دفع غلاء المعيشة وتعقد الإجراءات البنكية وتباطؤ مدة دراسة طلبات القروض، بالجزائريين للبحث عن بدائل لتمويل مشاريعهم أو حتى لمواجهة مصاريف الحياة خاصة المفاجئة وغير المتوقعة، ما أوقعهم بين كفتي كماشة "تجار القروض السوداء" أو "تجار الأزمات" كما يسميهم الجزائريون، الذين ينشطون في الأسواق الموازية للعملة الصعبة، أو حتى في الأسواق النظامية للسلع.
توجهت "العربي الجديد" إلى شارع "الحميز" شرقي العاصمة الجزائرية، المشهور بمحلات بيع السلع والأجهزة المنزلية، بحثا عن "تجار القروض السوداء".
ولم يستغرق الأمر كثيرا من الجهد، مع أول محل نلجه، عرض علينا صاحب المحل، خير الدين، قرضا بالتقسيط، يصل إلى مليون دينار جزائري (7400 دولار) حسب الراتب، موضحا أنه "يحرر فاتورة بقيمة القرض، ويمنح الأموال نقدا لطالب القرض"، أما الفوائد والدفع "فتقدر بين 15 و19 بالمائة وتسدد على 24 شهراً، على أن يسلم القرض في يوم وضع الملف المتكون من بطاقة الهوية وشيكات بنكية موقعة".
في محلٍ ثانٍ، قال الموظف محمد خياري إنه "اضطر إلى طلب "قرض أسود" هو وزوجته بـ 900 ألف دينار (6600 دولار)، لشراء سيارة صينية جديدة، بعد انتظارٍ دام لسنوات، من جراء غلق باب استيراد السيارات الجديدة منذ 2019".
وأكد المتحدث نفسه لـ "العربي الجديد" أن "طلب قرض بنكي يتطلب "جبلاً من الأوراق" ويستغرق شهوراً من الدراسة، مع إلزامية رهن عقار أو منزل كضمانة، ودفع رسوم دراسة الملف وفي الأخير يرفض الطلب، لذلك "القروض السوداء" ملاذ سريع لكل من يبحث عن تمويل لمشاريعه".
ويشكو الجزائريون من القيود المشددة التي تفرضها البنوك والمصارف، وتباطؤ دراسة الملفات والمغالاة في طلب الضمانات، ما يزيد من إرهاق الباحثين عن المال ويدفع بعضهم نحو البحث عن التمويلات في وجهات أخرى.
وتتباين فرص الظفر بقرض بنكي بين عمال القطاعين العام والخاص، حيث يكون العاملون في القطاع الحكومي الأوفر حظا في الحصول على القروض، إذ يعد الاستقرار الوظيفي في القطاع العام ضمانة مهمة للاقتراض بينما تطالب المصارف العاملين في القطاع الخاص بتقديم لائحة من الوثائق التي تثبت قدرتهم على سداد القروض المطلوبة.
وانتقلت عروض "القروض السوداء" من الواقع إلى المواقع الإلكترونية خاصة عبر الفيسبوك، حيث تعرض صفحات قروضا نقدية "حلالاً"، شرط أن يكون طالب القرض يعمل في القطاع العام. وفي اتصال بـ"العربي الجديد" أكد مسؤول إحدى هذه الصفحات أن "القرض يقدم نقدا أو يحول إلى حساب من يطلب القرض مع فائدة تلامس 20 بالمائة، ضمن ما يُسمى قرض المرابحة في الشريعة الإسلامية".
وسبق للبنك المركزي الجزائري أن شدد القيود على عمليات منح القروض من طرف المصارف والمؤسسات المالية، وذلك لمواجهة معضلة تراجع السيولة التي باتت تؤرق المركزي.
وطلب المركزي الجزائري من البنوك تخفيض نسبة منح القروض لأكبر درجة ممكنة، حيث دعاها إلى الحفاظ على السيولة بكل الطرق الممكنة. وفي ما يتعلق بالقروض، إن اللجان التقنية على مستوى كل بنك، المكلفة بدراسة طلبات القروض، عليها تشديد شروط منحها في إطار ما يسمح به القانون.
تتباين فرص الظفر بقرض بنكي بين عمال القطاعين العام والخاص، حيث يكون العاملون في القطاع الحكومي الأوفر حظا في الحصول على القروض
وانزلقت بنوك الجزائر في نفق أزمة السيولة، رغم التدخلات العديدة للبنك المركزي، لإنقاذها من فخ شح الموارد الذي دفعها إلى الامتصاص من الاحتياطات الإجبارية، فيما بلغ العجز في السيولة 40 بالمائة نهاية 2023.
وعزا المركزي الجزائري ارتفاع العجز في السيولة إلى ارتفاع حجم القروض المتعثرة بشكل مستمر خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث بلغت 10 في المائة عام 2015، لتزيد إلى 13 في المائة في العام التالي، و17 في المائة في 2017، ثم 20 في المائة في العام اللاحق، قبل أن تقفز إلى 30 في المائة خلال 2022.
ويرى مدير دائرة التخطيط والسياسات النقدية في المركزي الجزائري سابقا عبد القادر مهلولي أن "الحل الوحيد لجميع مشاكل الجزائر المالية والنقدية وكبح توسع الأسواق الموازية يمر عبر عصرنة النظام البنكي وتسريع وتيرة الرقمنة، إذ لا يُقبل أن تتبنى الحكومة مقاربة لامتصاص الأموال في الأسواق الموازية، في وقت تقدم هذه الأسواق خدمات تمويلية أسرع ومرنة ونسب فوائد مقبولة مقارنة مع البنوك".
وأضاف المتحدث نفسه لـ "العربي الجديد"، أن "البنوك الجزائرية تسير بمبدأ "الخوف من العملاء" في وقت عليها أن تُبادر لجلب الأموال وتقديم خدمات بنكية ذات رواج، لإعادة بناء الثقة مع الجزائريين".