من النضوب أو الانحراف عن الوقود الأحفوري نحو الطاقات النظيفة، فإن القطاع التكنولوجي، وإن كان قاطرة المستقبل الذكي، إلا أنه يُخضع إسرائيل لتبعية اقتصادية صارمة ظهرت خطورتها بحدة خلال السنة الحالية، وإن كان مسار التراجع قد بدأ قبل سنوات متأثراً بكورونا والحرب الروسية على أوكرانيا وأزمة التضخم العالمية وارتفاع أسعار الفائدة وأزمة سلاسل التوريد وغيرها.

اليوم، يواجه القطاع التكنولوجي مفترق طرق بعد فترة من النمو السريع، وسط توقعات بمرحلة ركود مماثلة لتلك التي حدثت بعد انفجار فقاعة الدوت كوم في عام 2001، أو ما هو أسوأ من ذلك، التحول نحو الانكماش، ما يهز أسس الاقتصاد الإسرائيلي كله. يأتي ذلك فيما تهرب الشركات الأجنبية التي تؤمن 50% من تمويلات القطاع من سوق مضطربة ومن بلد يشبه المعسكر، يترك فيه 28 ألف متخصص في التكنولوجيا وظائفهم فجأة للالتحاق بجيش الاحتياط.

القلق الإسرائيلي حقيقي، وينطلق من مؤشرات مختلفة، ففي تقييم الفترة من 2018 إلى 2023، شكلت التكنولوجيا الفائقة أكثر من 40% من نمو الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل. وهذا الترابط الشديد ما بين النمو والتكنولوجيا لا ينحصر بالنشاط التقني كقطاع اقتصادي أعزل، وإنما ينسحب على أنشطة قطاعات أخرى، وصولاً إلى التأثير على مقياس صعود البطالة أو هبوطها، حيث إن موظفي التكنولوجيا يشكلون ما يقرب من 12% من إجمالي العاملين في إسرائيل، وهؤلاء يؤمنون 32% من مدفوعات ضريبة الدخل هناك.

ويكشف تقرير هيئة الابتكار الإسرائيلية السنوي عن العام 2024 أن مساهمة قطاع التكنولوجيا الفائقة في الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل بلغت ما يقرب من الخمس (19.7%)، في عام 2023، فيما كانت حصة القطاع من الناتج في عام 1995 لا تتجاوز 6.2%. كما بلغت حصة التكنولوجيا أكثر من نصف الصادرات الإسرائيلية (53%)، العام الماضي، بإجمالي 73.5 مليار دولار، وهو رقم ثابت في السنوات الأخيرة. وعلى النقيض من ذلك، حافظت صادرات الشركات الصناعية على حجمها على مدى العقد الماضي (حوالي 20 مليار دولار سنويا).

وقد شهد الاستثمار في الشركات التكنولوجية الإسرائيلية انخفاضًا حادًا بنحو 55% في عام 2023، حيث عانت جولات التمويل اللاحقة من التأثير الأكبر. ويثير هذا الانحدار مخاوف بشأن استدامة القطاع وإمكانات نموه في المستقبل.

وقد كشفت استطلاعات الرأي التي أجريت كجزء من التقرير السنوي للهيئة بين 500 شركة تكنولوجية إسرائيلية عن مخاوف بشأن المستقبل، حيث أدت الحرب على غزة إلى تباطؤ النشاط التجاري، أو تأخير تطوير المنتجات، أو الفشل في تحقيق أهداف الشركات التكنولوجية.

وخلال أشهر الحرب، أفادت الشركات الناشئة الإسرائيلية بتقليص خطط التوظيف للعام المقبل، ومن المرجح أن تنجح 39% فقط من الشركات الناشئة التي تجمع رأس المال في تأمين الأموال اللازمة بنجاح. فيما تتوقع صناديق رأس المال الاستثماري أن تخفض الصناديق الأجنبية استثماراتها في الشركات الناشئة الإسرائيلية في العام المقبل أكثر من الصناديق الإسرائيلية. حيث إن عدم الاستقرار المحلي أدى بالفعل إلى نقل العمليات والملكية الفكرية إلى خارج إسرائيل. ووفقًا للصناديق، قد تشتد هذه الاتجاهات في العام المقبل.

كما أن الضرر الذي لحق بسمعة إسرائيل بسبب الوضع الحالي، يعرض مستقبل التكنولوجيا العالية الإسرائيلية للخطر في الأمد القريب وما بعده، والكلام هنا لهيئة الابتكار الإسرائيلية. ويعكس خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل بالفعل مخاوف المستثمرين الأجانب بشأن مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي.

ومن هذه المنطلقات، يمكن فهم ارتدادات تناقص الاستثمار في شركات التكنولوجيا الإسرائيلية من 28.2 مليار دولار في عام 2021 إلى ثمانية مليارات دولار في عام 2023، فيما أرقام العام الحالي لا تشير إلى أي نوع من العودة إلى المعدلات المحققة منذ سنتين خلتا.

المساهمون