عقدت يومي السبت والأحد، 21 و22 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، عبر الإنترنت، اجتماعات القمة الخامسة عشرة لمجموعة دول العشرين G20، برئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز. ومع أن المجموعة تأسست عام 1999، إلا أن المملكة العربية السعودية حضرت القمة لأول مرة عام 2008 في واشنطن. سبقت انعقاد هذه الدورة نداءات تدعو قادة الدول الأعضاء إلى مقاطعتها، بتحريضٍ من منظمات دولية غير حكومية، وجهات أميركية وأوروبية، بسبب ما يسمونه سجل المملكة الرسمي في مخالفة حقوق الإنسان. وتركز النقد على أمرين: قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول يوم الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018. واعتقال ناشطات سعوديات بدون محاكمة، والتركيز بالذات على لجين الهذلول، التي اعتقلت عدة مرات، ولا تزال رهينة السجن منذ شهر مايو/ أيار عام 2018. وعلى الرغم من هذه الاحتجاجات، حضر كل رؤساء الدول الأعضاء، وعددهم 19، ورئيسة الاتحاد الأوروبي، وشاركوا جميعاً عبر تطبيق "زووم"، في إلقاء كلماتهم، كما أن وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية عقدوا اجتماعات جانبية. لكن الأهم كان عقد لقاءات ثنائية بين قادة بعض الدول المتنافرة، خصوصا السعودية وتركيا، والذين أطلقوا تصريحات مشجعة على ضرورة بدء الحوار بين الطرفين.
ولم يشارك الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقوة في قمة مجموعة العشرين، وإن حضر جانباً من جلسة الافتتاح في اليوم الأول، وجلسة الأعمال في اليوم الثاني. ولكنه لم ينغمس في النقاش، بسبب انشغاله في سعيه الخائب لاستلاب الفوز من المرشح الديمقراطي الناجح جو بايدن. ولو تأملنا في الدول المشاركة كمجموع، فإنها تشكل ما يقارب 90% من الناتج الاجمالي العالمي، وحوالي 80% من تجارة العالم، و66% من سكان العالم، ونصف مساحة الكرة الأرضية. وهذه بالطبع قوة جبارة لا يستهان بها.
ولذلك ثار السؤال الأخلاقي والقانوني: هل ستكون مجموعة العشرين بديلاً عن الأمم المتحدة، وخصوصا أن الرئيس ترامب ومعه رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون، يمارسان انتقاد الأمم المتحدة ومنظماتها بشكل مستمر؟
خلال فترة إدارة ترامب، انسحبت الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومن منظمة الصحة العالمية، وقَطع ترامب المساعدات عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وساهم، في ممارساته التجارية الحمائية والإغلاقية، بأضعاف منظمة التجارة العالمية التي قامت أساساً على فكرة الانفتاح الاقتصادي الدولي.
ولكن القادة الحضور أكدوا أنهم جزء من النظام الدولي الذي تمثله، وتشكل رَمْزَهُ الأساس، منظمة الأمم المتحدة. وكذلك، فإنهم دعوا بقوة إلى إعادة النظر في ميثاق منظمة التجارة العالمية وإصلاحه، وإزالة الخلل في بنوده، خصوصا في ما يتعلق باللاتماثلية (asymmetry)، بين معاملة صادرات الدول النامية، وخصوصا الصادرات الزراعية والمواد الأولية، وصادرات الدول الصناعية الممنوحة إعفاءات أوسع.
ولا شك أن دولاً، مثل الصين والهند وإندونيسيا وتركيا والمكسيك والأرجنتين والبرازيل، صاحبة الصوت القوي داخل مجموعة الدول الـ77، سوف تثير مسألة حقوق الاختراع والملكية الفكرية، وغيرها من المسائل التي تستخدمها الدول الغربية الغنية للتنصّل من الحريات التجارية المطلوبة بموجب ميثاق هذه المنظمة. ومنذ انعقاد دورة الدوحة الهامة في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2001، وسميت "أجندة الدوحة التنموية"، لم تحقق المنظمة شيئاً مما طالبت به وتوصلت إليه من قرارات، وبخاصة في مجال تبادل السلع الزراعية. وقد فرضت جائحة كورونا نفسها على أجندة القمة، حيث اتَّفَقَتْ خطابات الرؤساء على ضرورة التصدّي لهذه الجائحة التي قَوَّضت أسس الاقتصاد لدول كثيرة، وسببت حالة انكماش اقتصادية سريعة. وأكّدوا أن هذه الجائحة عمّقت الفوارق في الدخل والثروة بين الأفراد داخل الدول، وبين الدول نفسها، وأدركوا أن استمرار الجائحة سيقود إلى نتائج وخيمة في مجالات الفقر المدقع، حيث زاد عدد الذين ينطبق عليهم هذا الوصف بنحو 150 مليون شخص، وزادت مشكلة البطالة التي طاولت مليار وظيفة دائمة، معظمها يعود للشباب وللنساء، خصوصا في الدول النامية.
ولكن القضاء على الجائحة يتطلب التعاون بين الدول، لأن بقاءها، ولو في بقعة واحدة من العالم، سوف يؤدّي إلى إعادة استفحالها. والوسيلة المثلى لذلك اكتشاف العلاج الشافي لمن يعانون منها، والأهم هو البدء في تنفيذ برنامج دولي للتطعيم بعد اكتشاف اللقاح الذي يحول دون الإصابة بالفيروس اللعين. وقدّمت السعودية مشكورة مبالغ بالبلايين للمساعدة في القضاء على هذه الجائحة. ولكن الدورة لم تنجح في وضع برنامج واضح لمساعدة الدول التي ذاقت الأمرَّين من الجائحة لاستعادة نشاطها الاقتصادي، ولا حتى في وضع تصوّر مقبول لمواجهة ارتفاع المديونية وصداعها المزمن عن كاهل الدول الفقيرة والنامية.
وهنا يبرز الدور الأخلاقي والمعنوي الذي يتحدّث عنه الجميع، ولكنه لا يجد له ترجمة في القرارات، فهنالك حروب طاحنة تفتك بملايين الناس، فماذا فعل المؤتمرون لحل مشكلات ضحايا الحروب والفتن؟ وماذا عن إنهاء الخلافات الإقليمية، ووضع الحلول السياسية العادلة للتعامل مع المعضلات في منطقتنا، من فلسطين إلى سورية والعراق واليمن وليبيا والصومال والسودان وغيرها؟
صوت الضمير ورد في كلمة ضيف الشرف في المؤتمر الملك عبد الله الثاني، الذي تحدّث عن الأردن وما يعانيه من مشكلات ناجمة عن الجائحة واللاجئين والحروب من حول بلده الأردن. ومع هذا، فإن دولة كالأردن قد تحمّلت عبئاً كبيراً، مثل لبنان الذي يعاني اقتصادُه الأمرَّين، وتركيا التي استقبلت أكثر من أربعة ملايين لاجئ. كيف تستطيع دولة كالأردن بمواردها المحدودة أن تتحمّل مسؤولية أخلاقية كهذه، وتبقى تعضّ على جراحها، والعالم في المقابل لا يكاد يقدّم شيئاَ؟ وما لم تحل مشكلة الأخلاق والسلوك العالمي، فإننا نحرث في البحر، ونبذر في الريح.