قلق بين المصريين على تحويشة العمر

27 نوفمبر 2016
بنك في مصر (باتريك باز/فرانس برس)
+ الخط -
أتفهّم حالة القلق التي تسيطر على عدد من أصحاب المدخرات المودعة لدى البنوك العاملة في مصر، وأتفهم كذلك حالة الذعر التي تنتاب قطاعاً كبيراً من المدخرين عقب فقدان العملة المحلية 100% من قيمتها مرة واحدة، بداية شهر نوفمبر الماضي، وأكثر من 130% في أقل من عام.

أدرك أن هؤلاء المدخرين باتوا قلقين بشدة على ودائع بالبنوك تتجاوز قيمتها تريليونا جنيه، وكانت قيمتها قبل أقل من شهر تعادل 225.2 مليار دولار، وفجأة وبلا مقدمات تنخفض القيمة إلى 111 مليار دولار، القلق ليس بسبب خوف هؤلاء المودعين من مصادرتها ووضع الحكومة يدها عليها كما زعم البعض، ولكن بسبب تآكلها المتواصل بفعل التضخم وتهاوي العملة المحلية.

أتفهم ذلك القلق الشديد بين المدخرين رغم ضمان البنك المركزي القانوني والعملي والتاريخي لأموال المودعين في كل البنوك العاملة في مصر سواء كانت مصرية خالصة أو عربية وأجنبية، وقيام البنك المركزي في سنوات سابقة بضمانها وسدادها كاملة، رغم ضياعها بسبب إفلاس نحو 10 بنوك كان هؤلاء المدخرين يودِعون أموالهم فيها.

ولعلنا نذكر من هذه البنوك أسماء: النيل والدقهلية التجاري والمصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية ومصر إكستريور والمصري المتحد والأهرام والمهندس والاعتماد والتجارة، فأموال المودعين داخل هذه البنوك ضاعت بسبب سوء إدارتها وحالات الفساد الصارخة بها، قضية نواب القروض مثلاً، ورغم ذلك قام البنك المركزي بضمان هذه الودائع كاملة رغم إغلاق البنوك المتعثرة عبر دمجها في بنوك أخرى.

وأتفهم ثالثاً حرص هؤلاء المدخرين الشديد على الحفاظ على ما تبقى من أموالهم، عبر البحث عن أدوات استثمار آمنة، أو على الأقل أدوات قليلة المخاطر مثل الذهب والدولار والعقارات.

وأتفهم رابعاً قلق المواطن المتنامي من الوضع الاقتصادي العام، فقرار تعويم الجنيه المصري الذي تم تصويره للجميع على أنه المنقذ للاقتصاد من حالة التردي لم يلمس المواطن له آثاراً إيجابية حتى الآن.

فالتعويم لم يقض على السوق السوداء بعدُ كما وعدت الحكومة، ولم يُعد الاستقرار إلى سوق الصرف المضطرب لسنوات طويلة، ولم يُعد الاستثمارات الأجنبية الهاربة خلال السنوات الأخيرة، ولم يدفع البنوك نحو تلبية احتياجات عملائها من النقد الأجنبي، خاصة المطلوبة لأغراض الاستيراد والتجارة وشراء المواد الخام والسلع الوسيطة، والأهم من ذلك أنه لم يطفئ نار الأسعار الملتهبة، بل زادها اشتعالا.

وبدلاً من أن يجد المواطن أية إشارات إيجابية من قِبل الحكومة تشير، ولو من بعيد، إلى تحسّن وضعه المعيشي وتهدئة الأسعار المشتعلة، رأي في المقابل إشارات حكومية سلبية بالغة الخطورة على وضعه المعيشي.

فهذه سحر نصر، وزيرة التعاون الدولي، تصرح لجريدة وول ستريت جورنال الأميركية بأن الحكومة تعتزم بيع حصص في قطاعات استراتيجية، هي شركات المرافق العامة، وهي القطاعات التي ظلت خطاً أحمر للحكومات السابقة، بما فيها حكومة عاطف عبيد، التي عُرفت باسم حكومة الخصخصة والأكثر بيعاً لشركات القطاع العام.

وعقب التصريحات زاد قلق المصريين أكثر على أوضاعهم المعيشية، فتصريح الوزيرة يعني ببساطة ارتفاع أكثر في أسعار المياه والكهرباء والمواصلات وخدمات النفع العام، عقب بيع حصص من شركات المرافق العامة للقطاع الخاص.

وها هو وزير البترول، طارق الملا، يخرج مجدداً ليزف للمصريين بشرى بإصرار الحكومة على رفع الدعم عن الوقود، وهو ما يعني حدوث مزيد من زيادة أسعار البنزين والسولار والغاز وغيرها من المحروقات، ولن تسكت الحكومة إلا مع وصول أسعار الوقود محليا إلى الأسعار العالمية، رغم الفارق الكبير بين الأجور في مصر والدول التي تطبق تلك الأسعار.

ويتكرر السيناريو مع أسعار الكهرباء التي تخطط الدولة لرفع الدعم عنه نهائيا خلال 5 سنوات، حسب تصريحات لوزير الكهرباء محمد شاكر.

ومع الحديث الحكومي المتواصل عن تنقية البطاقات التموينية، وتسرب تصريحات من داخل وزارة التموين تشير إلى عزم الحكومة حذف 45 مليون شخص من البطاقات، يتنامى القلق بين غالبية المصريين، خاصة وأن التقارير الرسمية تشير إلى أن ما يزيد عن 27% (ما يعادل 20 مليون مواطن) فقراء يستحقون دعم التموين ورغيف الخبز، في حين ترفع مؤسسات دولية النسبة لأكثر من 40%.

إذن هناك قلق متنام وسريع بين المصريين .. قلق لا يطاول فقط تحويشة عمرهم ومدخراتهم في البنوك، ولكن قلق على المستقبل بالكامل، والمطلوب إجراءات حكومية على الأرض تمتص هذا القلق وتتعامل معه بشكل جدي، وليس عبر تصريحات إعلامية فقد الجميع الثقة بها.

المساهمون