تعقد دول المجموعة الأوروبية يوم 23 يوليو/ تموز الجاري في إيطاليا، مؤتمراً لمناقشة ملف الهجرة الأفريقية لأوروبا التي باتت من القضايا التي تقض مضاجع الساسة في القارة العجوز، خاصة بعد الاضطرابات التي شهدتها فرنسا في بداية الشهر الجاري، والصعود القوي للأحزاب الشعبوية في العديد من دول القارة الأوروبية.
وحسب البيانات الرسمية في بروكسل، فقد خصصت دول المجموعة نحو 9.9 مليارات يورو لصندوق اللجوء والهجرة والاندماج بين عامي (2021-2027)، وذلك للتعامل مع تلك الأزمة المتفاقمة. ورغم ضخ هذا المبلغ إلا أن نتائج احتواء المشكلة لا تزال ضعيفة.
ولكن ما يقلق قادة أوروبا ليس الكلفة المالية للهجرة غير الشرعية بقدر الكلفة السياسية والاجتماعية المرتفعة لتلك الهجرة التي أصبحت صداعاً دائماً للحكومات الأوروبية بسبب ما تثيره من توترات واضطرابات في العديد من دول الاتحاد الأوروبي، وفق قادة بعض تلك الدول.
ويتجاهل هؤلاء القادة الآثار الإيجابية والعوائد الاقتصادية التي حققها المهاجرون الأفارقة وغيرهم في دعم الاقتصاد الأوروبي، خاصة قطاع الأعمال، وضخ استثمارات كبيرة به، وإقامة مشروعات خدمية وإنتاجية تلبي احتياجات الأسواق المحلية، وتوفير الخبرات والكوادر المطلوبة لسوق العمل.
وخلال السنوات الأخيرة تحولت قضية الهجرة غير الشرعية إلى عامل جذب رئيسي لجماهير القارة يعتمد عليها اليمين الأوروبي في كسب الانتخابات وسط تدهور شعبية الأحزاب التقليدية، ويوماً بعد يوم يزيد منسوب الحديث حول مخاوف تداعيات تلك الهجرة الخطرة على مستقبل النظام الرأسمالي الليبرالي في القارة بهدف كسب أصوات الناخبين.
ورغم أن أوروبا تعاني من أزمة الشيخوخة، وتحتاج إلى المهاجرين الشباب الجدد لتحقيق النمو الاقتصادي وسد شواغر فرص العمل، إلا أن الساسة يعترفون بأن الهجرة غير الشرعية لم تعد قضية هامشية في السياسة الأوروبية، إذ صعدت التيارات اليمينة في إيطاليا والنمسا على أكتاف الهجرة غير الشرعية، كما تم انتخاب حكومات بناءً على وعد باحتواء الهجرة غير الشرعية.
وتسعى الحكومات الأوروبية إلى مكافحة الهجرة غير الشرعية عبر مجموعة آليات، من بينها إنشاء صندوق الطوارئ لأفريقيا بقيمة 5 مليارات يورو. وتطالب رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني بزيادة رأس مال الصندوق، ورفع حجم المساعدات لدول القارة الفقيرة والاستثمار أكثر في مشاريع تساهم في زيادة فرص التوظيف للشباب.
كما تعمل الحكومات الأوروبية على الحد من العوامل التي تجذب المهاجرين الأفارقة إلى أوروبا مثل الحوافز التي تمنحها دولة الرفاه، وتشديد الرقابة على الموانئ والسواحل التي تستغلها العصابات المتاجرة بالهجرة، ولكن حتى الآن يبدو أن هذه الخطوات لم تكن فعالة في حسم قضية الهجرة غير النظامية رغم النجاحات التي حققتها.
وحسب بيانات يورو ستات، بلغ عدد المقيمين الذين لا يحملون الجنسية الأوروبية في دول المجموعة الـ27 حتى بداية يناير/ كانون الثاني، 23.8 مليون نسمة، وهو ما يعادل 5.3% من إجمالي عدد السكان البالغ 446.7 مليون نسمة.
وزار دول المنطقة عدد من كبار المسؤولين الأوروبيين، من بينهم رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، في محاولة للحد من تدفق الهجرة غير المشروعة لأوروبا. وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، حاول أكثر من 56 ألف شخص الإبحار إلى إيطاليا نصفهم انطلاقاً من ليبيا. ووفق أرقام غير رسمية يعيش في ليبيا حوالي 700 ألف أجنبي كثير منهم مهاجرون يرغبون في شق طريقهم إلى أوروبا.
على صعيد الهجرة غير الشرعية القادمة من أفريقيا عبر القوارب والسفن غير المرخصة، يقول تقرير "يورو ستات" إن عدد المهاجرين بطرق غير شرعية تراجع بمعدل سنوي من 1.04 مليون نسمة في عام 2015 إلى 330 ألف مهاجر في نهاية العام الماضي 2022.
وبينما تستعد المفوضية الأوروبية لعقد المؤتمر بالاشتراك مع الدول الأوروبية في العاصمة الإيطالية روما، تقول الدكتورة تيريزا نوغيرا بنتو في دراسة حديثة نشرت إنه سيكون من الصعب تحقيق نتيجة مربحة للجانبين، الأوروبي والأفريقي في هذا المؤتمر.
وترى الدراسة التي نشرتها بنتو في موقع مؤسسة "جي أي أس" أن من المرجح أن يسعى الاتحاد الأوروبي لمعالجة الهجرة غير النظامية على المديين القصير والمتوسط، من خلال إجراء تعديل على عوامل "الجذب" التي تحفز الهجرة، وزيادة تدابير حماية الحدود وإقامة شراكات مع دول ثالثة. كما يمكن لأوروبا أيضاً أن تلعب دوراً مهماً في دعم النمو الاقتصادي القائم على التصدير لإنشاء وظائف جديدة للشباب الأفريقي والحد من الهجرة على المدى الطويل.
لكن ورغم تلك الرؤية يرى محللون أن العوامل التي تدفع الهجرة الأفريقية إلى أوروبا ستظل قائمة، ومن المرجح أن تتكثف على مدى العقود المقبلة. ويرون أن السبب الرئيسي وراء ذلك بسيط جداً، وهو التفاوت الكبير بمعدلات النمو الاقتصادي بين أوروبا وأفريقيا، إذ إن النمو الاقتصادي في أفريقيا لا يواكب النمو السكاني.
ولاحظت دراسة في هذا الشأن أن التوسع السريع في عدد السكان في سن العمل آخذ في التحول من آسيا إلى أفريقيا، وبحلول عام 2050، سيكون أكثر من نصف سكان القارة الأفريقية دون سن 25 عاماً.
وتشير بنتو إلى أن هنالك عاملين يعرقلان النمو الاقتصادي بدول القارة الأفريقية، وهما هشاشة النظم السياسية بدول القارة وفشلها في معالجة التنوع الإثني والقبلي والجهوي والديني التي تخلق الحروب والصراعات، مما يعيق عدم الاستقرار السياسي وبناء دولة المواطنة والقانون. وثانياً الإرث الاستعماري الذي يمنع بناء الدولة الحديثة واستغلال الموارد وسط الصراع بين الشركات العالمية على استغلال هشاشة النظام في نهب الثروات ونقص البنى الأساسية وسوء الإدارة والفساد الإداري.
في هذا الصدد، يقول معهد الدراسات الأمنية الأوروبي، أن من المتوقع أن تشكل أفريقيا ربع سكان العالم بحلول عام 2047، ولكن في المقابل فإن حجمها الاقتصادي لن يتجاوز 6% من الاقتصاد العالمي. ويرى المعهد أن أفريقيا لم تتمكن من الاستفادة من العولمة والتحول الذي أحدثته الثورة الصناعية مثل ما حدث في آسيا، إذ ظل الملايين في القارة السمراء فقراء يعانون من غياب الوعي والتعليم والتأهيل، وبالتالي من المرجح أن تظل مشكلات انخفاض الإنتاجية والبطالة هي السمة السائدة في أفريقيا خلال العقود المقبلة.